أرْبَعةُ احتمالاتٍ وَراء قرار ترامب المُفاجِئ بِسَحب قُوّاتِه من سورية أبرزها التَّسليم بالهَزيمة..

“بَشَّرَنا” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنّه سيَسحَب قُوّاته الأمريكيّة من سورية في القَريب العاجِل لأن بِلادَه أنفقت في مِنطَقة الشرق الأوسط أكثرَ من سَبعة تريليونات دولار ولم تَحصل على شَيءٍ في المُقابِل.
الذَّريعة التي يَستخدِمها لتَبرير هذهِ الخُطوة هي تَمكُّن قُوّاتِه من القَضاء على “الدولة الإسلاميّة”، ولكن الحَقيقة مُغايِرة لذلك تمامًا، فليس قُوّاته التي هَزمت “دولة الخِلافة”، وإنّما تحالفٌ مُكوّنٌ من العَديد من الدُّول الأُخرى يَصِل إلى ستّين دولة على رأسها روسيا وسورية والعِراق وإيران وفرنسا وبريطانيا والقائِمة تَطول.

أمريكا تَسْحَب قُوّاتِها من سورية، للسَّبب نَفسه الذي جَعَلها تَنسَحِب قَبلها من العِراق، أي تَلقِّي هَزيمةً كُبرى بعد حَرب استنزاف مادِيّة وبَشريّة لم تَستطِع تَحمّلها، ولا بُد أن الرئيس ترامب التَّاجِر الذي يَتعاطَى مع الأُمور بِميزان الرِّبح والخَسارة، ويُؤمِن بِلُغة الأرقام، أصبح يُدرِك أن حَرْبًا باتت وَشيكةً ستَستهدِف قُوّاته في سورية (2000 جندي)، وفي العِراق (5500 جندي) ولن تَستطيع إدارته الفَوز فيها.

الحَرب الروسيّة السوريّة القادِمة ستستهدف المناطِق التي تتمركَز فيها القُوّات الأمريكيّة شَرق الفُرات، وبالتَّحديد تِلك التي تتواجد فيها احتياطات النِّفط والغاز السوريّة، وبَدأت الاستعدادات من قِبَل مُنظّمات عِراقيّة، من بينها “الحَشد الشعبي” لِشَن عَمليّات ضِد القُوّات الأمريكيّة المَوجودة على أرضِ العِراق، بعد أن جَرى سَحْبْ ذَريعة القَضاء على “الدولة الإسلاميّة” أو “داعش” مِنها.

المَعلومات التي أدْلَى بِها الرئيس ترامب عن خُطَط الانسحاب هذهِ ما زالت ضَئيلةً ويَكتَنِفها الكَثير مِن الغُموض، فوزارة الخارجيّة الأمريكيّة نَفَتْ عِلمَها بِمِثل هذهِ الخُطط، وريكس تيلرسون، وزيرها السَّابِق، أكّد أنّ القُوّات الأمريكيّة ستَبقى لِوَقتٍ طَويل في سورية فما الذي جَرى حتى يُغيِّر الرئيس ترامب رأيه بهذهِ السُّرعة؟ وإذا كانت وزارة الخارجيّة لا تَعلَم بِهذهِ الخُطَط.. فمَن يَعلم بها إذًا، بنيامين نتنياهو أم جاريد كوشنر؟

النُّقطة الأُخرى اللافتة في تَصريحات ترامب المَذكورة تلميحه أنّه سيَترُك “المُهمِّة في سورية إلى الآخرين”، دون أن يُحدِّد من هُم هؤلاء.. هل هُم الرُّوس والإيرانيّون؟ أم الأتراك؟ أم دُوَل خليجيّة مِثل المملكة العربيّة السعوديّة وقطر والإمارات؟
هُناك عِدّة تفسيرات أو احتمالات تَقِف خَلف هذا التَّوجُّه للرئيس ترامب:
ـ الأوّل: أن يكون الرئيس الأمريكي قَرّر فِعلاً تنفيذ سِياساته وبرامجه الانتخابيّة التي أوصَلَتهُ إلى السُّلطة وعُنوانها الأبرز الانطواء داخِليًّا، والانسحاب من التدخّلات العَسكريّة الخارِجيّة ووضع مصالِح الشَّعب الأمريكي فَوْق كُل اعتبار وِفْق شِعاره “أمريكا أوّلاً”.

ـ الثّاني: أن يكون ترامب يُخطِّط لفَتح جبهةٍ عَسكريّةٍ أُخرى ربّما تكون في إيران بعد إعلان نواياه الانسحاب من الاتّفاق النووي، ولهذا لا يُريد أن تتحوّل قُوّاته في سورية، وربّما العِراق إلى لُقمَةٍ سائِغة للميليشيات في حالِ اندلعت الحَرب مع إيران.

ـ الثالث: حُدوث نَوع من اتّفاق المُقايَضة بين القُوّتين العُظميين، أي روسيا وأمريكا، على “مُقايَضَةٍ ما” بِتبادُل مَناطِق النُّفوذ، أي تترك أمريكا سورية لروسيا التي تَمْلُك اليَد العُليا فيها، مُقابل صَمت الأخيرة على تواجُدها في العِراق أو دُوَلٍ أُخرى في المِنطِقة.

ـ الرَّابِع: تَوصُّل إدارة ترامب إلى اتّفاق مع تركيا لسَحب قُوّاتها (الأمريكيّة) المُتواجِدة في شمال سورية (مَناطِق كُرديّة) على طُول الحُدود بين البَلدين (سورية وتركيا)، ممّا يُسهِّل لعَمليّة “غُصن الزيتون” التركيّة التَّقدُّم في المِنطَقة دون أيِّ صِدامٍ مع القُوّات الأمريكيّة.

في ظِل شُحْ المَعلومات حول خُطوَة ترامب هذهِ تبدو مُهمّة تَرجيح أيٍّ من هذهِ الخَيارات في قِمّة الصُّعوبة، لكن كَشف ترامب عن خَسارة بِلادِه سَبعة تريليونات دولار دون الحُصول على أيِّ مُقابِل يُوحِي بأنّ إدارته تعترف بالهَزيمة وتُريد تَقليص الخسائِر أو وَقْفِها.. وهذا لا يَعني أن الاحتمالات الأُخرى، وخاصَّةً التَّصعيد ضِد إيران، يَجِب استبعادها في جَميع الأَحوال.
ترامب يَطْبُخ “طبخة ما” في سورية والمِنطقة بِشَكلٍ عام، ومُساعده، أو مُستشاره الأوّل فيها بنيامين نتنياهو، وسَنَشُم رائِحة بِطَريقةٍ أو بأُخرى في الأسابيع والأشْهُر المُقبِلة، وما عَلينا إلا الانتظار.

صحيفة راي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى