حكاية الديون النفطية الإسرائيلية لإيران

كشف تحقيق مطوّل نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أمس، الجوانب الكاملة للمعركة القضائية التي جرت بين إيران وإسرائيل بشأن خط أنبوب النفط إيلات ــ عسقلان الذي أنشئ في عهد الشاه محمد رضا بهلوي بعد حرب العام 1967 للإفادة من إغلاق قناة السويس.

وأدارت إيران معركة قضائية طويلة بقصد استرداد الأموال المستثمرة في المشروع، في وقت حاولت فيه إسرائيل التهرب من سداد هذه الأموال وسواها، وتقدّر بالمليارات، كانت ديوناً لشركة النفط الإيرانية. ومؤخراً نجحت إيران في تحقيق إنجاز قضائي مهم في سويسرا، لكن ليس معلوماً إن كانت إسرائيل ستدفع الديون والمستحقات المتراكمة أم لا.

وكانت إسرائيل وإيران الشاه قد أدارتا علاقات تحالفية كاملة: تعاون استخباراتي، بيع نفط لإسرائيل وأسلحة لإيران، ومساعدة مشتركة للولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفياتي ومواجهة التيار القومي العربي بزعامة جمال عبد الناصر. وأنشأت إسرائيل سفارة لها في طهران، كما أقامت إيران سفارة لها في رمات غان لكنهما لم تعملا بشكل رسمي ولم ترفع عليهما الأعلام. وبرّرت إيران الشاه سرية العلاقات على الدوام بالرغبة في عدم التعرض لضغوط من الدول العربية.

وهكذا طوال أكثر من 20 عاماً من أواسط الخمسينيات حتى سقوط الشاه، كانت إيران مصدر النفط الأساس لإسرائيل. وشارك الإيرانيون جزئياً في تمويل أنبوب النفط إيلات ــ حيفا. وقاد التزام إسرائيل بالسرية في العلاقات مع إيران إلى إنشاء العديد من الشركات الوهمية التي كانت تبرم العقود مع إيران.

وبعد الثــورة الإسلامــية وانقـلاب الــعلاقات بــين إيران وإسرائيل، طالب الإيرانيون بحقوقهم في الخط وديونهم على إســرائيل. وبعد الكثير من الصدامات القضائية والمحاكم، وافق الطرفان على تحــكيم يجري في سويسرا. وخلال سنوات تعاملت الدولتان مع أمر التحكيم وكأنه أحد أسرار الدولة، نظــراً إلى الصراعات والتناقضات السياســية بينهما.

وبحسب محرر «هآرتس» ألوف بن فإن الدولتين فضلتا تبادل الاتهامات والإدانات وتجاهل قناة التحكيم التي يتواجه فيها ممثلون رسميون عنهما.

وقد قدمت مؤسسات حقوقية إسرائيلية دعاوى إلى المحكمة المركزية، ضد وزارتي العدل والخارجية طالبة إلغاء السرية التي تحيط بأمر التحكيم مع إيران. ورفضت الوزارتان الدعوى ما قاد إلى انتقالها إلى المحكمة العليا التي واجهت أيضاً فيها مبدأ السرية المفروض على القضية. لكن السرية التي فرضتها إسرائيل وإيران على الموضوع لا تلزم السويسريين الذين يجري التحكيم على أرضهم. فقد صدر عن المحكمة العليا في لوزان حكمان، واحد قبل عامين والثاني قبل عام كشفا أدق تفاصيل المداولات.

وتبين «هآرتس» أن قراءة الوثائق تظهر أنه منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم، تغيرت الاستراتيجية القضائية لإسرائيل. وخلافاً لسياسة المماطلة والتلكؤ الإجرائي التي انتهجتها، أقدمت حكومة نتنياهو على انتهاج سياسة هجومية وعرض رفضها دفع الديون كجزء من المعركة العالمية ضد المشروع النووي الإيراني. وتحدث المحامون الإسرائيليون عن دعوة قادة إيرانيين إلى شطب إسرائيل عن الخريطة كمبرر لإلغاء الديون. لكن القضاة السويسريين لم يأخذوا بهذه الذرائع.

وفيما كانت إيران تؤمن بحقها في الدعوى، كانت إسرائيل تخشى من خسارة القضية، لذلك بذلت جهوداً جبارة للتهرب من النقاش الجوهري في الدعوى المالية. وحاولت إسرائيل سن قوانين تجعل من عدم دفع الديون لإيران جزءاً من المشاركة في العقوبات الدولية ضد إيران لوقف مشروعها النووي.

ويدور جوهر النقاش حول قضيتين رفعتهما شركة النفط الإيرانية للحصول على مستحقات من مشاريع مشتركة مع إسرائيل تم تجميدها بعد قطع العلاقات بين الدولتين بعد الثورة على الشاه في العام 1979. وتتعلق الدعوى الأولى بحصة إيران من المشروع المشترك لإنشاء أنبوب النفط بين عسقلان وإيلات وتشغيل خط ناقلات نفط بين إيران وإيلات. وتبلغ قيمة هذه الدعوى حالياً 7 مليارات دولار.

أما الدعوى الثانية فأقل قيمة، وتتعلّق ببيع الإيرانيين نفطاً خاماً لثلاث شركات إسرائيلية ولم تسدّد هذه الشركات أثمان النفط.

عموماً، بدأت إيران بالدعاوى ضد إسرائيل في العام 1981 وانتقلت إلى التحكيم في العام 1985، وفي العام 2001 صدر أول حكم في القضية الصغرى بوجوب أن تدفع شركات النفط الإسرائيلية لإيران 97 مليون دولار، غالبيتها فوائد. وفي خصوص القضية الكبرى، فإن التحكيم بشأنها بدأ في باريس العام 1994، وعارضت إسرائيل القرار، لكن محكمة فرنسا أمرتها بقبول التحكيم. وفي نهاية العام 2003 قدمت شركة النفط الإيرانية دعواها الرسمية طالبة 800 مليون دولار تمثل في تقديرها نصف الأملاك المتعلقة بشركة أنبوب إيلات ــ عسقلان. وردت إسرائيل طالبة رفض الدعوى، لكن المحكمة رفضت الردّ الإسرائيلي.

وتشير «هآرتس» إلى أن إسرائيل تقريباً كانت تُمنى بالفشل في كل محاولاتها رد الدعاوى الإيرانية. وما أن وصلت القضية إلى المحكمة العليا السويسرية حتى بلور الإسرائيليـــون ردّهــم بأن كل مبـــلغ يدفع لإيران يتعارض مع الأعراف الدولية لنظام العقوبات.

وفي كانون الثاني العام 2013، أصدر القضاة السويسريون حكماً يرفض الألاعيب الإسرائيلية ويحمل إسرائيل تكاليف المحكمة بالحدود الأقصى. ومرة أخرى رفض القضاة كل الذرائع السياسية التي قدمتها إسرائيل.

أنبوب إيلات ــ عسقلان

كان شاه إيران بين أبرز المحرضين على حرب العام 1967. وقد قربت هذه الحرب كثيراً بين إسرائيل وإيران الشاه، خصوصاً بعد إغلاق قناة السويس التي كان قسم كبير من النفط الإيراني يمر عبرها إلى أوروبا. وهذا شجع الإسرائيليين على إقناع الشاه بإنشاء أنبوب إيلات ــ عسقلان بديلاً لمسار القناة المغلق.

وفي 29 شباط العام 1968 تم التوقيع على اتفاقية إنشاء الأنبوب بتمويل من مصرف ألماني، ونالت الشركة امتيازاً لـ49 عاماً مع إعفاءات من الضرائب. وأنشأت إسرائيل مصفاة نفط أخرى في أسدود، فضلاً عن خزانات كبيرة عند طرفي الأنبوب. وانتهى العمل في إنشاء الخط الذي كان بقطر 42 إنشاً ويمتد بطول 254 كيلومتراً من إيلات على البحر الأحمر إلى عسقلان على البحر المتوسط في أواخر العام 1969.

وعشية انهيار الشراكة مع سقوط الشاه كانت هذه الشركة تستأجر خدمات 23 ناقلة نفط. وبلغت الشراكة ذروتها بعد حرب تشرين 1973 لكنها بدأت في التراجع بعد إعادة فتح قناة السويس. وكان آخر عقد لتوريد النفط الإيراني لإسرائيل قد وقع في نهاية العام 1977 وآخر شحنة وصلت في نهاية العام 1978. لكن سقوط الشاه غير الصورة تماماً، ولم تدفع إسرائيل ثمن النفط الذي تسلمته واستخدمته.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى