اقتصاد

بريطانيا ومنطقة اليورو.

  فيليب ستيفنز

بريطانيا ومنطقة اليورو…كلما اتسعت هوة الأزمة المالية في إنجلترا حدث الشيء نفسه في الولايات المتحدة. فعندما عقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني محادثات حول أزمة اليورو، ردد الرئيس الأمريكي التصريحات التي كان يدلي بها أسلافه. قال الرئيس الأمريكي إن المصلحة الأمريكية تكمن في قوة وتماسك أوروبا، وأن بريطانيا يجب أن تكون جزءًا من أوروبا، فالولايات المتحدة لا تريد أن ترى رئيس الوزراء البريطاني على الهامش، عندما تهدأ الأزمة.

وخلال المحادثات، قدم أوباما بعض الأفكار حول الكيفية التي يمكن بها العمل على استقرار اليورو. حيث دعمت الولايات المتحدة فكرة إصدار سندات لمنطقة اليورو من أجل تعزيز الجدارة الائتمانية للدول صاحبة الاقتصادات الضعيفة. ولذا، من الممكن أن نرى حجة للحصول على ضمانة أوروبية واسعة للودائع المصرفية. وقد يتطلب تعزيز الاستقرار في النظام المالي إنشاء اتحاد مصرفي، حيث أعرب كاميرون عن أمله في القيام بدور بناء في ذلك.
وقد يُصاب الرئيس بخيبة أمل من ردة الفعل؛ لأن كاميرون قال بصوت عال وبوضوح إن بريطانيا لن تنضم إلى خطط المشاركة في الدين، أو الخطط الخاصة بحماية المودعين الواسعة النطاق، لكن في الوقت نفسه، يمكنها تدعيم الاتحاد المصرفي لمنطقة اليورو. وما هو أكثر من ذلك، أن موافقتها قد تكون مشروطة بضمانات خاصة للحي المالي في لندن.

ولم يخف الرئيس أوباما رغبته في وضع نهاية مبكرة للاضطراب في منطقة اليورو، إذ تلوح في الأفق انتخاب الرئاسة الأمريكية، إضافة إلى أن الاقتصاد الأمريكي بدأ في التباطؤ، ومن ثَمَّ تبخرت صدارته لاستطلاعات الرأي أمام ميت رومني. وكل ذلك يجعل الأمر أكثر إلحاحًا.
وينظر مديرو الحملات الانتخابية الخاصة بالحزب الديموقراطي إلى تدهور توقعات التوظيف على أنها الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع فوز أوباما بولاية ثانية خلال الانتخابات المقبلة. ويأتي الخطر الأكبر على الاقتصاد الأمريكي من منطقة اليورو. ولذلك فمن الواضح تمامًا لماذا لا يريد الرئيس الأمريكي أن يبدأ كاميرون في التلويح باستخدام الفيتو البريطاني إذا حاولت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وباقي دول أوروبا في النهاية السيطرة على الوضع.
وبنظرة أعمق، فإن عمليات التبادل بين رؤساء الولايات المتحدة ورؤساء الوزراء البريطانيين هي موضوع متكرر للعلاقة الخاصة المزعومة فيما بينهما. وتعتقد واشنطن منذ وقت بعيد أن اتحادا أوروبيا، معه بريطانيا، سيكون طرفًا نشطا يشكل شريكا يُعتمد عليه بدرجة أكبر في التحالف عبر الأطلسي. وفي المقابل، يعتز رؤساء الوزراء البريطانيون في كثير من الأحيان بالأمل اليائس، المتمثل في أن الاقتراب من الولايات المتحدة سيعمل على الاحتفاظ بالمسافة الموجودة بينهم وبين أوروبا.
وعندما انهار جدار برلين، انتقد جورج دبليو بوش رئيسة وزراء بريطانيا آنئذ، مارجريت تاتشر، بسبب دعمها القوي لإعادة توحيد ألمانيا. وأطلق أيضًا ملاحظته غير الدبلوماسية التي قال فيها إن ألمانيا ستبرز لاعبا رئيسا في القارة العجوز في عصر ما بعد الشيوعية. لكن بوش عاد سريعًا إلى سياسة تشجيع بريطانيا على البقاء داخل الخيمة الأوروبية.
وبالطبع، كاميرون لديه خياراته الخاصة. وقد تكون تلك الخيارات أكثر غرابة من التي يستخدمها السياسيون البريطانيون لوضع نهج أوروبا الذي تُمليه مصلحة أمركا الوطنية. إلا أن مسعى أوباما كان مجرد تذكير، عند الحاجة، بأن علاقة التوأمة بين بريطانيا والولايات المتحدة وأوروبا ليست بدائل منفصلة عن بعضها. ففي هذا المثلث الأبدي، يعتمد مدى تقارب التحالف مع واشنطن على قوة نفوذ بريطانيا في القارة الأوروبية.
وأكدت المحادثات أيضًا، على كيف أن إيجاد حل لأزمة منطقة اليورو سوف يُغير الجغرافيا السياسية لأوروبا تغييرًا عميقًا. وتنظر حكومة كاميرون، بموافقة مترددة من الحزب الديمقراطي الليبرالي، وهو الحليف الأصغر المؤيد لأوروبا ظاهريًا، باذدراء إلى التكامل الأوروبي. وما يحدث الآن هو أن ”دفع” منطقة اليور يعزز ”سحب” المتشككين في اليورو. وبينما يتفاوض قادة الاتحاد الأوروبي على توحيد عملية صنع القرار الاقتصادي، يشعر آخرون منهم، خصوصا أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا، أن قدرتهم على التسامح مع الوضع الاستثنائي البريطاني آخذة في التناقص.
ويقول كاميرون إن التعاون العميق في منطقة اليورو قد يكون أفضل خدمة لمصالح بريطانيا. وهذا صحيح على المدى القصير، فهو بالتأكيد يرفع بعض الضغوط عن الاقتصاد البريطاني. ويواجه كاميرون أزمة عجز مالي يماثل العجز الذي يوجد في اليونان، كما يواجه اقتصادا متوقفا. وبريطانيا، مثل أي دولة، في حاجة ماسة إلى النمو.
أما العواقب الاستراتيجية لمنطقة اليورو المتكاملة فهي شيء آخر تمامًا. فلو (بالنظر إلى سجل العامين الماضيين، ستبقى ”لو” مهمة جدًا) أن الحكومات الأوروبية أنشأت اتحادا اقتصاديا وسياسيا، فإن صوت بريطانيا سينخفض. وبالفعل أخذت المناقشات بشأن سياسة أوروبا الاقتصادية تنجذب إلى مجموعة اليورو الأعضاء الحاليين، والمحتملين، في منطقة اليورو. وسيتم تسريع هذه العملية بشكل كبير إذا ما أضيفت الأمور المالية إلى التكامل الضريبي.
والقرارات المتعلقة بالسوق الموحدة، التي توجد لبريطانيا فيها مصلحة وطنية حيوية، سيتم اتخاذها دون شك ضمن تجمع العملة الموحدة. ومن المعقول جدا، أن تجد بريطانيا نفسها وحيدة، أو مع واحد أو اثنين، من الفئة الثانية. ويمكن التأكد نظريًا من أن الجميع في منطقة اليورو على قدم المساواة، لكن في الواقع، سيتم تخفيض وضع بريطانيا إلى الوضع الذي تتمتع به الآن دول مثل النرويج وآيسلندا وليختنشتاين في المنطقة الاقتصادية الأوروبية.

ويقول بعض المسؤولين من ذوي الخبرة العميقة في الاتحاد الأوروبي إنه ليس من الضروري أن تصل السوق المشتركة إلى هذا المدى. ومع ذلك، مهما وصلت درجة الاستياء من بريطانيا، فإن الحكومات الأخرى تقدر غرائز بريطانيا، وكذلك مساهمتها في منطقة اليورو. ومع بعض الدبلوماسية الذكية والقليل من الحلول الوسط، يمكن للبريطانيين أن يستمروا في تدبر أمورهم مع أوروبا القارية.
ويُفترض أن كاميرون يريد مثل هذه النتيجة. فكثيرون داخل حزبه يرون في فك الارتباط فرصة جيدة لبريطانيا، لكن الترتيبات الجديدة في منطقة اليورو ستغير شروط المشاركة البريطانية في الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن إجراء استفتاء في نهاية المطاف لتقرير مستقبل العلاقة قد أصبح أمرًا حتميًا.
ويقول أحد أعضاء حكومة كاميرون المتشككين في اليورو إنه سمع منذ فترة ملاحظة تقول إن بريطانيا لم تعد في حاجة إلى مغادرة أوروبا؛ لأن أوروبا تركت بريطانيا بالفعل. وقد تُثبت الأحداث المقبلة أنه كان على حق.

نشرت في الفايننشال تايمز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى