الأحزاب النائمة في سورية (3): تشظي حزب البعث !

هناك مرحلة من أدق المراحل التي مرت في حياة المنطقة العربية لم ينتبه إليه الدارسون كثيرا هي تلك المرحلة البينية التي تمتد من تراجع الهيمنة العثمانية واستقلال الدولة السورية الأول إلى تقدم الهيمنة الفرنسية، وقد نما فيها الفكر سريعا وتحركت فيها القوى التي تبنت هذه الأفكار عمليا وبثقة ، فأنجزت ثورات متتالية ضد فرنسا وسجلت في التاريخ معركة ميسلون ويوسف العظمة. كما أنجزت فكرا قوميا كانت بذوره قد بدأت تنتش منذ الحكم العثماني وسياسة التتريك، وفيما بعد جاءت مرحلة الاستقلال الوطني كتتويج لكل ذلك.

بدءا من عام 1943 كان السوريون على موعد مع حركة دؤوبة لمخاض سياسي قومي فكري((ساطع الحصري وزكي الأرسوزي وآخرون)) أنتج في عام 1947 حزب البعث العربي وكان مؤسسوه ((من بينهم ميشيل عفلق وصلاح البيطار)) جادون في أفكارهم فتوحدوا مع الحزب العربي الاشتراكي ((أكرم الحوراني)) فظهر حزب البعث العربي الاشتراكي مستفيدا من المد الجماهيري الذي رافق تلك المرحلة ..

خاض هذا الحزب الجديد الانتخابات البرلمانية فنافس الاخوان المسلمين وحصل على عدد من المقاعد وسعى إلى وحدة مع مصر أنتجت الجمهورية العربية المتحدة في 22 شباط 1958 قام فيها الرئيس جمال عبد الناصر بحل الأحزاب، وكان من الطبيعي أن يجري حل حزب البعث نفسه !

تركت دولة الوحدة آثارا كبرى على السوريين والمصريين أهم تلك الآثار تلك التي أرخت بظلالها على القوى السياسية السورية، ومنها : قمع الشيوعيين والإخوان المسلمين وظهور تنافس شبه دموي بين القوميين أنفسهم (( البعثييون والناصريون)) ذلك التنافس الذي ولد خيوطا سياسية صارت أحزابا فيما بعد !عندما وقع الانفصال بين مصر وسورية قام أحد قادة البعث وهو أكرم الحوراني وكان أثناء الوحدة نائبا للرئيس عبد الناصر بالتوقيع على وثيقة الانفصال ، فقرروا فصله واختلفوا مع رفاق لهم وشكلوا حركة الوحدويين الاشتراكيين وكان فيها فايز إسماعيل أديب النحوي وسامي صوفان وغيرهم.

وقد اختطت هذه الحركة طريقا خاصا بها استمر إلى مابعد قيام الرئيس حافظ الأسد بحركته، فأيدته وانضوت تحت لواء تحالف جبهوي بقيادة حزب البعث: ومن قيادييها اليوم فايز اسماعيل وابنه أحمد والكاتب خالد العبود المعروف بمواقفه المتعلقة بالأزمة الأخيرة في سورية .

تعرضت حركة الوحدويين الاشتراكيين إلى هزات كثيرة وتضاءل حجمها وانحسرت سمعتها القديمة وغدت مجرد مجموعة سياسية في الجبهة الوطنية الحاكمة، لكن مجموعة مهمة خرجت منها تمكنت من تشكيل حركة مستقلة ظلت في الجبهة نفسها تحن اسم الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي الذي تزعمه في بداياته أحمد الأسعد .

اثر وقوع الانفصال وخروج أكرم الحوراني من حزب البعث شكلت مجموعة من مؤيديه حركة جديدة اسمها حركة الاشتراكيين العرب ، وقد اختلفت على آليات التحالف مع حركة التصحيح عام 1970 فانقسمت إلى قسمين : الأول بقيادة عبد الغني قنوت وظل مع الجبهة والآخر بقيادة عبد الغني عياش وانتقل إلى المعارضة وغاب الحوراني بعيدا عن البلاد إلى وفاته.

في عام 1963 قام تحالف مؤلف من الناصريين الذين كان يقودهم جاسم علوان ونهاد القاسم ومن حزب البعث الذي أعاد تجميع أجنحته بعد الانفصال، قام هذا التحالف بالاستيلاء على الحكم من خلال ثورة عرفت بثورة الثامن من آذار، مالبث حزب البعث أن حسم الأمر لصالحه بعد معركة دموية في ساحة الأمويين عرفت بحركة 18 تموز 1963 وانفرد حزب البعث بالسلطة وظلت الاجنحة الموجودة فيه تتصارع، فخرجت جماعة القيادة القومية وفيها صلاح البيطار وميشيل عفلق ، ثم انتزع الجناح اليساري القيادة من بقية الأجنحة في 23 شباط 1966 وكان يتزعمها شخصيتان رئيسيتان هما : حافظ الأسد وصلاح جديد بعد أن قضى على الجناح اليميني الذي كان من بينه الفريق الركن محمد أمين الحافظ ..

ومع قيام حركة 23 شباط 1966 أخذت البلاد منحا آخر على صعيد الصراع بين الأحزاب والقوى السياسية لم يحسم إلا في عام 1970 لصالح الرئيس حافظ الأسد .

(( يتبع ))

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى