أردوغان على نار الخلافة العثمانية (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف

"إنهم لصوص". أخيرا قالها رئيس الوزراء التركي رجب الطيب اردوغان في وصف المحتجين السلميين على سياساته الداخلية.
جملة ليست جديدة. سبق أن قالها الزعماء العرب في أوقات سابقة وعبر السيد اردوغان عن انزعاجه وامتعاضه منها. كان البعض ممن يشككون بنزاهة موقفه من العرب يتوق إلى سماع تلك الجملة من فم الرجل الذي أربك سلوكه الحماسي الكثير من المعادلات التي كانت تبدو مستقرة، بدءا من العلاقات الستراتيجية التي تربط تركيا باسرائيل وليس انتهاء بموقفه من الحرب في سوريا.
لقد آمن الكثير من العرب بان اردوغان هو نصير الشعوب العربية في مواجهة طغيان الحكام وظلمهم وتفردهم الغاشم الطويل في الحكم. وحين قاطع اردوغان كلمة شمعون بيريز في أحد مؤتمرات دافوس وغادر القاعة محتجا، قيل عنه إنه رجل المبادئ الوحيد في المنطقة. لقد صار الرجل نجما شعبيا. غير أن نصير الشعوب هذا لم يجد مانعا من أن يصف شريحة من الشعب الذي يحكمه بانها تتكون من مجموعة من اللصوص حين وصلت النار إلى بيته. الجملة التي كانت تزعجه صارت استهلالا لخطابه المنفعل.
ولأن سلوك المرء في انحيازه المطلق للمبادئ لا يمكن تجزئته أو النظر إليه مقترنا بوقائع بعينها، فان جملة أردوغان التي لا تقبل اللبس أو سوء الفهم تفضح حقيقة الموقف المريب الذي تنطوي عليه حماساته لقلب أنظمة الحكم في العالم العربي الذي كان قد شكل طوال خمسة قرون المحيط الخانع لاستبداد خلافة بني عثمان.
هل كانت اشاعة الفوضى في ذلك المحيط مقارنة بتركيا المستقرة هدفا في حد ذاته؟
ولكن مَن قال أن تركيا قد استسلمت بشكل نهائي لأجندة وخطط السيد اردوغان المستقبلية كما صار خيلاؤه يوحي بذلك. هنا ينبغي الاعتراف أن تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية قد حققت قفزات اقتصادية لافتة أهلت أقتصادها إلى أن يكون واحدا من الاقتصادات الناهضة حول العالم. ولكن في الوقت نفسه ينبغي أن نشير إلى أن جوهر الدولة العلمانية التي أسسها اتاتورك كان يتعرض تدريجيا للقرض والالتهام بشكل منظم.
كان المشروع الديني الذي يتبنى مبادئه اردوغان وحزبه يزحف ببطء وهدوء ومن غير أن يحدث أية ضجة أو يثير أي نوع من الخوف إلى جميع مفاصل الحياة. كانت هناك أسلمة مستترة للكثير من المظاهر، وهو ما صار الأتراك يشعرون بخطورة ارتفاع منسوبه. كان حزب التنمية والعدالة قد عبر عن ذكاء، يُحسب له في معالجة اشكالية العلاقة بين مشروعه الديني الذي لا يقل عن الاسلمة وبين مبادئ الدولة العلمانية التي أنشاها اتاتورك ويحميها الجيش. لقد وضع اردوغان نصب عينيه تجارب من سبقوه من الزعماء ذوي الميول والنزعات الدينية فكانت النتيجة خبرة لا يستهان بها في التمييز بين اللعب في المساحات المكشوفة وبالأخص في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، حيث صار الرجل بطلا شعبيا وبين تمرير القوانين خفية من أجل أن تتخلى تركيا تدريجيا عن صلابة موقفها العلماني. لقد اتبع ارودغان سياسة التمييع الذي كان يتم تحت السطح.
وكما يبدو فان الأموال التي ضخها مستثمرون من الخارج قد شجعت اردوغان على أن ينتقل بسياسته تلك من السر إلى العلن. لقد اكتسب الطاووس ريشا ذهبيا جديدا، فأندفع مسرعا للانقضاض على ميدان تقسيم، وفي ذهنه فكرة عن خرائط جديدة لعاصمة الخلافة العثمانية الجديدة. غير أن مسألة ميدان تقسيم لم تكن سوى مناسبة لصراع تركي داخلي كان مرجئا، لا بين حزب الشعب المعارض وبين الحكومة كما يقول اردوغان، بل بين المتمسكين بصورة تركيا العلمانية الحديثة وبين دعاة المشروع الديني الذي كرست أموال المستثمرين جنونه المفتوح على دولة الخلافة.
ربيع تركيا لن يكون شبيها بالربيع العربي، ذلك لانه يهدف إلى أن تستعيد تركيا ثوابتها العلمانية ولا تخسر مستقبلها وسط فوضى الفتاوي الدينية.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى