تحليلات سياسية

الثورات العربية حتمية تاريخية

 د. إياد العرفي

الثورات العربية حتمية تاريخية الثورة في حياة المجتمعات هي فعل من أفعال الإنسان في اتجاه التغيير، باعتباره أساس حركة الوجود، والحراك الثوري يأتي دائما في سياق جدلية الصراع التاريخي الدائم بين قوى  الخير والعدل في المجتمع وبين قوى الشر والظلم.
الثورة إذا هي حراك طبيعي إنساني تاريخي ينطلق متى توفرت شروط حدوثه، ساعيا إلى إحداث بناء جديد بعد تحطيم البناء القديم، الثورة هي حراك ينشد تغيير واقع راهن مظلم إلى واقع جديد مختلف يحمل آمال وتطلعات الشعوب، وهي عبارة عن صراع بين إرادتين متعارضتين في المبدأ والمنهج والغاية: إرادة جاثمة على أرض الواقع بيدها زمام الأمور همها حفظ الواقع القائم من الزوال، وإرادة مقابلة مطلبها إزالة الواقع القائم المظلم وتغييره نحو الأفضل، مستغلة جميع الإمكانات المتاحة لتحقيق ما يتطلع إليه الشعب. الثورة هي انتفاضة إنسان بعد سكون، واستنهاض إرادة بعد خمول، وحراك جماعة بشرية بلغت من النضج في الوعي ما يؤهلها لتغيير واقع ظالم.
كل الثورات وحركات التغيير التي عرفها الإنسان عبر تاريخه الطويل انطلقت من نفس إنسانية ترفض واقع جائر وتتمرد عليه. الثورة هي ثورة عقل وفكر  وشعور إنساني، تبدأ بشعور فردي ثم تتحول إلى ثورة شعب، أو ثورة أمة.
إن الثورات عبر التاريخ تعكس إرادة الإنسان في الحياة، ولأن حياة الإنسان ليست في مستوى المخلوقات الأخرى التي تعيش معه، فإرادة الحياة عند الإنسان مقرونة بدوره وبرسالته الإنسانية، لذا فإن الثورات تنشد الأفضل وتطلب الأرقى، وتسمو وتترفع عن كل ما هو دنيء في مبادئها وقيمها ومطالبها، مع أنها تواجه مصاعب وتحديات جمة وأعداء شرسين، لتعكس هذه المواجهة الصراع  التاريخي الأبدي بين الخير والشر في الإنسان.
إن سنن الكون والحياة كثيرة، لولاها لاختل نظام الكون ولفسدت الحياة، والثورة فعل إنساني من سنن الكون ومن حتميات التاريخ، يقوم به الإنسان لضمان تحقيق نظام عادل، ورد الأمور إلى نصابها في نفس الفرد ووجوده وفي كيان المجتمع وفي الإنسانية جمعاء.
إن بلادنا العربية ليست حالة خاصة في هذا العالم، كما كان يحاول الكثيرون إقناع شعوبها، بل هي في فترات عديدة من تاريخها كانت مدرسة تعلمت منها شعوب كثيرة معنى الثورة.
هذه البلاد أضحت خلال العقود الماضية أرضا خصبة للثورة، توفرت فيها البيئة المناسبة، وكل المقومات المطلوبة التي أدت إلى ثورة الشعب على أنظمة استعبدته لسنوات طويلة … أفقدته حريته الشخصية والعامة …. قمعته …. جوعته، وحولته إلى جسد بدون روح وبلا عقل.
يقول فيكتور هيجو “عندما تصبح الديكتاتورية أمرا واقعا فإن الثورة تصبح حقا”، وقد وجد الشعب العربي حقه في الثورة بعد أن أصبحت الديكتاتورية، ليس أمرا واقعا فحسب بل مسلمة من مسلمات حياته.
لقد استفاق الشعب العربي مؤخرا من غيبوبة طويلة ليجد نفسه عبدا مهمته في الحياة خدمة سادته وتنفيذ أوامرهم، وإن كانت جائرة. استفاق ليجد أن حقوقه التي منحته إياها كافة الشرائع، السماوية والدنيوية، محرمة عليه، فكان أن خرج المارد من قمقمه، وقرر أن يفعل ما فعلته جميع الشعوب التي تعرضت للظلم والقهر على مر التاريخ. أدرك الشعب العربي أن الثورة هي حتمية تاريخية في ظل الأوضاع المزرية التي أوصلته إليها أنظمة جائرة.
كلمة أخيرة نقولها للشعب العربي الذي بدأ ثورته : الثورة ليست نزهة، وهي ليست عصا موسى السحرية التي تستطيع قلب الأوضاع وتحقيق الآمال بين ليلة وضحاها. الثورة ملحمة متكاملة تتطلب عملا شاقا وجادا وصادقا، كما تتطلب تضحيات كبيرة في سبيل وصولها إلى النهاية المنشودة.
عندما سئل هنري كيسنجر مؤخرا عن الثورات العربية قال: “لقد انتهى المشهد الأول من الفصل الأول في مسرحية مؤلفة من خمسة فصول”.
إن الوصول إلى نهاية “الفصل الخامس” والأخير يتطلب عملا دؤوبا ووعيا كبيرا كي تكون النهاية سعيدة ويصل الشعب العربي أخيرا إلى ما تمناه وحلم به طويلا : حياة حرة كريمة خالية من الظلم والقمع والجوع والقهر.

 

العربية 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى