شح الأسواق يحول الغاز الإسرائيلي من نعمة إلى نقمة

أعلنت شركة “نوبل” الأميركية العملاقة في 7 مارس/آذار البدء بأعمال الحفر في حقل “ليفياثان” الإسرائيلي للغاز ثاني أكبر حقل للغاز في حوض البحر الأبيض المتوسط بعد حقل “الشروق” المصري. يعني هذا أن التجاذبات حول الغاز الإسرائيلي على الساحة الدولية ستتضاعف في الفترة المقبلة، وقد تنتهي بتحويل تلك “النعمة” إلى “نقمة” على تل أبيب ما لم تجد لغازها أسواقاً لا تصطدم فيها مع عمالقة الطاقة في العالم.

فمن الواضح أن السيطرة على مصادر الغاز وطرق تصديره علاوة على أسواقه يشغل حيزاً كبيراً من التأثير في سياسات واستراتيجيات عدد من القوى العالمية أهمها روسيا أكبر مصدر للغاز في العالم.

ولدى الحديث عن الغاز الإسرائيلي فإن الأنظار تتجه مباشرة إلى السوق الأوروبية العملاقة التي تحكم موسكو قبضتها عليها، نظراً لقربها وبعد غيرها عن الحقول الإسرائيلية، وهو ما يشكل تحدياً للإسرائيليين في ظل سعيهم للحفاظ على علاقات قوية مع الروس.

وبالرغم من مساعي الإسرائيليين النأي عن أي صدام مع موسكو، إلا أن شركاءهم الأميركيين لم يخفوا رغبتهم باستخدام غاز “ليفياثان” في التخفيف من اعتمادية الأوروبيين على الغاز الروسي، كما أشار إلى ذلك وزير الطاقة الأميركي السابق إرنست مونيز في لقاء مع وكالة “بلومبرغ” الاقتصادية في أبريل/نيسان الماضي.

وفي خطوة لاستباق أي صدام دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعب دور في تطوير حقول الغاز الإسرائيلية، وذلك في زيارة له إلى الكرملين في يونيو/حزيران 2016، الأمر الذي يعد مجاملة إلى حد ما في ظل امتلاك “نوبل” الأميركية حقوق تشغيل الحقول الإسرائيلية وحصصاً تقارب الـ40 بالمئة من عوائدها ورفضها مشاركة الروس، وفق ما ذكرت صحيفة “غلوبز” الإسرائيلية في أبريل/نيسان الماضي.

وبالرغم من توصل تل أبيب إلى حل مؤقت يتمثل ببيع كميات من غازها من حقل “تمر” الذي كان أهم حقل غاز إسرائيلي قبل العثور على “ليفياثان” لكل من الأردن ومصر، إلا أنها ستضطر عاجلاً أو آجلاً للبحث عن موطئ قدم في أوروبا لتصريف غاز الحقل الجديد خصوصاً مع اقتراب بدء القاهرة إنتاج الغاز من “الشروق”.

وبالفعل، ففي يناير/كانون ثاني الماضي قالت صحيفة “غلوبز” إن مدير عام وزارة الطاقة بالحكومة الإسرائيلية شاؤول ماريدور توجه إلى بروكسل للقاء نظرائه من قبرص واليونان وإيطاليا لبحث سبل نقل الغاز الإسرائيلي عبر أنابيب إلى الأسواق الأوروبية.

وسيعد ذلك إن تم بدون مشاركة روسية ضربة جديدة من تل أبيب لموسكو قد لا تمررها الأخيرة دون رد هذه المرة، ففي عام 2013 وقع عملاق الغاز الروسي غازبروم مذكرة تفاهم مع الجانب الإسرائيلي تقضي بشراء الروس ثلاثة ملايين طن من غاز حقل “تمر” بعد إسالته في منشأة روسية عائمة، الأمر الذي لم تصادق الحكومة الإسرائيلية على تنفيذه إلى اليوم.

ويزيد من تعقيد المشهد وجود خيار آخر على طاولة صناع القرار في تل أبيب تدفع باتجاهه لندن هذه المرة، ويتمثل في نقل الغاز الإسرائيلي إلى مصر لإسالته في منشآت شركة “مجموعة بي جي” البريطانية الخاصة بذلك والتي تفتقر إليها تل أبيب، ومن ثم نقله إلى الأسواق العالمية.

الثابت في هذا المشهد أن كلاً من تلك الأطراف سيمارس ضغوطاً على إسرائيل وخصوصاً موسكو التي يتنامى حضورها في المنطقة وفي السيطرة على أسواق الغاز كذلك في الآونة الأخيرة، الأمر الذي قد يجبر تل أبيب على الموافقة على تسوية ما مع الروس قريباً.

فكميات الغاز في “ليفياثان” لن تشكل بالتأكيد تهديداً على روسيا، فأحدث التقديرات الإسرائيلية (صدرت في يونيو/حزيران 2015) تشير إلى وجود 467 مليار متر مكعب من الغاز في الحقل الإسرائيلي، أي قرابة نصف ما يحتويه حقل “الشروق” المصري (850 مليار متر مكعب)، إلا أن قربه من أسواق جنوب وجنوب شرق أوروبا واحتمال العثور على المزيد من الغاز في شرقي المتوسط حتَّم على موسكو التحرك.

وتتهم روسيا بالدخول في حروب ونزاعات عدة بشكل مباشر وغير مباشر في سياق سعيها للسيطرة على قطاع الطاقة عالمياً، ومن ذلك تدخلها في أوكرانيا عام 2014 بعد صراع طويل بين الجانبين حول أنابيب الغاز التي توصل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا.

ولا يخلو التدخل الروسي في سوريا عام 2015 من ذلك البعد، حيث يشكل الساحل السوري الميناء الأهم لشحن مصادر الطاقة من العراق وإيران إلى الأسواق الأوروبية، الأمر الذي قد يتكرر في ليبيا ذات الثروات الكبيرة، مع أنباء عن بدء تدخل موسكو في الصراع الليبي.

كما استحوذت شركة “روسنفت” الروسية في ديسمبر/كانون أول الماضي بعد مساع حثيثة على 30 بالمئة من حقل “الشروق” المصري في صفقة مع “إيني” الإيطالية التي اكتشفته عام 2015، والتي كانت تحظى بـ90 بالمئة من ملكيته.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى