أوهام فلسطينية.. بعد فوز أوباما (هاني المصري)

هاني المصري

 

أخيرًا، جرت الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، وفاز باراك أوباما بفترة رئاسيّة ثانية، وهُزِم ميت رومني، وهذا خبرٌ جيدٌ للرئيس «أبو مازن»، وسيئٌ لنتنياهو، الذي تربطه علاقات متوترة مع أوباما، خصوصًا بعد أن خرج عن المألوف وتدخل علنًا وسرًا لمصلحة منافسه في الانتخابات.
إلى أي حد سيكون نجاح أوباما جيّدًا للفلسطينيين وسيئًا لإسرائيل؟ هذا في رحم المستقبل، مع أنّ التجارب السابقة مع الرؤساء الأميركيين بصورة عامة، ومع أوباما بصورة خاصة، بعد تراجعه وتنصله من كل وعوده؛ لا تعطي أي مجال للتفاؤل، بل تفرض قدرًا كبيرًا من الحذر، لأنّ أوباما الذي لا يحب نتنياهو، وسيحاول قدر الإمكان أن يرى أي شخص بدلًا منه في منصب رئيس الحكومة الإسرائيليّة، سوف يؤيد ما تتخذه أي حكومة إسرائيليّة مقبلة بصرف النظر عمن يترأسها.
فأهميّة العلاقات الأميركيّة ـ الإسرائيليّة المترتبة على المصالح المشتركة أكبر من أن تتأثر بشكل حاسم بالعلاقات الشخصيّة التي تربط الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الإسرائيلي، فيمكن أن نشهد بعض الخلافات، إلأ أنها في النهاية ستحسم لمصلحة ما هو مشترك.
لا يزال رهان قيادات فلسطينيّة نافذة على الخلافات القائمة والمحتملة بين الإدارة الأميركيّة والحكومة الإسرائيليّة، وعلى ما يمكن أن تتركه من تأثير وتغيير في الانتخابات الإسرائيليّة المقبلة في شهر كانون الثاني المقبل، خصوصًا في ظل بروز احتمال، ولو ضئيل جدًا، بفوز ائتلاف وسط – يساري يتزعمه أيهود أولمرت، الذي أيد ما أعلنه أبو مازن، بأنهما كانا بحاجة إلى شهرين فقط لكي يتوصلا إلى اتفاق، وبالتالي إذا فاز مثل هذا الائتلاف، إن تشكل، فيمكن حدوث اختراق تاريخي ويتحقق السلام.
أولاً، الفلسطينيون لن يحصلوا بالمفاوضات مع نتنياهو أو أولمرت أو حتى زعيمة ميرتس إلا على ما يستطيعون الحصول عليه فعلًا ويتناسب مع قوتهم على الأرض، وإذا حصلوا على شيء أفضل، لسبب أو لآخر، فعند التطبيق سيتحول إلى شيء آخر، وهو ما يستطيعون الحصول عليه فعلًا، أو أقل منه، خصوصًا إذا استمرت الإدارة الفلسطينيّة السيئة للصراع مع الاحتلال.
ثانيًا، من يراهن على الآخرين يخسر دائمًا وحتمًا، لأن الآخرين تهمهم مصالحهم وتحقيق أهدافهم، وليس أهداف من يراهن عليهم. وثالثًا، احتمال سقوط نتنياهو وائتلافه المتطرف الحاكم ضئيل جدًا. ورابعًا، لو سلمنا جدلًا بأن نتنياهو سيسقط واستطاع أولمرت اجتياز حاجز استئناف النيابة العامة الإسرائيليّة ضده، فهو سيبقى محكومًا باللاءات الإسرائيليّة، التي لا يمكن أن يقبل بها أبو مازن أو أي زعيم فلسطيني مهما بلغ اعتداله. وإذا حاول أولمرت أو غيره اختراق هذه اللاءات سيسقط لاحقًا كما سقط سابقًا. ألم تقل تسيفي ليفني، التي يراهن عليها بالرغم من تصريحها عن استخدامها العلاقات الجنسيّة واستعدادها لاستخدامها لاحقًا لخدمة إسرائيل، بأنها ترى أن ما قدمه أولمرت سابقًا لـ «أبو مازن» لا يستطيع هو أو غيره تمريره، وإذا كان ذلك صحيحاً سابقًا، فهو أكثر صحة الآن في ظل تعمق الانقسام الفلسطيني واتجاهه للتحول نحو الانفصال، لاسيما بعد أن مضت حكومة نتنياهو بعيدًا في تعميق الاحتلال، وتوسيع الاستيطان وشرعنته، وتهويد القدس وأسرلتها، وتقطيع الأوصال، والجدار، والحصار، وفي ظل انشغال العرب والإقليم والعالم بما يجري من تغييرات، وما يمكن أن يجري في المنطقة، وسط ادعاء إسرائيلي هناك من يصدقه، بأن ما يشهده العالم العربي يعزز الموقف الإسرائيلي الرافض للتوقيع على تسوية، لأن المنطقة منطقة رمال متحركة، فلا يوجد شيء ثابت فيها، لا الشعوب، ولا البلدان، ولا الحكام.
في ظل هذه التطورات، خطت القيادة الخطوة الأولى، ووزعت مشروع قرار على أعضاء الجمعيّة العامة من دون حسم موعد عرضه للتصويت، إما في الخامس عشر من هذا الشهر الذي يصادف ذكرى إعلان الاستقلال، أو في التاسع والعشرين منه، الذي يصادف يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني وذكرى تقسيم فلسطين. ما سبق يدل على أن القيادة لا تزال حائرة ومترددة ولا تثق في خطوتها، كما ظهر في تقديم الطلب في العام الماضي إلى مجلس الأمن، وإضاعة عام كامل بانتظار المجهول المعلوم، وهو أن الطلب لم يحصل على الأصوات المطلوبة لعرضه على التصويت، وإذا عرض ستستخدم الإدارة الأميركيّة الفيتو، فلم يُعرض للتصويت، ولم يتم تقديم مشروع قرار للجمعيّة العامة، وهذا يعني إضاعة عام كامل من دون الحصول على دولة من أي نوع، ومن دون مقاومة، ودون وحدة، ودون مفاوضات، مع استمرار إسرائيل بتطبيق مخططاتها التوسعيّة والاستيطانيّة والعنصريّة.
حتى الآن، تبدو القيادة مترددة وتستخدم التوجه إلى الأمم المتحدة كتكتيك وليس كاستراتيجيّة، ولم تضع استراتيجيّة كفيلة لمواجهة العواقب المحتملة بحصولها على الدولة المراقبة.
إن المعضلة الكبرى تكمن في أن القيادة تستخدم التوجه إلى الأمم المتحدة للضغط من أجل استئناف المفاوضات، وإذا حصلت على الدولة، فإنها تقول إنها ستعود إلى المفاوضات من دون تأكيد على شروطها لاستئنافها، وهذا يفرِّغ الحصول على الدولة المراقبة من معناه ويتحول إلى شيء ضار. فمجرد الحصول عليه في ظل رفض إسرائيلي قاطع، ومعارضة أميركيّة ومن بعض الدول الأوروبيّة، ومع احتمال قوي بفرض عقوبات أميركيّة وإسرائيليّة؛ ستؤدي إلى تدهور الموقف أكثر، أي عدم استئناف المفاوضات أو استئنافها من دون وقف الاستيطان وبلا مرجعيّة. إن هذا، إن حصل، فسيؤدي إلى مفاوضات من أجل المفاوضات، أو إلى حل انتقالي طويل الأمد متعدد المراحل، يؤدي إلى تصفية القضيّة على مراحل، مثلما حدث ويحدث خلال السنوات العشرين الماضية، لأن تصفيتها مرة واحدة أمر مستحيل.
حتى لا نظلم القيادة، نضيف إلى ما سبق مراهنتها على أن أوباما الآن، بعد انتخابه، إذا لم يوافق على الدولة المراقبة، فإنه سيعارضها في الحد الأدنى من دون أن يصل الأمر إلى وقف كل المساعدات الأميركيّة، وإغلاق مكتب المنظمة، ويساعده في ذلك أن جميع قادة الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة أوصوا الحكومة بعدم اتخاذ إجراءات شديدة ضد السلطة، لأن الحصول على دولة مراقبة إجراء رمزي لن يغير الواقع على الأرض، ولأن إجراءات شديدة يمكن من شأنها أن تؤدي إلى انهيار السلطة وخسارة التنسيق الأمني الذي لم يتأثر بالتدهور السياسي، وإلى بروز خيارات أخرى مفيدة للفلسطينيين وضارة لإسرائيل، مع أهميّة ملاحظة أن أوباما ليس مطلق اليدين، فالكونغرس، المؤيد جدًا لإسرائيل، له بالمرصاد، ولا يزال الجمهوريون يتمتعون فيه بالأغلبيّة.
الأمر المقلق جدًا، أن السلطة وهي تفكر في الذهاب إلى الأمم المتحدة لم تفكر كثيرًا في اليوم التالي له، فهي إما أنها مطمئنة إلى أن الإجراءات ضدها لن تذهب بعيدًا، وإذا ذهبت ماذا ستفعل حينها؟، أو أنها مطمئنة إلى شبكة الأمان العربيّة، مع أن التجارب السابقة لا تطمئن، أو أنها ستطلق الطلقة الأخيرة التي في جعبتها بعد انتظار آخر، وإعطاء فرصة أخرى للرئيس الأميركي في فترة رئاسته الثانية.
هناك أحاديث عن أن الطلقة الأخيرة ستكون استقالة الرئيس، أو طلب وصاية أو حماية دوليّة للدولة المراقبة، ولكن لا أحد يدري ولا يصدق؛ لأن الحديث يجري عن الاستقالة وحل السلطة وغيرهما من الخيارات منذ سنوات عدة من دون الأخذ بأي منها بشكل متكامل.
الحلُ بسيطٌ جدًا، وهو حوارٌ شاملٌ للجميع، يضم جميع القوى والفعاليّات داخل الوطن وخارجه لمراجعة التجارب السابقة وبلورة استراتيجيّات قادرة على تحقيق الأهداف الوطنيّة. حوار ينتهي بشق مسار جديد بديل من مسار أوسلو، ويبدأ بتشكيل قيادة انتقاليّة مؤقتة فعليّة للمنظمة تضم مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني.

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى