إيران – السعودية: الظروف لم تنضج بعد (جوني منير)

 
جوني منير 

" أصاب رئيس مجلس النواب نبيه برّي حين زار العاصمة الإيرانية ناصحاً كبار المسؤولين فيها بالعمل قدر الإمكان على إعادة فتح قنوات التواصل مع المسؤولين السعوديين.
وقد أصاب برّي انطلاقاً من زاويتَين أساسيّتين، الأولى أنّ النقاط الكثيرة التي كسبتها ايران من خلال فتح أبواب التفاهم مع الولايات المتحدة الاميركية تحتاج الى خطوات موازية تهدف الى حماية ما تحقَّق وتحصينه وتثبيته.
وبما أنّ الخصم الحقيقي لإيران وطموحها يبقى المملكة العربية السعودية التي خاضت حروباً ومواجهات مُكلفة معها، إن في العراق او في لبنان او في سوريا وحتى في الخليج (البحرين واليمن وفي الداخل السعودي)، فإنّ الحكمة تقضي بتهدئة الوضع السائد وطمأنة المتضررين من الإنجاز الذي حصل، وليس العكس.
أمّا الزاوية الثانية والأهمّ بالنسبة الى برّي، فهي أنّ استمرار التباعد الايراني – السعودي سيؤدي الى مواجهات بالواسطة في لبنان. وبالتالي، الى مزيد
من الازمات السياسية والمواجهات الامنية، ما يعني أنّ المصلحة اللبنانية تقتضي السعي لإعادة فتح أبواب التقارب بين العملاقين الاقليميَّين.
وقد تساعد الظروف الفعلية في هذا الاتجاه على رغم وجود عوائق كبيرة تتمثّل في التعقيدات الميدانية والاحتقان الهائل الممزوج بالمرارة وخيبة الامل لِما آلت اليه الامور في سوريا، والذي يعمّ خصوصاً الشارع السنّي.
لكنّ العارفين يقولون إنّ كبار المسؤولين السعوديين يدركون جيداً أنّ الانعطافة الدولية تجاه إيران تبقى أكبر من أيّ محاولة للتشويش عليها، حتى ولو اجتمع جميع المتضررين. والأعباء لِما آل اليه "الربيع العربي" أصبحت ثقيلة جداً، وتفرض وقفة لإعادة النظر وتقويم كل الواقع وإجراء التعديلات المطلوبة للاستمرار في المعركة.
لكنّ ذلك لن يعني أنّ السعودية سترفع الراية البيضاء وتقرّ بالنتائج التي ظهرت حتى الآن، وهذا ما لا يريده أحد من العواصم الغربية، لا بل على العكس، تريد الدول الغربية استمرار المواجهات ولكن تحت سقف واضح أو بمعنى آخر استمرار الاستنزاف ولكن من دون خطر إرهاب "القاعدة".
وكشفت أوساط ديبلوماسية مطّلعة أنّ الامير بندر بن سلطان زار العاصمة الفرنسية منذ حوالى ثلاثة أسابيع يرافقه نائب وزير الخارجية السعودي، وقد بقيت الزيارة خارج التداول الاعلامي، موضحة أنّ الوفد السعودي التقى مسؤولين كبار في الادارة الفرنسية، وشارك في بعض هذه الاجتماعات مسؤولون أمنيّون أميركيون.
وكان من الطبيعي أن يحتلّ الملف السوري وإمساك المجموعات المتطرّفة بالارض البند الاول في النقاشات، إضافة الى المستجدات التي طرأت إثر الانفتاح الاميركي على ايران. ووفق ما رَشح، فقد وافق الامير بندر بقوّة على خطورة تمدّد المجموعات المرتبطة بـ"القاعدة".
وذكّر بأنّ بلاده سَعت باستمرار للقضاء على هذه الحال المخيفة، ودفعت ثمناً باهظاً لذلك. لكنّ بقاء بشار الاسد على رأس السلطة انما يساهم في تعزيز وجود "القاعدة" ويُجهض كل محاولات القضاء عليها.
وتقول الاوساط الديبلوماسية الاوروبية إنّ الجانبين توافقا على ضرورة القضاء على هذه المجموعات وعدم فتح المجال لعودتها الى بلادها، إذ هناك نحو 1500 عنصر يحملون جنسيات أوروبية، بالإضافة الى أنّ المجموعة السعودية تعتبر الثالثة من حيث الحجم بعد المجموعتين الفلسطينية والاردنية، ولأنّ عودة "المجاهدين" من أفغانستان هزَّت استقرار السعودية، ولا سيما عامي 2003 و2004 عندما نفَّذت "القاعدة" نحو عشر عمليات ارهابية.
كذلك، لا بد من العمل لمحاربة أي تغلغُل لهذه العناصر في المجتمع اللبناني الذي يعيش أصلاً أزمات سياسية خانقة، إضافة الى واقع أمني هَشّ. لكنّ ذلك لن يعني مهادنة النظام السوري أو "حزب الله" في لبنان، لا بل طالبَ الجانب السعودي بمَنح المجموعات الاسلامية التي تدين بالولاء للسعودية، والتي عملت الرياض على توحيد فصائلها المتمركزة في ريف دمشق، بمساعدات لوجستية تسمح لها من جهة بالاستمرار في معركتها ضد النظام والضغط على دمشق، ومن جهة ثانية مساعدتها على عدم السقوط في إغراء الانتماء الى "القاعدة" بسبب الشعور بمرارة الهزيمة.
وأبدى الامير السعودي تمسّكه بإبقاء السقف السياسي لبلاده عالياً ضد ايران، لكي لا ينعكس ذلك مزيداً من الاحباط على مستوى الشارع السنّي عموماً والسعودي خصوصاً. ويؤدي، بالتالي، الى حصول خضات أمنية كبيرة لأنّ الشارع السعودي يحتاج الى انتصار.
وبالفعل، وبعد عودة الوفد الى بلاده، نُسّق الواقع الميداني في منطقة الغوطة في ريف دمشق، ونُفّذ هجوم حصل خلاله تشويش لاسلكي على الجيش السوري.
ويُروى أنّ هذا الهجوم الذي كان منسقاً ومركزاً وحَظيَ بمساعدة "تقنية" من الغرب، أوقعَ 17 عنصراً من "حزب الله" دفعة واحدة، لكنه فشل في إحداث خرق حقيقي أو انتزاع الغوطة من سيطرة الجيش السوري. وأدّى فشل الهجوم الى تصاعد الاصوات الداعية الى تسوية سياسية بديلاً وحيداً للمواجهات الدامية.
أمّا بالنسبة الى لبنان، فإنّ استمرار التناحر الايراني – السعودي سيُبقيه في دائرة الازمات السياسية والاهتزازات الامنية، ولا سبيل للخروج من عنق الزجاجة الّا عبر إنجاز تفاهم ما إيراني – سعودي، وهي النقطة التي يؤمن بها برّي وكثيرون غيره.

أمّا الحديث عن الاستعداد لإعلان حكومة قبل نهاية شباط المقبل، فإنه يبقى في إطار الافكار غير الواقعية، اذ إنّ تأليف حكومة أمر واقع في حال استمرار الطلاق الايراني – السعودي سيعني تفجير البلد أكثر، وهذا ما لا تريده واشنطن، أمّا في حال فتحت قنوات التواصل بين طهران والرياض، فإنّ التفاهم سيطاوِل كل الاستحقاقات دفعة واحدة وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، ما يعني أنّ ولادة حكومة جديدة تصبح بلا قيمة سياسية.

الالكترونية اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى