التعليم تحت حكم «الإخوان»: العودة إلى حسن البنا! (محمد شعير)

 

محمد شعير

في موقع «إخوان اونلاين» ثمة خريطة للاستجوابات التي قدمها أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» في برلمانات عصر حسني مبارك. حظيت الثقافة والتعليم بالجانب الأكبر من هذه الاستجوابات، حتى أن مصدر فخر الجماعة بمحمد مرسي، الذي أصبح بعد سنوات رئيسا للجمهورية، يأتي من استجواباته التي احدثت ضجة لدى الرأي العام وأهمها: «الاعتراض على غلاف إحدى المجلات الفنية»، «الاعتراض على أغاني فيديو كليب»، «الاعتراض على إذاعة أغنيات نانسي عجرم»، وأخيراً «الاعتراض على مسابقات ملكات الجمال».
وفي كل استجواباته للحكومات المصرية السابقة، كان مرسي يتحدث عن الأخلاق العامة وقيم المجتمع. وامتدت طلبات الإحاطة التي قدمها مرسي وكتلته في البرلمان لتشمل قضايا التعليم، وكان اهمها استجواب وزير التعليم على خلفية «مناهج التعليم التي لا تهدف إلى تأصيل القيم الدينية، وكثرة حالات الخروج على تعاليم الدين والقانون، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة بناء شخصية الإنسان المصري من جديد على أساس الدين وتعميق العقيدة والشريعة في نفوس أبناء جيل الغد»، بحسب ما جاء فى نص الاستجواب.
وربما يفسر هذا ما يحدث حالياً في وزارتي تشكيل العقل المصري، أي الثقافة والتعليم، ومحاولات «الإخوان» السيطرة عليهما، إذ تمّ خلال أسبوع واحد إلغاء مواد الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع من مناهج الثانوية العامة، وقد تقرر اعتبارها مواد اختيارية للطلاب. كما تقرر إلغاء مادة اللغة الفرنسية واعتبارها «مادة نشاط»، مثلها مثل مواد الزراعة والتدبير المنزلي. كذلك، تم إلغاء مواد الفنون (الموسيقى والرسم) من مناهج التعليم.
أما الحجج المعلنة في وزارة التعليم فهي أن إلغاء هذه المواد سيوفر ملايين الجنيهات التي تذهب لطباعة الكتب الخاصة بها، فضلاً عن تخفيف الثقل عن كاهل الطالب!
وأحدثت هذه القرارات ـ التي اتخذت في سرّية تامة ولم تناقش أمام الرأي العام ـ صدمة لدى الكثيرين، وقد دفعت مدرّسي اللغة الفرنسية إلى التظاهر، أمس الأول، أمام وزارة التعليم، خصوصاً أن قرار الغاء هذه المادة سيؤدي إلى تشريد أكثر من 17 مدرّسا.
واعتبر استاذ الفلسفة الدكتور حسن حنفي قرار إلغاء تدريس هذه المادة «عدوانا على الفلسفة»، مذكراً بأن «هذه ليست المرّة الأولى التي يحدث فيها ذلك».
يذكر أنه في أوائل الستينيات حاول وزير التعليم اتخاذ قرار مماثل، لكن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر منع ذلك.
ورأى حنفي أن قرار وزير التعليم «يعبّر عن طبيعة النظام السياسي ورؤيته لخطورة الفلسفة ـ أي الفكر الحر ـ على الدين واستقرار النظام»، معتبراً أن «قرار الوزير ليس قرار هيئة علمية، بل هو قرار له هدف بعيد، وهو نشأة الطلاب في جو من الطاعة والاستسلام باسم الدين واستبعاد الفلسفة باعتبارها مضادة للدين مع التأكيد على أهمية الرياضة البدنية، فيخرج الطلاب مجندين في ميليشيا شبه عسكرية تأتمر بأمر المدرسين والنظار والوزراء والنظام السياسي».
المدهش بالفعل أن نظام «الإخوان» لا يستعيد استجوابات مرسي ونواب الجماعة عن «الأخلاق العامة»، بل يعود إلى أيام المؤسس حسن البنا الذي وضع مخططا لما ينبغي أن يكون عليه التعليم، وارسله إلى وزير المعارف طه حسين فى ثلاثينيات القرن الماضي.
وفي الرسالة التي نشرها المفكر الراحل جمال البنا في كتابه «وثائق جماعة الإخوان غير المنشورة»، قدم حسن البنا ملاحظات عدّة لما ينبغي أن يكون عليه نظام التعليم، ابرزها: «عدم تقليد الغرب في سلخ مناهج التعليم عن الفكرة الدينية والعدول بها إلى العلمانية البحتة بالتدريج»، و«التعديل التام في مناهج التعليم بما يجعلها غذاء صالحاً للعقول والأرواح في كل المعاهد ويبعد بها عن الحشو واللغو ويربط سلسلة التعليم بعضها ببعض. واقترح البنا في رسالته حذف اللغات الأجنبية فى مرحلة التعليم الابتدائي على أن يبدأ تدريس هذه اللغات في الثانوية العامة، على أن تكون «لغتين أجنبيتين، لغة شرقية ولغة غربية، بدلا من لغتين غربيتين، وذلك هو المتفق مع نهضتنا وآمالنا ومطامحنا وصلتنا بالشرق».
ويقترح البنا تخصيص مناهج تعليمية للبنات تختلف عن مناهج البنين: «لا بد من التفريق بين مناهج التعليم وأماكنه بين البنين والبنات في غير الدور التحضيري، فليس تكوين البنت كتكوين الغلام، وليست مهمتها كمهمته، ولا بأس ان تتعلم ما تشاء وترقى في درجات التعليم إلى ما شاءت، ولكن في حدود ما يناسب تكوينها ومهمتها، وفي بعد تام عن الفتيان بعد سن التعليم الأولى».
خطة البنا ربما هي التي تعكف جماعة «الإخوان» على تطبيقها شيئا فشيئاً، وربما إذا مددنا الخط إلى نهايته، يأتي إلغاء اللغة الفرنسية لتحل محها اللغة التركية قريباً باعتبارها لغة الخلافة الإسلامية. (المشروع السياسي لـ«الإخوان»)
ويبدو ان مخطط «أخونة» التعليم يسير خطوة خطوة، وقد بدأ بتعديل بعض المناهج، مثل حذف صور لرئدات العمل النسائي، ومحاولة تغيير مناهج التاريخ، وحذف أي إشارة للجماعة فى قتل رئيس الوزراء المصري النقراشي باشا، ومحاولة وضع تاريخ حسن البنا.
كذلك، يأتي قرار إلغاء مواد الفنون من المناهج في إطار هذه الخطة. وبرغم نفي وزير التعليم ذلك، فإن ميزانية الوزارة خلت تماما من إمداد المدارس بالآلات الموسيقية والفنية كما كان يحدث كل عام، بينما لم يتم حذف الميزانية المخصصة للتربية الرياضية، علماً بان مناهج الموسيقى دخلت المدارس المصرية في ثلاثينات القرن الماضى على يد الدكتور محمود الحفني، والد أستاذة الموسيقى الدكتورة رتيبة الحفني، والذي تم تكليفه من قبل وزارة المعارف بوضع مقررات الموسيقى فى المدارس المصرية حتى تصبح الموسيقى من المواد الأساسية فى تكوين الطالب. وحين تم إنشاء وظيفة «مفتش الموسيقى» في الوزارة كان الدكتور الحفني أول من شغلها.
ويرى الفنان التشكيلي مصطفى الرزاز، وهو عميد سابق لكلية التربية النوعية، أنه كان هناك تهميش لمادة التربية الفنية كمادة أساسية في بنية منظومة التعليم المصري، وقد بدأ ذلك بوقف طبع كتب هذه المادة، وتقليص ساعات الدراسة فيها، فضلاً عن إلغاء بعضها، والاتجاه لتحويلها إلى مادة هامشية.
الآن تم إلغاء هذه المادة بشكل تام، في خطوة يراها الرزاز «أمراً خطيراً لأنها تؤثر جديا في طبيعة التكوين للمواطن في المستقبل، حيث ستتقلص أمامه فرص التعبير عن النفس وتحصيل المعارف عن طريق الفن… فيتحول إلى شخص مبتسر التكوين، يلجأ إلى سبل همجية بديلة للتعبير عن النفس،، ومن بينها ما تعانيه المنطقة وما نحاول جميعا أن نعصمه من الوقوع فيه… كما ستتفاقم ظاهرة الاستهانة والبلطجة والارهاب، وستؤدي إلى تبلد الإحساس في غياب التعرض لمصنفات الفن والجمال إبداعا وتذوقا».
ويحذر الرزاز من أن «هذا القرار سيجعل الطفل المصري مغترباً في بلاده عندما يشعر بأن مصر علمت العالم الكثير في ما يتعلق بالفن والذوق الفني وأثرت حضارة العالم، بينما لا يعرف هو شيئا عن ذلك».
ولم يقتصر العبث «الإخواني» على المناهج، إذ طال المدارس، إذ أعلن وزير الأوقاف عن توقيع بروتوكول مع وزارة التعليم لانشاء مدارس خاصة بالأوقاف.
مدارس الأوقاف الجديدة، بحسب تصريحات وزير الأوقاف طلعت رضوان المنتمي إلى «الإخوان»، من شأنها ان «تقدم خدمة مزدوجة، حيث تقدم مواد إسلامية بالإضافة إلى المواد التعليمية العادية»، مشيراً إلى أن «هيئة الأوقاف ستكون قاطرة التنمية في مجالات أخرى».
بذلك، سيتوزع التعليم المصري بين تعليم رسمي، وتعليم أزهري، وتعليم خاص بالأوقاف، فضلاً عن المدارس الخاصة والأجنبية.

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى