الليرة السورية: «نص الألف دولار»

لامس الدولار الأميركي سقفاً قياسياً جديداً في سوريا، ببلوغه حاجز الـ500 ليرة للدولار الواحد، ما يعني تضاعفه 10 مرات عن سعره في نهايات العام 2010، والذي كان بحدود الخمسين ليرة سورية.

ويأتي الارتفاع السريع مفاجئاً لتوقعات الاقتصاديين، التي كانت متشائمة أصلاً، بخصوص وصوله لهذا المستوى نهاية الصيف المقبل، بسبب تجدد الطلب على مواد الطاقة والحاجيات الغذائية المستوردة، علماً أن هذه التوقعات كانت وضعت الارتفاع الخريفي حينها في سياق تطور الحالة الاقتصادية الطبيعي، والذي تضمّن التنبؤ أيضاً بأن العام 2016 «سيشهد بشكل اعتيادي» قفزات جديدة للعملة الخضراء في البلاد.

لكن الدولار قفز سريعاً من مستوى 450 إلى مستوى 480 في الأسبوعين الماضيين، بشكل تزامن مع إعلان الروس الانسحاب الجزئي لقواتهم من المعركة السورية الراهنة. ورغم أن هذا الانسحاب يبقى جزئياً، ويمكن التراجع عنه في أية لحظة، وفقاً لما صرح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومسؤولون سوريون أيضاً، بينهم المستشارة الرئاسية بثينة شعبان، إلا أنه ألقى بأثره على الواقع الاقتصادي.

ويفضل المحللون الرسميون عدم ربط الأمرين معاً، لأسباب سياسية على الأرجح، إلا أن حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة صرّح، منذ أيام، بأن أسباب التراجع الأخير في سعر صرف الليرة سببه «استغلال الأطراف المعادية لخبر اتفاق تخفيض عديد القوات الجوية الروسية في سوريا لجهة التأثير في معنويات المواطنين، والعمل على رفع سعر الصرف بشكل غير مبرّر»، معتبراً أن ذلك يحصل بالرغم من وجود «المستجدات الاقتصادية الإيجابية، التي كان من أبرزها فتح معبر جديد بين سوريا والعراق يمرّ عبره يومياً أكثر من 150 آلية تحمل المنتجات السورية إلى العراق، وكذلك تشغيل الخط البحري المباشر بين الموانئ السورية والروسية لتسهيل تصدير المنتجات السورية إلى جمهورية روسيا الاتحادية».

وكان حينها التداول الرسمي للدولار بحدود 426 ليرة للمصارف، لكنه وصل أمس مستوى جديداً بـ437.34 بالنسبة للمصارف، و442 بالنسبة لمكاتب الصرافة، و420 فقط بالنسبة لتسليم الحوالات الشخصية، ولحق اليورو رسمياً بالدولار بسعر يقارب 497 ليرة سورية، رغم أنه بحدود 472 للحوالات الشخصية، علماً أنه في السوق السوداء أعلى بكثير.

وسبق لمسؤولين اقتصاديين أن أعلنوا الشهر الماضي بأن «الهدنة» التي تمّ التوصل إليها ساهمت في تحقيق استقرار نسبي، ولا سيما كونها ترافقت مع التقدم الميداني الحاصل في شمال حلب، وبتغطية جوية كثيفة من سلاح الجو الروسي والسوري حينئذ، وكان حينها الدولار لا زال بحدود الـ400 ليرة.

ويضيف هذا الواقع عاملاً إضافياً على تذبذب استقرار العملة المحلية، والتي لا تخضع للمضاربات، والاستنزاف بسبب الحاجة للاستيراد فقط، بل أيضاً للعوامل الميدانية، وهو ما يجعل إمكانية انحدارها ممكنة دوماً، في حال ساءت الأوضاع مجدداً، مع العلم أن تحسّنها لا يعني العودة للوراء، بل في أفضل الأحوال استقرار سعر الصرف، وهذه بدورها ليست قضية بسيطة، وتشكل مطلباً لعموم التجار والمستهلكين.

ووفقاً لما يقوله أصحاب متاجر صغيرة، فإن حالة انعدام الاستقرار «مُضرّة بقدر ما هو مضرّ الاستنزاف الحاصل لليرة». ويشكو تجار الحلقة الوسطى من وقوعهم بين سيطرة التاجر الكبير المستورد أو المنتج من جهة، والمستهلك الشاكي والعاجز شيئاً فشيئاً عن تسديد الأسعار، من جهة أخرى. وحال الأخير أيضاً، تواجه المعضلة الشهرية باستحالة إجراء «حسابات البقاء والمقاومة»، مع عدم إمكانية التنبؤ بما ستستهلكه اليوميات، أسبوعاً بعد الآخر، والذي يضع المواطن العادي في مواجهة سؤال لا أحد يمتلك الإجابة عليه: «ماذا بعد؟».

ورغم أن الكثيرين يميلون لاتهام الحكومة السورية الحالية بالتقصير، بطريقة تعاطيها مع المضاربات بالعملة الصعبة من جهة، وضعفها بمواجهة آليات الفساد المستحكمة، إلا أن حالة «التسعير بالدولار» صارت بدورها حالة عامة، وإن كانت تجري خفية فيما يخص بعض السلع الاستهلاكية الخفيفة، كالهواتف والالكترونيات، وعلناً حين يصل الأمر لتجارة السيارات المستعملة والعقارات.

لكن تجار الفئة الأخيرة بدورهم، وبسبب عدم لحاقها ركب الارتفاع التدريجي القسري للسلع، نتيجة تحررها من الارتباط بالعملة الصعبة، صاروا يقدّمون أسعاراً علنية بالدولار الأميركي، علماً أن القانون السوري يُحرم المتاجرة بغير العملة السورية، وينص على عقوبات بالسجن، لهذه الحالة.

ورفضت الحكومة السورية سابقاً أية محاولات لاقتراح تعويم الدولار، أو تداوله كعملة مساعدة، كما هو الأمر في دول مجاورة، وذلك خشية من تدهور سريع إضافي يمكن أن يصيب العملة المحلية. لكن الواقع يفرض نفسه من ناحية أخرى، بسبب انعدام الشعور بالأمان الاقتصادي، والذي صار يُحسَب بالأسابيع، لا بالأشهر، بالنسبة للمدخرات، والفروق الكبيرة الموجودة بين السوق الرسمية والسوداء. ووفقاً لمسؤولين محليين، ليست هناك حلول موجودة في الأفق، كما أن المحاسبة الاقتصادية التي يجري التذرع بضعفها لن تحل المشكلة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى