الأزبكية.. تاريخ يأبى النسيان

حي الأزبكية.. واحد من أحياء القاهرة الذي يحتوي على العديد من المنشآت الهامة تاريخياً، مثل: الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وكاتدرائية القديس مرقس التي افتتحها البابا مرقس الثامن في عام 1800.

خلال فترة حكم السلطان المملوكي الشركسي برقوق (1382- 1399)، قام بالعديد من إعادة إعمار القاهرة القديمة من خلال بناء أحياء جديدة، وإصلاح الأضرار التي تكبّدتها الدولة نتيجة وباء الطاعون، حيث تم إعادة بناء أسواق خان الخليلي، والأسواق السياحية الأكثر شهرة في القاهرة.

وخلال النصف الأخير من القرن الخامس عشر الميلادي تم إنشاء ميناء بولاق ومدينة تُسمّى الأزبكية، تكريماً للأمير أزبك في الجزء الشمالي الغربي من مدينة القاهرة، وبحلول نهاية القرن الخامس عشر أصبحت بولاق الميناء الرئيسي في القاهرة القديمة.

وتأسّس حي الأزبكية على أيدي الأمير أزبك قائد جيش السلطان قايتباي، واشتهرت الأزبكية قديماً بأنها مكان مناسب لتربية الخيول وعلاجها من الأمراض، كما شرع في تأسيس قناة مائية تُسمّى “بركة الأزبكية” تخدم سكان الحدود الغربية للمدينة وتغذّي البرك المجاورة، وخلال الفيضانات التي كانت تحدث خلال فصل الصيف كانت أراضي الفلاحين تتحوّل إلى مناطق خضراء، وخلال فترة الحكم المملوكي أصبحت الأزبكية من أرقى مناطق القاهرة القديمة، وباتت مكاناً للطبقة الراقية في البلاد سواء لشراء أو بناء القصور الجديدة.

وحاول المماليك خلال فترة حكم القاهرة التوسّع في بناء المدن والأسوار للحفاظ على السلطة والنفوذ، لا سيما وأن القاهرة كانت مركزا لتجارة للقوافل والربط بين الشرق والغرب، حيث أُجريت معظم الصفقات التجارية المربحة في خلال عصر المماليك، وخاصة الذين كانوا يفضّلون العيش في القاهرة للحصول على قوة اقتصادية تضمن لهم التعايش مع طبقة الأمراء ونخبة المجتمع، وبالتالي كانت المؤامرات والقتل والسجن والخيانة ظواهر تسود فترة حكم المماليك، نظراً لأن المملوك كان يرغب في التمتّع بجميع الخدمات والكماليات التي تركّزت في القاهرة لتعويض فترات العبودية والحياة الصعبة التي عاشها في مرحلة الطفولة، وهو ما دفع أصحاب النفوذ المالي من المماليك إلى شراء أراض واسعة من الأمراء لبناء مدن تحمل أسماءهم، وكان أبرزها: “الأزبكية” التي شُيّدت في المنطقة الغربية نسبة إلى الأمير أزبك، وأيضاً “الجمالية” نسبة إلى سلطان الدولة المملوكية جمال الدين يوسف، ولذلك كانت هناك منافسة قوية بين أمراء المماليك في تشييد المباني لإظهار ثروتهم وقوتهم.

وخلال التاريخ الحديث تم تشييد مسرح الأزبكية في عام 1928 بأوامر من الخديوي إسماعيل، حيث استعان بمهندسين إيطاليين وفرنسيين لتصميم حديقة ومسرح الأزبكية بعد ردم بركتها الشهيرة، لا سيما وأن الخديوي إسماعيل كان يحلم بأن يجعل القاهرة قطعة من أوروبا، وشهد مسرح الأزبكية معظم الحفلات الشهرية التي كانت تحييها كوكب الشرق أم كلثوم، وبعد ثورة 23 يوليو 1952 تم تغيير اسم المسرح إلى “المسرح القومي” عام 1958، وخلال فترة حكم الخديوي إسماعيل باشا شرع في تنفيذ خطته لبناء القاهرة الحديثة، وأمر بإنشاء سور الأزبكية الذي تحوّل إلى سوق للكتب المستعملة، ويستخدم التجار سور حديقة الأزبكية لعرض الكتب القديمة والحديثة.

ويرجع تاريخ إنشاء السور إلى أواخر القرن التاسع عشر، ويُعدّ سوق الكتب من أشهر أسواق القاهرة الواقعة خلف مسجد الأزهر لبيع وتعميم الكتب بين القرّاء، وأولئك الذين يعملون في الأزبكية يسيرون على خطى آبائهم وأجدادهم، وواجه باعة الكتب تحديات كبيرة حتى أصبح سور الأزبكية مكاناً معترفاً به أمام الدولة لوجود الباعة في هذا الموقع.

وفي عام 1990 نقلت الحكومة باعة الكتب إلى حي الدمرداش من أجل بناء مترو الأنفاق، وسُمح لباعة الكتب العودة إلى سور الأزبكية في عام 1998، حيث قدّمت لهم الحكومة أكشاكاً صغيرة معدنية، ومنذ ذلك الحين تم نقل الباعة ثلاث مرات، كان آخرها في عام 2009 لترميم سور المدينة.

وفي عام 2012 وافقت الحكومة المصرية على نقل باعة الكتب مرة أخرى، لكن تم وقف القرار لأن المكان أصبح قبلة القرّاء والدارسين في القاهرة، بالإضافة إلى أنه شهد في منتصف القرن الماضي تردّد الكثير من المؤلفين، مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ.

ويقول د. جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس: إن حي الأزبكية يُعدّ أحد أشهر وأعرق أحياء القاهرة القديمة، والذي شهد مراحل هامة في التاريخ المصري القديم والحديث.

وتابع: يرجع تسمية المكان إبان فترة حكم دولة المماليك خلال عهد السلطان قايتباي، حيث منح قطعة أرض مكافأة لقائد الجيوش “الأمير أزبك”، الذي قام بشق ترعة مياه وطريق ممهد للناس، كما أقام حديقة ومسجداً يحملان اسمه، بالإضافة إلى الطواحن والأفران وإسطبلات لتربية الخيول، وجعل المنطقة وكأنها مدينة متكاملة وحدّد يوماً في العام أسماه “عيد البركة”، تيمناً بفيضان النيل الذي يصبّ في البركة التي أنشأها على الخليج الناصري، وفي عام 1495 تحوّلت المنطقة إلى مكان يعج بالسكان بوسط القاهرة.

ويضيف: مع دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 حاول القائد نابليون بونابرت التقرّب إلى الشعب المصري، حيث أشهر إسلامه وتعلّم مبادئ الدين الإسلامي داخل دار الخليل البكري بميدان الأزبكية.

ويضيف د. علي بركات، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة المنصورة: أن ميدان الأزبكية شهد ثورة الشعب المصري على الحكم العثماني، وبايعت الجماهير محمد علي باشا والياً على مصر، الذي لم يتردّد بعد توليه الحكم في اختيار الأزبكية مقراً لحكمه وعاصمة جديدة للبلاد.

وتابع: بعد أن تعرّض للاغتيال قام بالصعود إلى الجبل وأقام بقصره في قلعة الجبل، لكن هذا لم يمنع الأزبكية أن تظل مكاناً راقياً لنخبة المجتمع وأفراد الطبقة الحاكمة، وفي عهد الخديوي إسماعيل أصبحت الأزبكية مكاناً أكثر جمالاً، خاصةً وأنه كان يحلم بأن تكون القاهرة وأحياؤها أفضل من عواصم أوروبا، وأمر بإعادة تخطيط حي الأزبكية ليكون على شاكلة باريس، وقام بإنشاء حديقة الأزبكية على مساحة 18 فداناً، وأُحيطت بسور سُمّي فيما بعد ب “سور الأزبكية”، كما أنشأ الخديوي إسماعيل المسرح الكوميدي ودار الأوبرا الخديوية. (خدمة وكالة الصحافة العربية)

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى