«راسبوتين المصري»

 

تقدم موشي دايان بخطوات واثقة وابتسامة عريضة نحو الملك الحسن الثاني، وتبعه مرافقه جوزيف بورات، مدير محطة «الموساد» في المغرب. مدّ دايان يده إلى الملك ليصافحه، فسلّم العاهل المغربي على ضيفه الإسرائيلي بمودة. ومدّ دايان يده، من جديد، نحو نائب رئيس الوزراء المصري حسن التهامي الذي وقف بجوار الملك الحسن، فامتنع التهامي العابس عن مصافحته. لم يبدُ على وزير الخارجية الإسرائيلي دايان أنه يبالي كثيراً بالموقف الجاف الذي اتخذه رسول أنور السادات. وابتسم دايان، من جديد، ثم قال لنظيره المصري، بلغة عربية فصيحة: «السلام عليكم». وأجاب التهامي بصوته الغليظ البارد: «وعليكم ما قلتم».

«بمثل هذا السيف، أخضع أجدادي أجدادكم»

التفت موشي دايان نحو مرافقه جوزيف بورات، وتسلّم منه صندوقاً أنيقاً، وفتحه أمام الملك، فظهر في داخله سيف أثري. أعطى دايان السيف إلى الحسن الثاني، ثم قال بلغة عربية ذات لكنة شامية: «أقدّم لكم، يا جلالة الملك، هذا السيف الكنعاني كهدية، وهو قطعة من الألفية الثانية قبل الميلاد». تأمل الملك هدية الجنرال الإسرائيلي باهتمام، فأضاف دايان قائلاً: «يوم خرج أجدادنا الإسرائيليون من مصر نحو أرض الميعاد، استطاعوا أن يُخضعوا مملكة كنعان والممالك المجاورة لها بمثل هذه السيوف». ابتسم الحسن الثاني وهو يتلقى تلك الغمزة في كلام دايان، فأضاف الأخير ضاحكاً: «لم تكن الفانتوم والميغ قد اخترعت بعدُ، يا صاحب الجلالة» (1). شكر الملك ضيفه، ودعاه إلى الجلوس بجانبه، ثم قال له: «إنّ هذه الأسلحة هي ذكريات حروب قديمة، وقد حان الآن الوقت لكي نصنع السلام بدلاً من الحروب». ثم أضاف الملك، وهو يوزع نظراته بين ضيفيه دايان والتهامي: «أردت من خلال هذا اللقاء أن أجمع الطرفين المصري والإسرائيلي معاً، لأول مرة». ومضى الملك يقول: «إنّ الدكتور التهامي (لم يكن الرجل دكتوراً، في الحقيقة) قريب من الرئيس السادات، وموضع ثقته. وأمّا الجنرال دايان، فمكانته في إسرائيل معروفة. وإنّ كليكما يستطيع التمهيد للقاء بين الرئيسين أنور السادات ومناحيم بيغن». ثم استطرد الملك قائلاً: «إنّ بناء السلام يستلزم التلاقي والتحاور والتفاهم. وأنا آمل أن يَكسر لقاؤكما هنا حواجز العداء، وأن يؤسس اتصالكما عوامل اللقاء، وأن يسهم حواركما في التوصل إلى حل دائم للصراع القائم في الشرق الأوسط». بادر حسن التهامي إلى إجابة الملك المغربي قائلاً: «ما كنت أتوقع أبداً أن أقابل هذا الرجل إلا في ميدان القتال، فإما أن أقتله أو أن يقتلني. ولولا أن هذا الاجتماع يقع تحت مظلة الملك الحسن بالذات، ما كنتُ أقبلُ أن ألقاه» (2).

ابتسم دايان وقال: «أنا ما جئت إلى قصر جلالة الملك الحسن الثاني إلاّ لكي أسمع ما تطرحه الحكومة المصرية على دولة إسرائيل، من أجل السلام». عندئذ سحب التهامي من جيبه مظروفاً، وأخرج منه ورقة مطوية، وقال: «هذه رسالة من الرئيس السادات لكم، وفيها تصوره لصلح معكم يقوم على شرطين اثنين. والشرط الأول، هو أن تقبل حكومتكم تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي، وليس اتفاقاً منفرداً مع مصر وحدها. والشرط الثاني هو أن تنفذ إسرائيل القرارين الأمميين 242 و338، بحيث تسترجع مصر والدول العربية كل أراضيها وسيادتها التي انتزعت بعد عام 1967. وفي المقابل، تقبل مصر بإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل، وتقيم علاقات طبيعية معها، وتنفذ الإجراءات التي تحقق أمنها وأمن الدول المجاورة لها». كان التهامي يتكلم بطريقة أراد منها أن تبرز ثقته الكبيرة بنفسه، وأنهى رسالة رئيسه قائلاً بصوت إملائي، وهو يضغط على الحروف لتحدث وقعاً في نفس الجنرال الإسرائيلي: «هذا كل ما عندنا، ولكم أن تقبلوه أو أن ترفضوه. ولكن ليس هناك سبيل إلى المساومات». سكت دايان، ولم يحاول أن يقول شيئاً لنظيره المصري. وبدا له (وقد دوّن ذلك، في ما بعد، في الصفحة الرابعة والأربعين، من كتابه «الاختراق») أنّ أسلوب الوزير المصري كان استعلائياً ومتوتراً.

«الواجب علينا هو أن نضمن أمن إسرائيل»

أحسّ الملك المغربي بأنّ جوّ اللقاء أخذ ينحو منحى متشنّجاً، منذ بدايته، فاقترح أن يذهب مع ضيوفه إلى قاعة الطعام من أجل تناول العشاء، وهناك يمكن أن يتحدثوا بشكل مستفيض عن المشاكل وحلولها. تقدم الملك نحو مائدة ضخمة مستديرة عامرة، ودعا التهامي إلى الجلوس بجانبه، وعلى يساره جلس دايان وبورات، وفي الطرف المقابل للملك جلس رئيس وزرائه أحمد عصمان، وإلى جانبه وزير الخارجية المغربي أحمد العراقي. وبادر الملك إلى الكلام، فقال: «إنّ الأراضي العربية المحتلة من طرف إسرائيل هي صلب المشكلة. ونظر الملك إلى التهامي، وقال له: «أرضكم الآن تحت سيطرة إسرائيل. وهي لن ترضى بإرجاعها لكم من دون ضمانات أمن كافية. وهكذا فإنّ الموضوع الذي يجب علينا مناقشته هو كيف نضمن أمن إسرائيل». وواصل الملك قائلاً: «إنني أعرف أنّ الفلسطينيين هم خطر على إسرائيل، وعلى الملك حسين أيضاً. وأعتقد بأنّ المشكلة الفلسطينية، باعتبارها قضية عربية، يمكن أن يتدخّل فيها العرب من أجل الوصول إلى حلّ لها يرضي إسرائيل». ثم استطرد الملك المغربي، فمضى يذكر توقعاته وتصوراته، فقال: «إنني أعتقد أنّ الرئيس الأسد، رغم كل تصريحاته المعادية لإسرائيل، سوف يجيء إلى السلام. ولكن مجيئه لن يكون إلا بعدما تعقد مصر أولاً الصلحَ مع إسرائيل».

انتقل الكلام إلى حسن التهامي، فقال: «أنا جئت إلى هنا لأبحث إمكانية السلام بين مصر وإسرائيل. وبالرغم من أنني لم أكن أتصور أن ألتقي بدايان إلا في ساحة القتال، فإنّ هذا اللقاء في حضرة الملك الحسن يرضيني». وأردف قائلاً: «إنّ الرئيس السادات يريد سلاماً مع إسرائيل، ولا يقبل استسلاماً لها. وهو يثق بمناحيم بيغن أكثر مما كان يثق بسلفه إسحاق رابين. ويثق كذلك بوزير الخارجية موشي دايان». ابتسم دايان، وقال: «ونحن أيضاً، في حكومة إسرائيل، نقدّر الرئيس السادات كثيراً، ونثق به». أكمل التهامي كلامه، فقال: «أقترح أن نجري جولات من المباحثات المكثفة بيننا، هنا في المغرب، لكي نصل إلى حل لكل القضايا بيننا. ثم بعد الوصول إلى حلول، ننتقل إلى جنيف لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تشارك فيه كل الأطراف الإقليمية والدولية». بدا على وجه دايان الاهتمام بما كان يقوله التهامي. فتشجع الأخير، وقال وهو يحاول أن يغري الجنرال الإسرائيلي: «أنا واثق من أن حافظ الأسد، وكذلك الملك حسين، سوف يوقعان على اتفاقية سلام معكم، بمجرد أن توقّع مصر عليها». وأضاف التهامي، وهو يبتسم: «وفي ظرف أربع سنوات أو خمس، كحد أقصى، ستحل كل المشكلة بينكم وبين العرب». وتدخل الملك الحسن الثاني ليكبح جموح خيال الوزير المصري، فقال له: «ليس باستطاعتك أن تحدد مواعيد دقيقة للسلام الشامل».

لم يحاول موشي دايان أن يعلّق على المقترحات المصرية والمغربية التي استمع إليها بانتباه. وحينما ألحّ عليه التهامي ليسمع منه أجوبة على ما قدّمه له من عروض، قال دايان، وهو يبتسم: «تذكّر أنني مجرد رسول من رئيس الوزراء بيغن، وليس من حقي أن أبدي وجهة نظر في ما تعرضه. لكنني سأعود إلى إسرائيل، وأبلغ أعضاء حكومتها بما سمعته الليلة». لم يبدُ على حسن التهامي الاطمئنان إلى هذه الإجابة، فأحبّ دايان أن يشجّعه، وقال له: «أعتقد، في كل الأحوال، أن كافة القضايا بيننا قابلة للتفاوض». ارتاح التهامي إلى هذه الإجابة، وظهر عليه بعض الانشراح. وصمت دقائق، وبدا عليه أنه يفكّر في أمر ما، ثم قال لدايان: «لديّ سؤال شخصي أريد أن تجيبني عليه بصراحة تامة». وابتسم دايان، وقال: «اسأل». فجأة، باغت نائب رئيس وزراء مصر الجنرال الإسرائيلي الشهير بسؤال عجيب، إذ قال له: «قل لي: هل كان جمال عبد الناصر عميلاً لكم؟ وهل كان متآمراً معكم، في حرب 1967؟» (3). فوجئ دايان مفاجأة كبيرة بهذا الكلام الصادر عن حسن التهامي. وكان يعرف أنه واحد من «الضباط الأحرار» الذين رافقوا عبد الناصر في القيام بالثورة المصرية عام 1952. ثم إنه كان يعلم أن التهامي ظلّ مقرّباً من عبد الناصر الذي عيّنه، في آخر عهده، أميناً عاماً لرئاسة الجمهورية بدرجة وزير. ولم يجد دايان ما يقوله لزميل الزعيم المصري الراحل. ولم ينتظر التهامي إجابة دايان، فأكمل كلماته بحق رئيسه السابق قائلاً: «إنّ هذا الرجل كان مجنوناً، وأنا سأكتب كتاباً كاملاً عنه».

«الراجل ده فضيحة!»

كان حسن التهامي، هذا الذي اختاره أنور السادات، في 16 أيلول/ سبتمبر 1977، ليكون رسوله إلى موشي دايان، صنفاً عجيباً من البشر. ولقد بدا لكل الناس رجلا أفّاقاً، كذّاباً، غريب الأطوار… لكنّ عبد الناصر ظلّ يثق به! وحينما تولى أنور السادات الحكم، بعد وفاة عبد الناصر، مضى أكثر من سلفه في تقريب التهامي إليه، حتى صار سميرَه ونديمه. وكان التهامي يدّعي العلم والإيمان، ويرخي لحيته البيضاء، ويرتدي ربطة عنق سوداء لا يغيّرها أبداً. وكان يزعم أنّ له «اتصالات مع الجنّ والأنبياء، وأنه يتحدث مع الموتى» (4). ومن الغريب أنّ السادات آمن بما كان يدّعيه صاحبه من «قدرات عجائبية خارقة». وكثيراً ما كان الرئيس المصري يصف صديقه التهامي قائلاً: «فيه شيء للّه، وانه مكشوف عنه الحجاب» (5). ولم يكتفِ السادات باتخاذ التهامي صاحباً، بل رقّاه فجعله مستشاراً له، ونائباً لرئيس الوزراء، وعضواً في مجلس الأمن القومي المصري، ومبعوثاً خاصاً يرسله إلى رؤساء الدول. وزاد فعيّنه مفاوضاً للإسرائيليين… ثم لم يكتفِ السادات بكل هذا، فأنعم على حسن التهامي، بعد حرب أكتوبر 1973، ورقّاه دفعة واحدة من رتبة صاغ إلى رتبة فريق في الجيش المصري!

ولقد روى وزراء السادات وجلساؤه قصصاً طريفة عن «راسبوتين المصري» الذي أصبح في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين أحد أقرب الرجال إلى قلب وعقل «الرئيس المؤمن». ويذكر محمد إبراهيم كامل، وزير الخارجية المصري الأسبق، أنه كان، في يوم 8 تموز 1978، يقوم برحلة رسمية مع الرئيس السادات إلى مدينة سالزبورغ، في النمسا، وكان التهامي عضواً في الوفد المصري. وأخذ التهامي يسدي النصح إلى محمد إبراهيم كامل حول كيفية التعامل مع وزير الخارجية الإسرائيلي موشي دايان الذي كان يحلو له أن يسمّيه «الأعور الدجال». وقال التهامي لكامل، وهو يتحدث بجدية: «عندما تقابله، إذا لاحظت أنه يراوغ في الحديث معك، فما عليك إلا أن تقبض يدك اليمنى وأنت تنظر إليه، ثم ترفعها أمام وجهه، وتصيح: “يا تهامي”. وستجد أنه سيعود إلى رشده على الفور. وبذلك تستطيع التفاهم معه» (6). ويذكر بطرس غالي، وزير الشؤون الخارجية المصري الأسبق، في كتابه «طريق مصر إلى القدس»، أنّ «التهامي كان مؤمناً بأنه يتلقّى في الأحلام تعليماتٍ خاصة من الرسول، وكان يتصور نفسه صلاح الدين المصري الذي يحمل رسالة الذود عن الإسلام. وكان السادات يرتاح إلى وجوده ويستمتع بصحبته، غير أننا جميعاً كنا نراه إنساناً غير متّسق» (7). ويروي بطرس غالي حادثة وقعت أثناء مأدبة عشاء في مقر وزارة الخارجية الفرنسية، في أيلول/ سبتمبر 1978، حينما أخذ حسن التهامي يتحدث مع الفرنسيين عن اتصالاته مع الجنّ لإطاحة الحكومة الأفغانية الشيوعية. وكان الفرنسيون يستمعون إليه باندهاش. وأسرَّ أحد الدبلوماسيين في أذن غالي: «هل هو حقيقة نائب رئيس وزراء مصر؟». وخجل غالي من أن يعترف له بالحقيقة المرّة، وبأنه عرّاف الرئيس المصري، وسميره، ورافع معنوياته، و«الرجل البركة» ــ كما كان يسميه السادات. وأجاب غالي بأن «التهامي مجرد مستشار خاص للرئيس». وحينما غادر الوفد المصري مقر الـ«كي دورسيه»، بعد العشاء، أسرَّ السفير أحمد ماهر في أذن بطرس غالي بكلمة «فضيحة»، مشيراً إلى التهامي. وأنهى غالي الفقرة الساخرة في كتابه قائلاً: «لقد أزعجنا جميعاً الوجود السريالي للتهامي في الوفد» (8). وروى الكاتب المصري الراحل أحمد بهاء الدين، في كتابه «محاوراتي مع السادات»، أنّ التهامي حينما يجلس بين أصدقائه، ينهض فجأة، ويقول بصوت مرتفع: «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته». وأما السبب فسريعاً ما يفسّره هو بقوله: «إن سيدنا الخِضر قد مرّ أمامكم، وألقى السلام، ولكن لا يراه، ولا يردّ عليه السلام إلا من كان مثلي، كُشِف عنه الحجاب» (9).

«كنّا سنستسلم لكم، في مقابل أن تُبقونا أحياء فقط»

عاد حسن التهامي إلى القاهرة، بعد لقائه السري مع دايان، برفقة رئيس المخابرات العامة المصرية كمال حسن علي. وكان السادات قد بعث الأخير ليرافق التهامي في المهمة الخاصة في المغرب، من دون أن يعلمه بطبيعتها. ومن العجيب أنّ التهامي أخفى عن مرافقه تفاصيل المهمة أيضاً، ولم يبلغه بأنّ موشي دايان هو من سيلاقيانه في قصر الحسن الثاني في إفران. ثم لما قابلا الملك، رغب التهامي في أن ينفرد وحده بمقابلة الإسرائيليين من دون مرافقه رئيس المخابرات المصرية. وكذلك عاد كمال حسن علي من المغرب، مثلما جاء، لا يعرف ماذا جرى في قصر الملك الحسن، ولا ماذا حصل، ولا ما قيل. ولقد سجل الفريق كمال حسن علي، في كتابه «محاربون ومفاوضون»، بمرارةٍ، هذه «الإساءة» التي تلقّاها من حسن التهامي. بل إنّ الأخير لم يتورع عن الكذب عليه حتى وهُما يغادران المغرب عائدين إلى مصر. فزعم التهامي لرئيس المخابرات المصرية أنّ ما جرى في قصر إفران يتعلق بـ«صفقة سلاح فرنسية» (10).

على أنّ كذب التهامي وخداعه بلغا حدّاً أخطر حينما قابل السادات، في القاهرة. فلقد قال له إنّ الإسرائيليين مستعدون للانسحاب من سيناء من دون تأخير، وإنهم يقبلون كذلك الانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة عام 1967. ثم أخذ التهامي يزيّن للسادات عقد السلام مع مناحيم بيغن. وبلغت به الجرأة حدّاً جعله ينسج قصة مختلقة تماماً على لسان موشي دايان. فقال التهامي للسادات ــ وهو متأكد من أن كلامه سوف يلاقي حبوراً في نفس الرئيس المصري ــ إن دايان أخبره عندما لاقاه في المغرب بأنّ «حرب أكتوبر 1973 أصابت إسرائيل بزلزال». وإنّ دايان سأله قائلاً (حسبما يزعم التهامي): «لماذا أوقفتم التقدم في سيناء في اليوم الرابع من هجومكم علينا؟ لقد كنا على استعداد لنستسلم لكم، في مقابل أن تبقونا أحياءً فقط! وكان جنودنا يعطّلون دباباتهم وآلياتهم، ويختبئون بها في مقابر العريش، وبين النخيل، حتى لا يواجهوا الموت على أيدي المصريين. ولم يكن هناك جنديٌ واحد يريد أن يقاتلكم. وبقينا كذلك حتى جاءتنا الإمدادات الأميركية بالجسرين الجوي والبحري تحمل المدرعات بأطقمها وتنزل في ميدان القتال مباشرةً» (11).

ولا شكّ في أنّ الرئيس المصري سُرّ كثيراً بما سمعه من مستشاره الخاص. ففي اجتماع عقده مع أعضاء المكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم، يوم 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977، قال السادات: «إنّ اللقاء الذي جمع التهامي مع دايان، في المغرب، كان ناجحاً جداً، وإنّ إسرائيل قبلت بالانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة». ثم أضاف قائلاً: «لقد صدق هنري كيسنجر حينما قال لي إنّ «الصراع العربي الإسرائيلي ليس إلا مشكلة نفسية قبل كل شيء. ولو انكسر الحاجز النفسي بيننا وبين الإسرائيليين، فإنّ قضية الشرق الأوسط ستنحل تماماً». هكذا أخذ أنور السادات يعدّ نفسه لكي يفاجئ الدنيا بأسرها بـ«خبطة درامية مذهلة»، تجعل العالم يفتح فاهُ إعجاباً بما سيصنعه.

المراجع:

1- Moshe Dayan – Breakthrough: A Personal Account of the Egypt-Israel Peace Negotiations [London: Weidenfeld and Nicholson, 1981] p: 44

2- حسن التهامي، حديث إلى «مجلة أكتوبر» المصرية بتاريخ 16 ديسمبر 1979.

3- موشي دايان، مرجع سبق ذكره، ص: 45.

4- أحمد بهاء الدين، «محاوراتي مع السادات» (دار الهلال للطباعة، القاهرة 1987) ص: 149.

5- محمد إبراهيم كامل، «السلام الضائع في كامب ديفيد» (كتاب «الأهالي»، 1987) ص: 313.

6- المصدر السابق، ص: 318.

7- بطرس غالي، «طريق مصر إلى القدس: قصة الصراع من أجل السلام في الشرق الأوسط»، (مركز الأهرام للترجمة والنشر ــ 1997) ص: 138.

8- المصدر السابق.

9- أحمد بهاء الدين، مرجع سبق ذكره، ص: 148.

10- كمال حسن علي، «محاربون ومفاوضون»، (مركز الأهرام للترجمة والنشر- 1986) ص: 59.

11- أعاد حسن التهامي مزاعمه عن «اعترافات» موشي دايان له، أثناء المقابلة التي جرت بينهما في المغرب، في حديث طويل أجراه مع جريدة «الأنباء» الكويتية، بتاريخ 18 نيسان/ أبريل 1986.

(يتبع)

صحيفة الأخبار اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى