الدولار يرتفع مجدداً في سوريا

قفز الدولار قفزات جديدة في سوريا، محققا رقما جديدا وصل إلى حدود 210 ليرات سورية للدولار الواحد، وذلك في ظل اتهامات رسمية أطلقها رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي عن وجود “هجوم منظم داخليا وخارجيا” يستهدف سعر الصرف.

وبدأت العملة السورية بالتراجع، من دون أسباب مفهومة، منذ أسبوعين عن سعر 180 ليرة للدولار، وحافظت عليه لأسابيع عدة، وبمعدل ارتفاع بضع ليرات كل بضعة أيام، وصولا إلى ما نسبته 5 في المئة من الفقدان خلال أسبوعين، والذي يمكن أن تقفل عليه الأسواق الداخلية حتى الأحد المقبل.

وعقب الحلقي على الارتفاع الأخير، متهما “مؤسسات صرافة عالمية ومتلاعبين بسعر الصرف بتنفيذ هجوم منظم، داخليا وخارجيا” يستهدف سعر الصرف. ووعد “بإجراءات حكومية لإحباط كل المحاولات التي تحاول النيل من سعر صرف الليرة”، معتبرا أن جزءا من النتائج الحالية نابع من “انتشار الكثير من الإشاعات، على بعض المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، تهدف إلى زعزعة استقرار سعر صرف الليرة”.

ولم يرتبط الهبوط التدريجي الحاصل بأحداث ميدانية ضخمة، كما لم يكن نتيجة عملية اقتصادية واضحة، الأمر الذي دفع بعض المحللين للقول إنه ناجم عن غياب “التدخل الاعتيادي” للمصرف المركزي في المضاربات المالية. وقال تجار سوريون، لـ”السفير”، إن المصرف المركزي رغم ذلك لم يتأخر في تمويل طلبات الاستيراد التي طلبوها والتي بلغ بعضها مئات ملايين الدولارات “الأمر الذي يعني أنه ما من مشاكل سيولة لدى المصرف”.

ويرى البعض أن مبررات ارتفاع الدولار محليا كثيرة في حالة الحرب التي تعيشها البلاد، ويأتي إضافة لها ازدياد نشاط المستوردين مع ازدياد حدة الشتاء، لا سيما في ظل أزمات التدفئة والكهرباء الحاصلة. ووفقا للخبير الاقتصادي عابد فضلية، فإن “تجار السوق” يلعبون دورا سلبيا في ترويج “شائعات عن حالة عدم استقرار سياسي واقتصادي وشيكة”.

بدوره، يقول المحلل المالي اياد محمد سببا آخر، مرتبطا بالسوق العالمية ويتمثل بانخفاض سعر البترول، الذي تجاوز نزولا سقف 80 دولاراً للبرميل، ما انعكس ارتفاعا على الطلب على الورقة الخضراء عالميا.

ويرجح محمد، في تصريح لـ”السفير”، أن يقوم البنك المركزي بالتدخل في الأيام المقبلة لرسم سقف جديد للدولار، علما أنه يقوم بملاحقة سعره في السوق السوداء عبر تعاميم يومية لشركات الصرافة “لسد الفجوة القائمة بين السعر الرسمي المتداول والسعر غير الرسمي”.

ودافع محمد عن سياسة “المركزي” حيال الدولار، معتبرا أن “حالة الغموض التي تكتنفها سياسته في ظل الحرب الاقتصادية على سوريا هي التي حافظت على هذا الارتفاع التدريجي، وحمت العملة من انهيار كبير”. ووفقا لهذا التحليل، فإن “الخطوات التي يمكن للجميع توقعها لا تخدم تحسن العملة”، وبالتالي فإن “سرية عمل المركزي، وعدم القدرة على التنبؤ بخطواته ومنهجه، هما اللذان يحميان العملة من الهجمات المدمرة”، مشيرا إلى حالات انهيار العملات في الحروب، كما حصل في لبنان والعراق.

وتمكَّنت الحكومة السورية من الحفاظ على استقرار نسبي للدولار مقابل الليرة، استنادا إلى عوامل، ذكرها مدير نشرة “سيريا ريبورت” جهاد يازجي لـ”السفير”، بينها “زيادة الرسوم الجمركية، وخفض الاستثمار والنفقات – وعن طريق أنواع جديدة من التدفقات: المساعدات الدولية لتمويل العمليات الإنسانية، المعونة الثنائية من إيران، استخدام احتياطي العملات الأجنبية التي بحوزة المصرف المركزي، والتحويلات التي قدمها الداعمون للثورة، سواء من المغتربين أو من دول الخليج، التي زادت، في نهاية المطاف، مخزون الدولار في السوق السورية للعملات الأجنبية”، وهي موارد يشير يازجي إلى أنها تراجعت، ما يبرر نسبيا الانخفاض الحاصل في قدرة الليرة.

ويضاف إلى عوامل التراجع، الاضطراب في سوق الصرافة، لا سيما مع حديث وسائل إعلام عن محاكمة عدد من “شركات الصرافة الكبيرة أمام القضاء نتيجة مخالفتها لسعر الصرف”.

وينتقد محللون آخرون سياسة البنك المركزي تجاه الدولار، ويصفها البعض “بالتخبط، والافتقاد إلى الإستراتيجية“، محملين هذه السياسة مسؤولية التراجع الكبير في قيمة الليرة. إلا أنه من الجدير التذكير بأن سوريا هي دولة من دون موارد في الوقت الحالي، وتؤمن احتياجاتها عبر خطوط استدانة ائتمانية، بشكل أساسي من إيران، ومن روسيا.

ووفقا لمحمد فقد تمكنت سوريا من الحفاظ على هذا الثبات النسبي اقتصاديا، استنادا إلى عوامل عديدة، بينها الاعتماد على اقتصاد الظل (الحركة التجارية الخفية عن الرقابة الرسمية محليا ودوليا) والحوالات والتحالفات. ويضيف عاملاً آخر يعتبره جوهريا هو “السياسة الاقتصادية السرية” التي لا يمتلك مفاتيح معلوماتها سوى قلة قليلة من المسؤولين والنافذين.

وربما يأتي في سياق توضيح هذه السرية ما جاء على لسان وزير المالية إسماعيل إسماعيل منذ أيام؛ فبالرغم من أن الوزير أثار ردود أفعال سلبية بدعوته العلنية للمواطنين إلى “التقشف”، نافيا وجود مشاريع لتحسين الدخل الوظيفي، إلا أنه ذكر معلومة لافتة أيضا، وهي أن “سوريا لم تقترض قرشا واحدا حتى الآن من احد”.

ويعلق اقتصاديون على هذا الكلام باعتباره ممكنا، حين يأتي الأمر للجداول الرسمية، على اعتبار أن أحداً لا يعلم حجم الدعم الخارجي الذي تتلقاه الحكومة، علما أن تصريحات المسؤولين عن الإنفاق تتجاوز بشكل هائل الأرقام المعلنة للتمويل.

ومعروف أنه سبق للحلقي أن أعلن بداية هذا العام في لقاء مع الفضائية السورية أن دمشق تحتاج إلى ما يقارب 800 مليون دولار شهريا لاستيراد حاجتها من المازوت والبنزين، ما يعني كلفة تقارب 10 مليارات دولار سنويا، في بلد يقال إن احتياطه من العملة الصعبة كان بحدود 17 مليار دولار قبل العام 2011.

إلا أن يازجي يعتبر بدوره أن “التسهيلات الائتمانية” التي أعلنت عنها الحكومة السورية، مع إيران، وتسعى إليها مع روسيا هي في النهاية دين يجب تسديده، وإن اختلف طابع التسديد عن القروض التقليدية.

بدوره، يوافقه فضلية على اعتبار الخطوط الائتمانية دَينا، بغض النظر عن طرق تسديدها، وإن كانت “تأتي من دول صديقة، من دون شروط سياسية، أو فوائد”.

وترجح غالبية الاقتصاديين، المتابعين للوضع السوري الراهن، أن تستمر حالة التراجع في قدرة الليرة، للعوامل السابقة التي ذكرت. ووفقا لتعليقات احد الاقتصاديين فإن تصريحات المسؤولين عن “التقشف” وإمكانية “تحرير” أسعار بعض السلع المدعومة، وإن تم التراجع عنها لاحقا، ليست سوى دليل على المنهج الذي قد تضطر الحكومة لاتخاذه مع استمرار هذه الحرب.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى