«داعش» يخلط الأوراق الأميركية (نجاة شرف الدين)

 

نجاة شرف الدين


خلطت سيطرة مسلحين من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) على مدن الموصل وتكريت وغيرها أوراق الإدارة الأميركية في المنطقة.
وجاء هذا الأمر في الوقت الذي كان فيه الإعلام الأميركي منشغلا بالنقاش الداخلي بين الجمهوريين والديموقراطيين حول قضية إطلاق سراح الجندي بو برغدال مقابل خمسة من كبار سجناء حركة «طالبان» من غوانتانامو، الذي كان فيه وزير الدفاع تشاك هايغل يدافع عن عملية التبادل هذه في الكونغرس، وفي الوقت الذي جدد فيه الرئيس باراك أوباما تحديده للعناوين الأساسية في سياسته الخارجية في خطابه في «وست بوينت» بشأن سوريا وإيران ومصر والمنطقة والتي تتلخص بـ«لا للحرب» ونعم لاستكمال سحب القوات من أفغانستان.
الإدارة الأميركية التي أكدت تعهدها بمتابعة دعم الحكومة العراقية، برئاسة نوري المالكي، الذي أعلن حالة التعبئة العامة للقوات الأمنية وحالة الطوارئ في البلاد نتيجة الأحداث، أبدت تخوفا متصاعدا من عدم قدرة القوى العراقية على وقف التمدد الإسلامي الحاصل، حتى مع السلاح والتدريب والنصائح الأميركية.
ويجمع العسكريون الأميركيون، لا سيما من القادة السابقين في الجيش الذين خدموا في العراق، على اعتبار انه «عندما تتحرك هذه المجموعات المسلحة بقوة الزخم الذي تتحرك فيه وتتراجع القوى الأمنية العراقية وتترك عتادها فمن الصعب وقفها». ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن أحد هؤلاء تخوفه من تحصين مواقع هذه المجموعات في المناطق التي سيطرت عليها وتوجهها إلى العاصمة بغداد.
المشهد العراقي أرخى بظلاله على النقاش في وزارة الخارجية الأميركية، كما الإدارة التي تعتبر أن مصالحها تتعرض للتهديد. كما أعاد النقاش حول قضية الدعم الكبير الذي تلقّاه الجيش العراقي والتكلفة العالية التي دفعت على القوى الأمنية، وبلغت مئات الملايين من الدولارات، في التدريب والتحديث والعتاد، لكنها فشلت في الحفاظ على مواقعها وفقدت السيطرة على مناطق عديدة.
وعلت الأصوات في واشنطن التي تحذر من الذهاب بعيدا في دعم القوى العراقية، خوفا من وصول هذه المعدات إلى المتطرفين كما حصل فعليا على الأرض.
مشهد المسلحين وهم يقودون آليات «الهامفي» العسكرية الأميركية، ويستخدمون الأسلحة الأميركية، أثار ضجة واسعة في الأوساط السياسية كما الإعلامية ومراكز الأبحاث، التي طالبت بالتريث والتأكد من وصول الأسلحة إلى أيدي القوات الأمنية العراقية التي يمكن ان تدافع بها عن نفسها، لا أن تتركها ليسيطر المسلحون عليها. وهم اعتبروا أن هذه المجموعات، ونتيجة الغنائم التي حصلوا عليها، أصبحوا مدججين بالسلاح الحديث، وسيزيد بالتالي من قدرتهم على المواجهة.
ما حصل في العراق لن يكون عابرا بالنسبة إلى واشنطن، ويمكن أن يؤدي إلى إعادة النظر بعدة أمور بالنسبة إلى أوباما، كما قال إدوارد جوزيف الأستاذ المحاضر في جامعة «جون هوبكنز» الخبير بملفات المنطقة.
وقال جوزيف، لـ«السفير»، هذه الأزمة في العراق «يمكن أن تشكل فرصة للإدارة لإعادة البحث جديا في السياسة باتجاه سوريا، لأن التهديد على جانبي الحدود من التحالف الجهادي سيكون واقعا».
وفي زيارته الأخيرة الى واشنطن، حاول المالكي الحصول على 18 طائرة من نوع «أف 16»، والتي كانت أميركا وعدت بتأمينها بعد انسحابها بأشهر من العام 2011، إلا أن العراق لم يحصل على الموافقة على الطائرة الأولى سوى هذا الأسبوع، وهو لا يزال يحتاج للمزيد من الوقت للتدريب والاستعمال، كما ان الحكومة العراقية كانت تتوقع وصول بعض طوافات «الأباتشي» منذ أشهر، إلا أن رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ روبرت منديس منع هذه الصفقة البالغة قيمتها 6 مليارات دولار بسبب الخوف من استعمالها لمنع المعارضين من التظاهر أو يمكن أن توجهها إلى الأقليات المعارضة.
مما لا شك فيه أن العراق أعاد خلط الأوراق الأميركية في السياسة الخارجية، وعادت إلى الواجهة الأسئلة الكثيرة حول جدوى عدم التدخل والانسحاب، وموضوع إعادة تسليح المعارضة السورية «المعتدلة» لمواجهة المتشددين الإسلاميين، إضافة إلى موضوع الإنسحاب من أفغانستان، وهو ما أكد عليه أوباما في «وست بوينت».
من الواضح أن تغييرا كبيرا لن يحدث في السياسة العامة التي ينتهجها أوباما بعدم التدخل على الأرض، على الأقل في هذه المرحلة، وهو يعلم أن أي خطأ سيكلفه غاليا، خاصة أن الانتخابات التشريعية على الأبواب في تشرين الثاني المقبل.


صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى