أميركا وسياسة الاحتواء…

لم يعد هناك مجال للشك بأنّ الهدف الرئيسي للاستراتيجية الأميركية في بلادنا العربية هو تلزيم تنظيم “داعش” ومتفرعات تنظيم “القاعدة” تنفيذ المشروع الأميركي الصهيوني بنشر الفوضى وتفكيك مجتمعاتنا العربية تمهيدًا لتقسيم الوطن العربي إلى دويلات متناحرة متصارعة متحاربة فيما بينها بحروب مذهبية تمتد الى عقود وربما مئات السنين، بذلك يكون العدو الصهيوني الساعي لتهويد القدس واعلان الدولة اليهودية وانشاء حزام امني يمتد من الحدود الاردنية مرورا بالقنيطرة مع الجولان المحتل هو المستفيد الوحيد من تحقيق اهداف هذا المشروع.

الاهم هو ان نراقب متغيرات وافرازات المعركة الدائرة في الرمادي والانبار على الارض العراقية المتصلة مع سوريا لان نتائج تلك المعارك سترسم المعالم الجديدة لخريطة المنطقة السياسية والجغرافية لكل من العراق وسوريا ولبنان والاردن، فالولايات المتحدة التي سوقت بحملة اعلامية باحتراف بتصوير نفسها انها المنقذ للمكون العراقي تارة باعلان الحرب اعلاميا فقط على “داعش” دون القيام باي عمل عسكري جدي لمحاربة الارهاب، وتارة اخرى بمنع تسليح القوات العراقية بالاسلحة المناسبة والوقوف بوجه الحشد الشعبي العراقي ومنعه من الدخول الى الانبار والرمادي للتصدي لتنظيم “داعش” تحت ذريعة الخوف من مجازر مذهبية، مع العلم ان “داعش” باتت تسيطر على 40 بالمئة من جغرافيا العراق على مرأى ومراقبة القوات والقواعد الاميركية التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن الاماكن التي اجتاحتها “داعش” وارتكبت بحق اهلها ابشع انواع القتل والتدمير.

وهنا تُطرَح العديد من الأسئلة: اين اصبح تنفيذ مقررات الحلف الذي تم التوافق عليه بمؤتمر جدة لمكافحة الارهاب في شهر أيلول 2014 والذي شاركت به اكثر من 12 دولة بعد ان تم الاقرار بالاجماع بضرورة محاربة تنظيم “داعش” وتجفيف منابع تمويله ووقف تقدمه بكافة السبل؟ لماذا انتفضت الولايات المتحدة وضربت تنظيم “داعش” عندما هدد المكون الكردي في اربيل؟ ولماذا سمح للاكراد بمساعدة عسكرية من القوات الأميركية بخوض المعركة ضد “داعش” وطردهم من منطقة كوباني الكردية ولم يسمح للقوات العراقية والحشد الشعبي من التسلح والتصدي لتنظيم “داعش” في الرمادي تحت حجج مذهبية واهية؟

مطالبة نائب الرئيس الامريكي بتقسيم العراق الى مكون سني وشيعي وكردي جعلتنا على يقين من ان المشروع الأميركي الذي بشرتنا به وزيرة الخارجية الأميركية السابق كوندوليزا رايس وجد طريقه للنجاح ففي العام 2006 وفور البدء بالحرب الاسرائيليه على لبنان صرحت بالقول ان ما تشهده المنطقة هو مشروع ولادة شرق اوسط جديد مبني على الفوضى الخلاقة او الحرب الناعمة.

من السهل جدا ان نلقي باللوم او الحقد على الولايات المتحدة واسرائيل بالخصوص والغرب عموما لكن لا غلو بالقول ان جزءًا كبيرًا من المسؤولية تقع على عاتقنا نحن العرب لاننا تائهون غائبون مختلفون لا نمتلك رؤية ولا استراتيجية لحماية الوطن العربي والتطلع نحو مستقبل شعبنا العربي بالاصرارعلى الطلب لا بل استجداء امن الوطن العربي بواسطة ضمانات خطية او ابرام اتفاقات حماية من صاحب مشروع تفتيت هذا الوطن العربي.

ان سياسة الولايات المتحدة هي سياسة ابتزاز الجميع فهي تمارس الابتزاز من اوسع ابوابه على دول الخليج العربي من خلال ابرام المزيد من عقود السلاح
حتى كادت دول الخليج العربي ترهن منتوجها النفطي لصالح مصانع الذخيرة والاسلحة وزيادة الايداعات في المصرف الفيديرالي الأميركي لعقود من الزمن لسداد فواتير السلاح الأميركي والفرنسي والبريطاني.

الإدارة الأميركية عطلت كل محركات اطفاء النيران المتنقله في الوطن العربي بهدف استمرار الحرب غير الناعمة وانتاج الفوضى غير الأخلاقية التي وعدنا بها.

السياسه الأميركية هي الحفاظ على نيران ملتهبة لتسهيل مهمتها الرامية الهادفة لامساك العصا من وسطها فتارة تطالعنا عبر وزير خارجيتها جون كيري بالقول سوف نضطر للاتصال بالرئيس بشار الاسد لانه جزء من الحل، ليعود بعد اسبوع واحد بعد اجتماع كامب ديفيد مع قادة الخليج العربي ليصرح بان الرئيس الاسد فقد شرعيته ولا دور له في سوريا المستقبل.

سياسة الابتزاز لدول المنطقة المتبعة من قبل الولايات المتحدة تتيح لها اللعب على انقاض بلادنا فهي تبتز ايران عبر ملفها النووي على خلفية الاتفاق المرتقب في حزيران المقبل مع ما يساورنا من شكوك حول إتمامه بعد اصرار الكونغرس الأميركي على ربط الموافقة عليه بموافقة الأغلبية في الكونغرس حتى لو تمت موافقة الرئيس باراك أوباما عليه، وما زاد في الريبة هو ان الولايات المتحدة وضعت شروطا جديده تقضي باستجواب العلماء الايرانيين والاطلاع على البرنامج النووي الايراني خصوصا بعد رفض المرشد الاعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي لهذه الشروط واعتبارها مذلّة.

ها هي أميركا تسمح لتنظيم “القاعدة” و”داعش” بالسيطرة على الرمادي بالعراق وايضا سمحت لتنظيم “القاعدة” و”النصرة” وبمساعدة الخبراء والمدافع التركية باجتياح الشمال السوري واحتلال ادلب وجسر الشغور والمسطوة وصولا الى احتلال مدينة التاريخ والحضارة المشرقية، عنيت مدينة تدمر.

أميركا أوجدت “داعش” و”القاعدة” في بلادنا العربية للابقاء على هذا التنظيم وحماية الدولة الموعوده لانشاء الشرق الاوسط الجديد المبني على تقسيم دولنا وتفتيتها بدعم وتمويل من بعض الدول العربية، تاركة تحديد حدود كل دولة تبعا للظروف التي تخدم مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني.

ما يهم أميركا اليوم هو تامين منابع النفط ومصادرة الثروه العربية وحماية اسرائيل وضمان تفوقها العسكري.

أميركا تمارس سياسة الاحتواء فهي تهدف الى كسب ايران بنفوذها واقتصادها وفي الوقت عينه فهي لا تريد خسارة ثروات حلفائها الخليجيين، وكلّ ما عدا ذلك ليس مهما.

الالكترونية اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى