الأهمية الاقتصادية لخط “حبشان – الفجيرة” (العسومي محمد)

 
العسومي محمد

افتتح مؤخرا خط "حبشان – الفجيرة" لنقل النفط من حقول الإنتاج في إمارة أبوظبي إلى ميناء التصدير في الفجيرة على خليج عمان، مما يعد خطوة ذات أبعاد إستراتيجية واقتصادية وبيئية مهمة للغاية.
ويشكل هذا الخط الممتد لأكثر من 350 كيلومترا من منابع النفط المطلة على الخليج العربي إلى إمارة الفجيرة نقلة نوعية في صناعة النفط الإماراتية، إذ إنه لأول مرة ستتمكن دولة الإمارات من تصدير ما نسبته 1.5 مليون برميل يوميا، وهو ما يشكل أكثر من 50% من إنتاج النفط في الدولة من خلال هذا الأنبوب ودون المرور بمضيق هرمز الذي تحيطه به المخاطر من كل جانب ويمر من خلاله 30% تقريبا من صادرات النفط الخام في العالم.
ومن الناحية الإستراتيجية، فإن ذلك سيجنب دولة الإمارات خطر وقف صادراتها من النفط في حالة إغلاق مضيق هرمز والذي تهدد إيران باستمرار بإغلاقه، وبالأخص بعد أن دخل حيز التنفيذ قرار الاتحاد الأوروبي بمقاطعة النفط الإيراني اعتبارا من بداية شهر يوليو الجاري، حيث أطلقت إيران مؤخرا تهديدات جديدة بإغلاق المضيق إذا ما تأثرت بهذه المقاطعة، وذلك من منطلق وقف ليس صادرات إيران فحسب، وإنما وقف صادرات دول الخليج لمعاقبة الغرب والإضرار باقتصاداته وخلق أزمة لا يمكن للاقتصاد العالمي تحملها في ظل أزماته الحالية.
وفي هذا الصدد تقدم مجموعة من النواب بمشروع للبرلمان الإيراني يحث الحكومة على العمل لمنع مرور شحنات النفط الخام من مضيق هرمز إلى الدول التي تدعم العقوبات المفروضة على إيران، حيث سيؤدي تجاوز مضيق هرمز وتقليل أهميته الإستراتيجية إلى انتزاع ورقة ضغط قوية من طهران التي تسيء استغلالها في الوقت الحاضر.
وسيتيح افتتاح خط حبشان الفجيرة تدفق معظم صادرات النفط الإماراتية، وذلك بغض النظر عن التهديدات المحيطة بمضيق هرمز، مما يشكل أهمية كبيرة ليس للاقتصاد الإماراتي فحسب، وإنما لاستقرار إمدادات الطاقة في العالم ككل والتي تشكل ضرورة موضوعية للنمو العالمي، كما أن مركز التصدير الجديد سيمنح الإمارات استقلالية شبه تامة عن مضيق هرمز، مما يضيف لصادراتها من النفط مرونة كبيرة، وهو تطور مهم لصناعة النفط الإماراتية.
وفي هذا الجانب أيضاً يتوقع أن تنخفض تكاليف نقل النفط الإماراتي، وكذلك تكاليف التأمين المرتفعة في منطقة الخليج بسبب زيادة المخاطر، مما يمنح النفط المصدر من الدولة أفضليات تسويقية ويزيد من منافسته في الأسواق العالمية، ذلك ليس بسبب تكاليف النقل والتامين فحسب، وإنما بسبب ضمان الإمدادات أيضا، مما سيكسب شركات النفط الوطنية المزيد من الثقة في تعاملاتها مع شركائها الدوليين.
أما من الناحية البيئية، فإن خط حبشان الفجيرة سيقدم خدمة كبيرة للمحافظة على البيئة في منطقة الخليج التي تعبر مياهها مئات الناقلات والسفن التجارية يوميا، مما حولها إلى أكثر بحار العالم تلوثا، علما بأن عددا من هذه الناقلات يقوم برمي مخلفات خزاناته في مياه الخليج، مما يزيد من عملية التلوث المضرة بالبيئة وبالكائنات البحرية التي تشكل مصدرا مهما للغذاء لسكان المنطقة.
لذلك، فإن افتتاح الخط الجديد يعني انخفاض عدد ناقلات النفط الداخلة للخليج العربي من مضيق هرمز، وبالتالي التقليل من التلوث الناجم عن مخلفات هذه الناقلات، في الوقت الذي لا يشكل فيه نقل النفط عن طريق الأنابيب تهديدا ذات أهمية للحياة الفطرية في الصحراء، كما أن التلوث الناجم عن ذلك لا يذكر، مقارنة بالمكاسب المتحققة من عملية التشغيل.
وإذا كانت هذه بعض الانعكاسات الإستراتيجية والاقتصادية والبيئية لخط حبشان – الفجيرة، فإن مثل هذا التوجه لابد وأن يكتسي بعدا خليجيا استراتيجيا بعيد المدى يرمي إلى ضرورة التنسيق بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لاستغلال الموقع المميز لكل من دولة الإمارات وسلطنة عمان لمد المزيد من خطوط نقل النفط الخليجي إلى موانئ التصدير الواقعة على خليج عمان لتبقى في مأمن من التهديدات الخاصة بمضيق هرمز وللاستفادة من الإيجابيات العديدة التي يمكن جنيها من خلال وجود شبكة خليجية متكاملة لنقل النفط والغاز.
وإذا ما استثنينا المملكة العربية السعودية التي تملك خطوطا لنقل النفط ممتدة من منطقة الخليج إلى البحر الأحمر ومتجاوزة مضيق هرمز، فإن ثلاث من دول المجلس، هي الكويت وقطر والبحرين تعتمد بشكل كامل في صادراتها على المرور من خلال هذا المضيق، وذلك بالإضافة إلى الجزء الأكبر من صادرات النفط السعودية، مما يحمل معه الكثير من المخاطر وعدم الاستقرار.
والحال، فإن التجربة الإماراتية ستتلمس دول المجلس مجتمعة مدى أهميتها الإستراتيجية والاقتصادية، مما قد يدفع باتجاه تبني هذه التجربة واعتبارها أرضية قوية لربط خط نقل أنابيب النفط من حبشان بأبوظبي إلى الفجيرة بخطوط أخرى قادمة من دول مجلس التعاون الخليجي، مما سيشكل نقلة نوعية ليس لصناعة النفط الخليجية وحدها، وإنما للتعاون والتكامل الخليجي ولاستقرار الاقتصادات الخليجية والتي أصبحت مركز اهتمام عالمي لما تتمتع به من قدرات مالية كبيرة.

صحيفة الشرق القطرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى