الإخوان المسلمون والملك المضاع (حسين العودات)

 

حسين العودات

ليس من المستغرب أن لا تصل حركة الإخوان المسلمين المصرية للسلطة إلا بعد ثمانين عاماً من تأسيسها، ذلك أنها نشطت وتطورت وكبرت على أنها حركة دعوية دينية، وليست حزباً سياسياً، فهي حركة تدعو للدين ولمكارم الأخلاق وتقوم بأعمال إنسانية. وقد أغرى ذلك قيادات الحركة فنصبّت نفسها طوال تاريخها على أنها ممثلة للإسلام ووكيلته ومرجعيته الوحيدة، وأعطى منتسبوها لأنفسهم الحق بالتحليل والتحريم والتدخل في شؤون البلاد والعباد، ومع الزمن ومضي الوقت، أخذ البعض يعتبرهم أوصياء على الدين.
ويبدو أن الإخوان المسلمين المصريين ارتاحوا لما حققوه، ولذلك لم يشكلوا حزباً سياسياً إلا في السنوات الأخيرة، لأن الحزب يتطلب إقرار أهداف وبرامج محددة، ولم يقروا استراتيجية سياسية ـ اجتماعية، لتطبيقها إذا ما تولوا السلطة وشاركوا في الحياة العامة، اعتماداً على أنهم دعاة إسلاميون، متدينون، يقدمون مساعدات إنسانية واجتماعية، واعتبروا أن هذا يكفيهم.
إن ما جرى في مصر خلال السنة الماضية، يؤكد أن مفهوم الدولة والسلطة مفهومان غامضان لدى الإخوان المسلمين، فلا تعرف حركتهم نوع العلاقة بين الحزب والدولة، لا علميا ولا منهجياً، أو بين الحاكم والمحكوم، وكانوا يعتقدون أن الحكم "أتاهم"، حسب تصريح الدكتور عصام العريان، هبة من الله، وما دام الله هو الذي وهب فلا لزوم لأخذ الناس بعين الاعتبار، ما دامت نيات الحركة الحسنة، هي في خدمة الإسلام والمسلمين.
طرح الإخوان المسلمون شعار "الإسلام هو الحل"، هكذا بعمومية الشعار دون شرح أو تفصيل، مستغلين قدسية الإسلام لدى الجماهير، دون أن يقولوا ما هو الإسلام الذي يقصدونه، هل هو صحيح الإسلام الذي لا يتدخل في السياسة؟ أم إسلام الأفغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق والكواكبي وإسلام الفقهاء المتنورين؟ أم إسلام المرحوم سيد قطب الذي كفر المجتمع بكامله؟ ثم تجاهلوا قول رسول الله "أنتم أعرف بشؤون دنياكم".
ومن المعلوم أن الدين حدد الحلال والحرام والمنهي عنه، وأعطى الحرية والحق للمؤمن بأن يتصرف في ضوء ذلك، ولم يلزم الناس بشيء آخر، فالأصل هو الإباحة. ولهذا لم يذكر رواة سيرة الرسول الكريم الذين رصدوها بأدق تفاصيلها، أنه سأل أحداً مرة إن كان صائماً أم لا، أو هل يصلي أو لا يصلي، أو إن كان يذهب للمسجد من عدمه، أو عن أي شيء له علاقة بفرائض الدين، لأن الإيمان قضية شخصية، لم يشأ الرسول (ص) أن يتدخل فيها.
خسرت حركة الإخوان المسلمين المصرية في عام واحد ما كسبته خلال ثمانين عاماً ماضية، بسبب أخطائها الكارثية التي ارتكبتها، فأكدت بذلك أنها خارج الزمان والمكان، تعيش أوهاماً وتعتمد على أوهام، فضلاً عن أنها لا تملك تصوراً عن الدولة والسلطة والحكومة والتحالفات.
وقد كشفهم (أي الإخوان) سلوكهم الملتوي مع شركائهم بعد تولي السلطة، حيث مارسوا التقية والخداع والنيات المسبقة بالإخلال بالتعهدات، والمخاتلة، إضافة للجهل السياسي والإداري بشؤون الدولة والمجتمع، والإقصاء والاستئثار بالسلطة. كما أثبتوا أنهم لا يعرفون الكثير عن ظروف عصرنا واحتياجات مجتمعاتنا، وكأن هذه المجتمعات ما زالت تعيش في عهد مضى، وربما في القرن الهجري الأول، ترعى الغنم وتركب الناقة وتشرب حليبها.
إن كل حزب أو تيار سياسي في عصرنا يحاول أن يعتمد على جماهير الشعب، ويستقوي بها، ويعمل لتحقيق أهدافها، وتطوير حياتها وتحسين سبل عيشها، إلا الإخوان المسلمون الذين يعتقدون أن لا حاجة للجماهير، فالسلطة هبة من الله.
وينبني على مثل هذا الاعتقاد أمران: أولهما أن لا أهمية للشعب وللانتخابات وللديمقراطية وللتحالفات، والثاني هو أن الدولة والحكم شأن ديني صرف، واستطراداً شأن فقهي.. مع أن الإسلام السياسي عامة لم يثبت للمؤمنين بالأدلة الشرعية، أن الدولة وشؤونها وشجونها هي أمر ديني.
لم تكن واضحة البتة في أذهان قادة الحركة ولا في أدبياتهم، علاقة الدولة المصرية بالإخوان المسلمين، ولذلك ألحقوا الدولة بمكتب الإرشاد، فصارت القرارات التي توجه الدولة وإداراتها تتخذ في مقر الجماعة وفي مؤسساتها.
وهذا ما زاد "الشغف" بالسلطة لدى أعضاء الجماعة، وحرضهم على إقصاء الفئات والفصائل والأحزاب المصرية التي ساهمت في الحملة الانتخابية التي لولاها لما نجح الرئيس مرسي ولما وصل الإخوان للحكم، وترافق هذا مع تخليهم عن جميع وعودهم و"عهودهم" القاضية بالتعاون والتشاور مع هذه الفئات، والتشارك معها في الحكم.
وتنفيذاً لهذا "الشغف" بالحكم، وحب السلطة والاستئثار بها، واستسهال إقصاء الآخر، تم تشكيل مجلس الشورى المصري على هواهم، وعزل النائب العام، ومدوا أيديهم للقضاء والإعلام ومؤسسات الدولة، وعملوا "بجنون" لأخونة الدولة المصرية، وبدأوا يتحدثون عن الخلافة وكأنها أمر إسلامي وهي ليست كذلك، وعن الحاكمية أيضاً، واستباحوا الدولة ومؤسساتها، من الإدارات والمؤسسات إلى المحافظين إلى الوزراء إلى غيرهم، واعتقدوا أن طرحهم الديني يكفي لإسكات الناس وإهمال مطالبها، في الوقت الذي مارسوا فيه سياسة خارجية غامضة هشة ومترددة وغير واضحة، خاصة تجاه إيران وسوريا، وتجاه دور مصر العربي والإفريقي التاريخي والتوجه لاسترداد هذا الدور.
أدت أخطاء الإخوان المسلمين الكارثية إلى تفاقم مشاكل الشعب المصري، وتضخم الجنيه وارتفاع الأسعار، وفقدان المواد من السوق، وزادت مصاعب المصريين وعذاباتهم، ومع ذلك بقي الإخوان يعتقدون أنه يكفيهم أنهم يتحدثون بالإسلام ويعملون له حسب زعمهم.. وها هم الآن يبكون ملكاً مضاعاً لم يحافظوا عليه…

صحيفة البيان الأماراتية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى