الأوروبيون و«التحالف الدولي» ضد «داعش»: «تحجيم» التكفيريين.. ولا إنقاذ للنظام السوري

يكرس ألدّ خصوم النظام السوري نهجهم بأنّ بروز الخطر «الداعشي» لم ينحّ أولوية تغييره. يصرون على أنه لن يكون جزءًا من التحالف الدولي ضد التنظيم الإرهابي، ولن تعني محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ «داعش» التسليم ببقائه.

تلك الخلاصة أظهرتها بوضوح قمة زعماء الاتحاد الأوروبي، التي انعقدت في بروكسل أمس الأول. وقبل أن يجلسوا حول طاولة العشاء، لم يكن نص قرارات القمة يتضمن أي شيء مما سبق.

واطلعت «السفير» على مسودة البيان الختامي، وكان الحديث عن تهديد «داعش» في سياقه المعتاد. لم يتوقع كثيرون تغيّر تلك الصيغة، خصوصا لأن القمة كانت غارقة في مباحثات تعيين المناصب العليا في الاتحاد، وأيضا الحرب الأوكرانية الدائرة على حدود التكتل.

رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون كان مصمما على عدم ترك الكلام في العموم، وتحديدا بخصوص كل الأسئلة التي باتت تطرح عن موقع دمشق اليوم. فرنسا بدورها تنطلق من مقاربة متطابقة، رغم أن رئيسها فرنسوا هولاند كان ساهيا تماما حين وصوله، لدرجة قوله إن أزمة العراق «ليست على جدول أعمالنا».

سعي كاميرون، بدعم فرنسا، أثمر خروج القمة بقرار موحد يعتبر أن «عدم الاستقرار في سوريا، الناجم عن الحرب الوحشية لنظام (الرئيس بشار) الأسد ضد شعبه، سمح لداعش بالازدهار»، ما يعني أن «الحل الدائم يتطلب بشكل عاجل انتقالا سياسيا في سوريا».

وأرادت الدولتان، بالتطابق مع توجه واشنطن، من هذا الموقف التشديد على أن النظام السوري يمثل جزءا عضويا من خطر «داعش». وعلى هذا الأساس، تريد قاطرة التحرك الغربي تبيان أن هدف تغيير القيادة السورية لم تبدله التهيئة لتحالف دولي ـ إقليمي لحرب ضد «الدولة الإسلامية».

ويعود الأوروبيون في المقابل للتأكيد على دور الدول الإقليمية في التحالف. وذكر بيان القمة أن «الاتحاد الأوروبي يشدد على أهمية تحرك منسق لدول من المنطقة من أجل مواجهة هذه التهديدات» التي يمثلها «داعش».

وسألت «السفير» ديبلوماسيا أوروبيا، منخرطا في الملف، عن الهدف من تكرار هذا المطلب، فاعتبر أن تحرك دول المنطقة ليس كما ينبغي، لأن «عليهم أن يقفوا ويعلنوا بوضوح مواقفهم ووجهة تحركهم». ولم يخف أن الانخراط في التحرك العسكري، الذي تتصدره واشنطن، هو أحد أبعاد الدور المطلوب من هذه الدول «إضافة إلى تنسيق النهج السياسي والديبلوماسي».

المواقف الأوروبية كأنها تقول إن ما قبل «دولة داعش» ليس كما بعدها. كل الإشارات تحوم حول أن المنطقة باتت الهدف الأول للحرب على «الإرهاب». وفي هذا السياق، من الجيد الاستماع إلى تقييم من عايش تطورات «الربيع العربي» منذ انطلاقه. رئيس الوزراء الفنلندي ألكسندر ستاب كان حينها وزيرا للخارجية. وقال، ردا على سؤال لـ«السفير» عن رأيه بما أصبحت عليه الحال الآن، «أعتقد أن الوضع في العراق في غاية الخطورة. تنظيم داعش في الأساس أسوأ من طالبان والقاعدة، ونحن بحاجة لأخذ هذا الوضع على محمل الجد».

ويضع الأوروبيون أنفسهم في صميم مواجهة هذا الواقع الجديد، مؤكدين تبعاته المباشرة عليهم. واعتبر بيان القمة الأوروبية أن «إنشاء خلافة إسلامية في العراق وسوريا، وما يصدره من تطرف، يمثل تهديدا مباشرا للأمن الأوروبي». ولذلك رحب التكتل بالتحرك العسكري «لواشنطن وشركائها»، وبالمبادرة الفرنسية لإقامة «مؤتمر دولي حول الأمن في العراق».

وبرغم التأكيد على جسامة التهديد، لكن الغاية المعلنة تقتصر على «تحجيم» تمدد هذا التنظيم، وليس الخلاص منه. لكن تحجيم «دولة داعش» لا يحل المشكلة، كما قال وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير قبل أيام: «سنقدم العون للقوات الكردية، لكن نحن بحاجة إلى حوار استراتيجي مع شركائنا الأوروبيين والغربيين لإيجاد حل دائم لهذا التهديد».

ومن ضمن طروحات الواقع الجديد وعي الأوروبيين بأن إقليم كردستان، خصوصا مع تقوية قدراته العسكرية، لن يتراجع عن مسعى الانفصال. ويقول سياسي أوروبي، منخرط في هذه النقاشات لـ «السفير»، إنه «ربما بات السؤال الآن ليس هل سيحدث ذلك بل بأي سرعة سيحدث؟».

وتبقى قضية «الجهاديين» الغربيين إحدى التبعات المباشرة لحرائق المنطقة على أوروبا. هذه القضية كانت أولوية كاميرون من القمة. بريطانيا أعلنت لتوها رفع مستوى التهديد الإرهابي إلى «خطير»، ما يعني أن اعتداءات إرهابية باتت مرجحة. هذه الهواجس انعكست في بيان الاتحاد الأوروبي، فدعا مسؤولي مكافحة الإرهاب في بروكسل إلى مراجعة فعالة لإستراتيجيتهم وتقديم مقترحات جديدة لتطويق خطر «الجهاديين».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى