الهدف كان المسّ بعبد الناصر

لم تُخفِ إسرائيل في يومٍ من الأيّام أنّ الرئيس المصريّ الراحل، الشهيد جمال عبد الناصر، كان يقُضّ مضاجعها، ويؤرق صنّاع القرار في تل أبيب. حاولت الدولة العبريّة، مدعومةً من أمريكا ومن الرجعيّة العربيّة، التخلّص من الزعيم العربيّ، الذي وحدّ العرب تحت شعار ما أُخذ بالقوّة لا يُسترّد إلّا بالقوّة، ولكنّ محاولاتها باءت بالفشل.

عندما توفيّ الزعيم عبد الناصر، قالت رئيسة الوزراء الإسرائيليّة السابقة، غولدا مائير، مات العدو المُحترم، ولكن هذا لم يمنع إسرائيل من مُحاولات المسّ بالنظام المصريّ، وبتنفيذ عمليات تخريبيّة داخل عمق بلاد الكنانة، لزعزعة الاستقرار، الأمن والآمان.

في هذا السياق، كشفت صحيفة (يديعوا أحرونوت) النقاب عن أنّه عشية حرب الأيام الستة، أيْ عدوان حزيران-يونيو من العام 1967، تمّ إرسال مقاتلين من وحدة الكوماندو البحرية (السرية 13) لسلسلة عمليات في عمق “مناطق العدو”، تشمل هجمات سرية على موانئ في سوريّة ومصر، بشكل يمكن تسميته، بعد فوات الأوان بـعمليات انتحارية، على حدّ تعبيرها. وتابعت قائلةً إنّه رغم قوة القلب غير العادية والتفاني الذي أظهره المقاتلون، تحولت العمليات البطولية لفشل، وجزءٌ من المقاتلين سقطوا في الأسر، بسبب أخطاءٍ في الملاحة والاستخبارات، بكلمات أخرى، تمكّنت المخابرات المصريّة من إحباط المُخطط الجهنميّ الذي تمّ التخطيط له في تل أبيب، لتفشل محاولةٍ أخرى للمسّ بالقائد عبد الناصر.

ولفتت الصحيفة في سياق تقريرها إلى أنّه بعد مرور 50 عامًا، التقى مقاتلو الكوماندو بمتحف سلاح البحرية في حيفا، مُوضحةَ أنّه على الرغم من أنّ العمر المتوسط للمقاتلين أعلى من 80، “إلا أننّا نتحدث عن مجموعةٍ قويّةٍ، وما زال يُمكننا رؤية العضلات البارزة تحت قمصانهم، إنهم يسخرون من بعضهم ويستذكرون مشاهد التعذيب القاسية التي مروا بها خلال فترة الأسر، ويصرون على التأكيد على أنّه رغم الفشل العمليّ، إلّا أنّهم أثبتوا بأنّه من أجل الحفاظ على دولة إسرائيل يستعد مقاتلو السرية 13 لأيّ مهمةٍ، على حدّ وصف الصحيفة، التي أشارت إلى أنّ هذه هي المرّة الأولى التي تسمح فيها الرقابة العسكريّة الإسرائيليّة بالنشر عن حيثيات القضية المذكورة.

وجاء في التفاصيل أنّه في شهر حزيران (يونيو) من العام 1967 تمّ إرسال غواصة بقيادة اللواء ابراهام ايفان درور لنشاطات التخريب المخطط لها في الميناء العسكريّ للإسكندرية، لافتةً إلى أنّه تحت قيادته كان يعمل 60 شخصًا، من بينهم 8 غواصين هجوميين للكوماندو البحري وطبيب بحريّ. ايفان تحدث عن أيام الانتظار الطويلة لأمر الهجوم في عمق البحر بالغواصة المزدحمة، حيث قال: متى ما يسمح لنا كنا نصعد للأعلى، فوق مستوى البحر، من أجل شحن البطاريات بالكهرباء، والسماح لمقاتلي الكوماندو البحري بالسباحة وتدريب العضلات، على حدّ تعبيره.

وفي الخامس من شهر حزيران (يونيو)، بعد انتظار طويل ومتعب، جاء أمر مهاجمة ميناء الإسكندرية، بعد 50 عامًا على اللحظة المصيرية، ضابط الكوماندو البحري الصارم، قائد قوة المقاتلين في الغواصة، الرائد ايتان ليفشيتس، يستذكر أمر “مهمة الانتحار”. وقال للصحيفة: بعد تفكير بالأمر، كنّا بحاجةٍ لما لا يقّل عن 9 ساعات خلال الليل من أجل الخروج من الغواصة، الدخول سرًا للميناء والعودة أحياء للغواصة. لكن في شهر يونيو، هناك ليلة هي الأقصر خلال العام، ولم يكن هناك فرصة أنْ ننجح ونعود للغواصة حسب الوقت المحدد.

وساق قائلاً للصحيفة العبريّة: قررت ألّا أقول القصة للشبان كي لا أمسّ بمعنوياتهم، وتابع: أخذت صندوق الإسعافات الأولية، أخرجت المورفين، ووضعت بعض السجائر وأعواد الثقاب وذلك ليكون معي ما أدخنه قبل أنْ يأخذونني للأسر ويكهربوني.

وأشارت الصحيفة في سياق تقريرها إلى أنّه في عمق البحر داخل الغواصة المعزولة، الكابتن ايفان لم يكن يعلم شيئَا عن مصير المقاتلين الذين أرسلهم للمهمة في عمق منطقة العدو، رغم الخطر المنعكس لطاقم الغواصة، قرر أنْ يغامر ويعود لنقطة الانضمام مع المقاتلين بالقرب من الشاطئ. وعلى تصرفه البطولي حصل ايفان على ميدالية الشجاعة.

وقد ألقت المخابرات المصريّة القبض على ليفشيتس والمقاتلين وتمّ أسرهم لمدّة سبعة أشهر، زعموا أنّهم تعرّضوا خلال هذه الفترة للعذاب الشديد، وقال ليفشيتس: مررت بفترة أسر كانت كالجحيم من ناحية التحقيق والتعذيب، لكنني لم أتحدث، أيْ أنّه لم يفشِ بالأسرار.

كما كشفت الصحيفة في سياق تقريرها النقاب عن أنّه تحت قيادة المقدم اسحاق كات، أرسلت سفينة إسرائيلية عليها طاقم كوماندو لمهاجمة ميناء بورسعيد المصري، النائب يتسحاق شامير تحدث عن اللحظة المصيرية التي تلقى فيها الأمر المفاجئ بمهاجمة ميناء بورسعيد، وقال: كنّا واثقين من أننّا خارجون لمهاجمة ميناء طرطوس بسوريّة، فجأة يقول لنا قائد السرية أننا سنهاجم ميناء بورسعيد في مصر، ركضنا فورًا للاستخبارات، لم يبق هناك خرائط، وخلُص إلى القول إنّه على الرغم من أنّ المقاتلين تدّربوا على طرق ميناء طرطوس بسوريّة، أرسلوا لمهمةٍ في مصر دون معرفة الطريق ودون دراسة المنطقة مسبقًا، على حدّ تعبيره.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى