ما الذي ينتظر أسواق الطاقة في 2017؟

ينتهي 2016 وقد تجاوز السعر نطاق 50 – 55 دولاراً لبرميل نفط «برنت»، وتراوحت الأسعار في الأيام الأخيرة للعام في نطاق 55 – 58 دولاراً للبرميل، خصوصاً بعد تصريح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح، بعد اتفاق الدول غير الأعضاء في المنظمة، عن استعداد بلاده إجراء تخفيضات إنتاجية أكثر إذا دعت الحاجة الى ذلك.

فما الذي ينتظر الأسواق في 2017؟
أولاً: إمكان الالتزام باتفاق خفض الإنتاج بين الدول المنتجة داخل «أوبك» وخارجها، وفق المعدلات التي التزمت بها كل دولة. ونص الاتفاق على أن تخفض دول «أوبك» 1.2 مليون برميل يومياً خلال النصف الأول من 2017، ليبلغ معدل إنتاجها 32.5 مليون برميل يومياً، على أن تخفض الدول المنتجة غير الأعضاء نحو 600 ألف برميل يومياً، منها 300 ألف برميل لروسيا، وأن يعقد اجتماع وزاري للمنظمة في أيار (مايو) المقبل، للنظر في تمديد الاتفاق أو تعديله.

ثانياً: يجب التنويه بأن هذه هي المواجهة الأولى ما بين مجموعة النفوط التقليدية والنفوط غير التقليدية. وقد أخذت الدول المنتجة للنفوط التقليدية المبادرة وجمعت صفوفها للتعامل مع التغييرات الكبرى في الصناعة النفطية العالمية، بينما تقبلت دول النفوط غير التقليدية انخفاض الأسعار وتقليص إنتاجها ومعدلات الاستثمار من دون أي ردود فعل رسمية.
وتطرح هذه المواجهة أسئلة منها: ما هي ردود فعل دول النفوط غير التقليدية بعد الارتفاع المعتدل للأسعار في ظل اتفاق 2016، وما هي ردود فعلها في المواجهات المستقبلية المتوقعة؟ هل سيتطوّر تعاون «أوبك» مع الدول غير الأعضاء كي يتحمّل أكبر عدد من الدول المنتجة للنفوط التقليدية مسؤوليات استقرار الأسواق وخفض الإنتاج مستقبلاً، وليس دول الخليج النفطية الكبرى فقط، كما كان الوضع سابقاً؟ وهل ستصمد هذه الاتفاقات لفترات معقولة، والى حين تحسّن الأسعار؟ وما تأثير الخلافات الجيوسياسية في الاتفاقات؟ هل من الممكن تجاوزها مستقبلاً؟ هل ستتمكن أقطار «أوبك» من استيعاب الدروس اللازمة من أزمة 2014 – 2016 للبدء جدياً وسريعاً بإصلاح اقتصاداتها وتنويع مصادر الدخل؟

ثالثاً: ما الكمية والسرعة الخاصتان بالسحب من المخزون التجاري في الأمد القصير؟ مفروض أن السحب من المخزون سيبدأ مع الفصل الأول من 2017، حين يبدأ تنفيذ الاتفاق. ويتوقع سحب نحو مليون برميل يومياً من التخمة في الربع الأول، ما قد يدفع بالأسعار إلى نحو 60 دولاراً.

رابعا: ما مدى التزام الدول بالكميات المفروض خفضها؟ تدل التجارب السابقة للخفض على أن الالتزام يكون عالياً في بداية الاتفاق. لكن هناك مطبات مستقبلية محتملة. فهناك برامج تطوير الحقول والنفوط الجديدة التي استُثمرت بلايين الدولارات فيها. وهناك العديد منها، وربما أهمها، حقل «كاشغان» العملاق في كازاخستان. لقد تأخر تطوير هذا الحقل سنوات، وارتفعت نفقات تطويره، وصدرت تقارير عن إمكان الانتهاء من التطوير لكن من دون جدوى، فهل سيبدأ إنتاجه في 2017 وعند أي مستوى؟ وهناك مشكلة مصداقية الأرقام التي قدمتها الدول حول معدلات الإنتاج التي ستخفض منها.
وواجهت «أوبك» صعوبات جمة في الضغط على الدول لتبني أرقام «واقعية»، فالمنظمة تعتمد على ما يسمى «المصادر الثانوية» من وسائل إعلام ومكاتب استشارية، وأضيفت إليها لجان من الدول المصدرة لتحقيق مستويات الإنتاج. وهذه خطوة مهمة، لكن صعبة التنفيذ في أحسن الأحوال.

خامساً: سيؤدي ارتفاع الأسعار فوق 55 دولاراً إلى إعادة الحياة لصناعة النفط الصخري. وبدأت عمليات الحفر ترتفع مع تحسن الأسعار أخيراً. وبما أن كلفة إنتاج النفط الصخري الأميركي عالية ومتفاوتة وفق كل حقل، هي تتراوح بين 55 و75 دولاراً للبرميل. لذلك، فإن ارتفاعاً معتدلاً إلى أقل من 60 دولاراً بقليل للأسعار العالمية سيؤدي إلى زيادة إنتاج النفط الصخري بكميات محدودة.

سادساً: ثمة تساؤلات حول أداء الاقتصاد العالمي خلال عام 2017. وتتوقع آخر معلومات وكالة الطاقة الدولية أن يكون الطلب العالمي على النفط ارتفع بوتيرة أقوى من المتوقع في 2016، وأن يستمر الارتفاع الأكبر من المتوقع في 2017، وأن يتراوح معدل زيادة الطلب العالمي على النفط حول 1.4 في المئة لعام 2016، ونحو 1.3 في المئة لعام 2017. وتشير المعلومات إلى أن معدل إنتاج الإمدادات النفطية العالمية وصل إلى نحو 98.2 مليون برميل يومياً.

سابعاً: ما هي سياسة الطاقة في الولايات المتحدة، إذ لا تزال الأمور غامضة إلى أن يستلم دونالد ترامب الرئاسة في أواخر كانون الثاني (يناير)، ومن ثم يتبين تدريجاً مدى التزامه بالعديد من الشعارات التي طرحها أثناء حملته الانتخابية. كيف سيتعامل مع إنتاج الفحم؟ هل سيزيد الإنتاج أم لا؟ هذا علماً أن الفحم ينافس مع الغاز كوقود لمحطات الكهرباء وليس مع النفط. وما موقفه من قضايا الاحتباس الحراري؟ وماذا عن فتح الأراضي الفيديرالية لإنتاج النفط والغاز؟ وهل سيدفع باتجاه زيادة صادرات النفط والغاز؟ وحتى في حال تبنّيه بعض هذه السياسات، فما هو الوقت اللازم لتنفيذها؟ وهل ستشتد معارضة المجتمع المدني لبعض هذه السياسات وتأخير تنفيذها؟ تظاهرت قبائل الهنود الحمر في ولاية داكوتا الشمالية خلال الأشهر الأخيرة حتى توقف تقريباً مد أنبوب نفطي مهم عبر أراضيها.

ثامناً: هناك تساؤلات وشكوك عديدة ستثيرها وسائل الإعلام، وهي بدأت تصدر، حول مصداقية الاتفاق وإمكان تنفيذه بحذافيره. بذلت الدول المنتجة جهداً كبيرا وصعباً للوصول إلى «الاتفاق التاريخي» لعام 2016. ويُتوقع أن تلتزم غالبيتها بالاتفاق، على الأقل خلال الربع الأول لعام 2017، ما يعني ارتفاع الأسعار إلى أسعار معقولة. ويُرجح أن يبحث الاجتماع الوزاري في أيار الخلافات الناجمة ومحاولة معالجتها. وهذا ليس بالأمر السهل. من الممكن أن يساعد المنظمة في حينه، انخفاض التخمة وانحسار الضغط على الأسعار.
وما يصب باتجاه نجاح الاتفاق، الموافقة الجماعية لـ «أوبك»، واتفاقها مع عدد كبير من الدول خارج المنظمة، وتصريح الفالح عن الاستعداد لخفض أكبر من بلاده إذا اقتضت الضرورة.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى