الجولاني يُسدّد الفاتورة لأنقرة: انقلابٌ على «القاعدة»

مرّة أخرى يقرّر زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني الذهاب في المغامرة إلى حدّ بعيد.
عنوان «محاربة الفتنة» ما زال صالحاً للاستثمار في حسابات الزعيم «الجهادي»، غير أن بوصلته لم تُشر إلى محاربة مجموعات وتشكيلات مسلّحة مُنافسة هذه المرّة، بل إلى تنفيذ حملة اعتقالات داخليّة تبدو مقدّمة لـ«إعادة ترتيب البيت» على مقاس الرّجل المسكون بهاجس الانفراد بالسلطة.

ورغم أنّ الظروف قد أتاحت للجولاني حتى الآن أن يخرج من كل مغامراته السابقة منتصراً، أو بحدود دُنيا من الخسائر في أسوأ الأحوال، غير أنّ الخطوة الأخيرة قد تُفضي آخر الأمر إلى خواتيم مختلفة، ولا سيّما أنّها تبدو أقرب إلى «المقامرة» من حيث استهدافها شخصيّات ذات اعتبار «رمزي» لدى «الجهاديين» عموماً ولدى «المُهاجرين» خصوصاً. وكانت «هيئة تحرير الشّام» قد دشّنت حملة اعتقالات واسعة طاولت كلاً من الأردني سامي العريدي، وأبو جليبيب الأردني (إياد الطوباسي)، وأبو عبد الكريم الخراساني، وغيرهم. وأصدرت «تحرير الشّام» بياناً ساقت فيه جملة من الاتهامات بحق المُعتقلين، من بينها «السعي لتقويض هذا البنيان (في إشارة إلى الهيئة) وبث الفتن والأراجيف»، و«رفض الحوار والنقاش (…) والتعنت (…) وتخذيل الشباب»، ووصل الأمر إلى حدّ وصف المُعتقلين بـ«رؤوس الفتنة».

وخلُص البيان إلى أنّ المُعتقلين سيُقدّمون «إلى محكمة شرعيّة». وبدا لافتاً أن بيان «الهيئة» قد أتى على ذكر «مبادرة والصلح خير» التي دشّنها قبل فترة عدد من الشخصيّات «الجهاديّة» الاعتباريّة بهدف إعادة التوازن إلى البيت «القاعدي» المترنّح، وردّ الاعتبار إلى الجولاني بوصفه المُمثّل الحصري للتنظيم العالمي في «الشام». ورغم أن الجولاني كان في الواقع الطرف الذي عطّل «المبادرة» المذكورة، غير أنّ البيان اتّهم «رؤوس الفتنة» بتعطيلها.

وأكّدت مصادر «جهاديّة» لـ«الأخبار» أنّ «خطوة الجولاني جاءت استباقاً لإجراءات كان تنظيم (القاعدة) قد اعتزم القيام بها لوضع حدّ لتهوّر الجولاني، واستهتاره بأولي الأمر». وأكّد مصدر «قاعدي» مقيم في إدلب أنّ «الجولاني كان قد كذب على الشيخ الظواهري (أيمن، زعيم تنظيم القاعدة) وزعم أنّه متمسّك براية التنظيم، واستمهله لإعادة ترتيب الأوراق التي اضطرّ إلى خلطها رضوخاً لضغوطات تركيّة». ويدور كلام المصدر في فلك ما نشرته «الأخبار» نهاية الشهر الماضي عن استقبال الجولاني مبعوثاً من قبل الظواهري حمل رسائل غاضبة بسبب اتفاقات «النصرة» مع أنقرة .

وناور الجولاني في ردّه على الظواهري، وسعى إلى امتصاص غضبه، ما أفرز قيام مبادرة «والصلح خير» لترميم «البيت القاعدي» وتجديد ثقة الظواهري بـ«أميره على الشام».
لكن المفاجأة كانت أنّ الجولاني لم يُبدِ التجاوب المطلوب مع المبادرة، ما دفع رموز «القاعدة» المنغمسين في الملف السوري إلى العمل على إقناع الظواهري بإعطائهم الضوء الأخضر لإطلاق تشكيل «جهادي» جديد يُمثّل مصالح «القاعدة» ويُنهي اعتماد الجولاني و«النصرة». ويبدو أن الجولاني رأى في حملة الاعتقالات الأخيرة إجراءً استباقيّاً يسمح له بـ«قطع الطريق على مناوئيه القاعديين».

وعلمت «الأخبار» أنّ أسباباً أخرى قد لعبت دوراً في إطلاق الحملة ودفع المواجهة مع «القاعديين» إلى عتبات مرحلة جديدة، وهي أسباب ترتبط بالتزامات سبق أن أخذها الجولاني على نفسه مع أنقرة. وتقول معلومات «الأخبار» إنّ الضغوطات التركيّة قد وصلت ذروتها قبل عملية استهداف الطيران الروسي لاجتماع كان من المفترض أن يحضره الجولاني بساعات. وتشير المعلومات إلى أن «مصادر استخباريّة تركيّة كانت قد تواصلت مع الجولاني قبل اجتماع أبو الظهور بساعات، وطلبت إليه عدم حضور الاجتماع حفاظاً على حياته».

وإثر تنفيذ الطيران غارته الشهيرة عاودت المصادر الاستخباريّة التواصل مع الجولاني وأبلغته بوضوح أنّ «النتائج في المرة القادمة لن تكون مضمونة». في المعلومات أيضاً، أنّ «اتفاقاً قد أُبرم بعد أيام بين أنقرة والجولاني، ينصّ على التعاون التام بين الطّرفين، وعلى تصدي الجولاني لمهمة محاربة كل من يرفض الاتفاق من عناصر النصرة والقاعدة وسواهما من الجماعات».

ورغم أن تصعيد «النصرة» الأخير يبدو مستنداً إلى الدعم التركي (شأنه شأن معظم المعارك التي خاضتها «النصرة» ضد المجموعات المسلّحة الأخرى) غير أنّ فعالية هذا الدعم ليست مضمونة هذه المرّة، بالنظر إلى حالة الغليان التي تسود صفوف قطاع كبير من «الجهاديين» وتُنذر باحتمالات تصعيدٍ تدقّ إسفيناً نهائيّاً بين الجولاني و«القاعديين». وتداولت مصادر «جهادية» ومُعارضة أمس بيانات عدّة تعلن رفض إجراءات الجولاني، وذُيلت البيانات بأسماء شخوص وكيانات بعضها محسوبٌ على «النصرة».

ومع أنّ حملة الاعتقالات توحي في ظاهرها بأنّ الصراع المحتمل سيأخذُ حال اندلاعه شكل قتالٍ بين «الأنصار» و«المهاجرين»، غير أنّ مصادر «جهاديّة» أكّدت لـ«الأخبار» أنّ الجولاني يحظى في واقع الأمر بدعم شخصيّات من «المهاجرين»، وأنّ «القضيّة تبدو فصلاً من فصول صراعات النفوذ والقتال على السلطة». وعكست الكواليس «الجهاديّة» أمس حالة نقمة كبيرة على الجولاني وأُطلقت حملاتٌ ضدّه شارك فيها بشكل فاعل عدد من «القادة السابقين» الذين انشقّوا عن «النصرة» في خلال العامين الأخيرين من سوريين وغيرهم.

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى