الجيش الإسرائيلي يعزّز روحه القتالية… بكتب أطفال؟

لا تتوقف «سوسة» الفساد عن نخر جسد المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين. من فضيحة مفاعل ديمونا النووي، الذي لم يخفِ أسراراً عسكرية وأمنية فحسب، بل أخفى أيضاً رشاوى مالية وصفقات، مروراً باتهام وزير الداخلية المستقيل، سيلفان شالوم، بالتحرّش الجنسي، وصولاً إلى الفضيحة الجديدة المتمثلة بطلب قسم «الوعي اليهودي الحاخامي العسكري» مئات آلاف النسخ من كتب للأطفال ليوزّعها على الجيش، عوضاً عن تأمين كتب تتخصّص في «تعزيز الروح القتالية».

جمّدت هيئة شؤون الموظفين في الجيش الإسرائيلي طلب قسم «الوعي اليهودي الحاخامي العسكري» شراء 25 ألف نسخة من كتب، يفترض أنها تهدف إلى «تعزيز الروح القتالية في الحروب»، ليدرسها الجيش الإسرائيلي. يأتي ذلك في أعقاب كشف صحيفة «هآرتس» العبرية، المعروفة بميلها إلى «اليسار الإسرائيلي»، عن مضامين الكتب المطلوبة، التي تبيّن أن من ضمنها كتب أطفال وقصصاً دينية لا علاقة لها بالمطلوب.

وكان القسم قد طلب في وقت سابق، 25 ألف كتاب لـ«تعزيز روح القتال العسكري في الحروب»، وكان يفترض أن تكون مستندة إلى الرؤى والتصورات اليهودية، ليشتريها الجنود. إلا أنه تبين لاحقاً أن القسم طلب مئات النسخ من كتاب معّد للأطفال، «الترتيب الواضح»، وكتب أخرى مستمدة من حكايات الراف نحمان مبرسلوف، وكتاب «صناعة الأكاذيب» للصحافي بن درور. كذلك تبيّن أن الحاخامات ينوون توزيع هذه الكتب هدايا على الجنود.

وأثارت قائمة الكتب التي تحمل 49 عنواناً، وغالبيتها منشورة من قبل دار النشر «يدعوت سفاريم»، شكوكاً ومخاوف حول ملاءمتها للهدف المنشود (تعزيز روح القتال)، إذ ليس واضحاً كيف يمكن لشراء مئات النسخ من كتاب «الترتيب الواضح»، وهو كتاب للأطفال، أن يساهم في تعزيز الروح القتالية، وكيف يصنّف هذا الكتاب بأنه لـ«المحترفين»؟ فيما طُرِحَ سؤال مماثل يتعلق بكتاب الصحافي بن درور «صناعة الأكاذيب»، الذي يبحث فيه الصراع العربي الإسرائيلي، وينتقد «الادعاءات التي تنشرها الصحافة الإسرائيلية والغربية والمؤسسات الأكاديمية».

وفي أعقاب توجه صحيفة «هآرتس» إلى رئيس شؤون هيئة الموظفين في الجيش الإسرائيلي، الجنرال حوغي طوبولنسكي، بالسؤال عن علاقة كتب الأطفال بتعزيز الروح القتالية للجيش، تقرّر تأجيل شراء الكتب حتّى يجري البحث بالموضوع. وفيما رفض الجيش الإجابة على أسئلة «هآرتس» حول تكلفة الشراء، ومصدر التمويل، رفض أيضاً توضيح المعايير المطلوبة للموافقة على شراء 25 ألف نسخة من كتب «احترافية» لتعزيز روح القتال لدى الجيش.

ووفقاً لـ«هآرتس»، فإن «عدداً من الكتب في القائمة تبحث في المفاهيم الأساسية لليهودية، وتحلّل العلاقة بين اليهود في إسرائيل واليهود في الشتات، كما أن البعض الآخر من هذه الكتب مكرّس لقضايا الحرب على أساس وجهات نظر للحاخامات».

إلى جانب ذلك، طُلبت كتب «أوتوبيوغرافية»، ككتاب زئيف كروف وعنوانه «داخل قلبه». وكروف هو والد الضابط أهرون كروف، الذي أصيب في العدوان الأخير على قطاع غزة المحاصر، صيف 2014، وفي الكتاب يروي قصة إصابة نجله. إضافة إلى ذلك، هناك كتاب مقتبس عن قصة العقيد درور فينبرغ، الذي قتل في الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 2002.

وتتضمن القائمة أيضاً كتب مؤسسة على حكايات الراف نحمان مبرسلف، مثل كتاب «عندما تسمعون القصة مرة أخرى»، وهو للكاتب، تسافي آييل. يبحث الكتاب في صعوبات الحياة وتطوّر الشخصية، عن طريق أعمال نحمان، كذلك كتاب «العسل الحجري» الذي يدعو إلى تلقي دعوات الراف نحمان بصورة «واضحة ومتساوية لكل نفس».

ولم تكن مسؤوليات الحاخامية العسكرية في الجيش الإسرائيلي محدّدة على نحو واضح قط. وفي الآونة الأخيرة ازدادت الاحتجاجات ضد محاولات الحاخامات المتصاعدة الرامية إلى «إضفاء الطابع الديني التقديسي» على الجيش الإسرائيلي، إذ سعى «المتديِّنون القوميون» داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية منذ أعوام عدة إلى توسيع نفوذهم، وذلك نتيجة تزايد أعدادهم في الوحدات المقاتلة وكذلك في هيئة الأركان والضباط، وهو في نهاية المطاف انعكاس لتنامي قوَّتهم السياسية في إسرائيل.

ووفقاً للكاتب والصحافي الألماني، جوزيف كرواتورو، فإن مسؤولية الحاخامات في المقام الأوَّل، كانت رعاية الجنود المتدينين ومراقبة المحافظة على التعليمات والأحكام الدينية الأساسية، التي تنطبق على جميع أفراد الجيش، سواء كانوا متدينين أم علمانيين، وسواء كانت تتعلق بالمأكولات أو بالقيود المفروضة على العمل في يوم السبت وفي الأعياد اليهودية. غير أن هؤلاء قاموا بأدوار أخرى كالتثقيف ونشر الكتب الدينية اليهودية، كما وزّعوا ألبسة الصلاة الخاصة باليهود على الجيش خلال عدوان إسرائيل على قطاع غزة المحاصر صيف العام الماضي. كذلك، عمل الحاخام العسكري السابق، أفيشاي رونتسكي، على زيادة الاستقطاب، وذلك من خلال إرساله مساعديه، الذين بات عددهم الآن يزداد بسرعة، إلى الجبهة الأمامية، لزرع الروح القتالية ذات الصبغة الدينية لدى الجنود.

وتبين أن المهمة الأساسية التي أخذها الحاخامات على عاتقهم تمثلت في حماية «الوعي الذاتي اليهودي» لدى جميع الجنود في الجيش الإسرائيلي. وفيما تزايدت الأصوات «العلمانية» الإسرائيلية لرفض هذه «المسؤولية»، فإن قيادة الجيش الإسرائيلي استجابت للحاخامات. وذلك بعد صراع داخلي طويل على الصلاحيات في نهاية عام 2013، لتثير بذلك غضب قسم التربية والتعليم ذي «التوجُّهات العلمانية». ومنذ ذلك الحين لم تعد تقع على عاتق هذا القسم سوى المسؤولية عن قضايا عامة تتعلق بموضوع «الهوية اليهودية».

وفي أعقاب مناقشات جرت داخل الجيش، في الأشهر الأخيرة، حول نشاط «الحركة اليهودية الحاخاماتية العسكرية» التي تنشط منذ عام 2001، قرر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، تقليص دور الحاخامات في الجيش، فعرض قسم شؤون الموظفين في الجيش الإسرائيلي، إيقاف دور الحركة ليهتم السلك التربوي والشبابي في الجيش بمسألة التثقيف التربوي بنفسه.

إلا أن الحاخامات عارضوا بشكل شرس نية الحدّ من نشاطهم. الآن، وتحت ضغط من الحاخامات، يبحث الجيش عن حلّ بديل، قد يشمل نقل المسؤولية المباشرة عن التثقيف والتوعية، من الحاخامات إلى مديرية شؤون الموظفين في هيئة الأركان العامة للقطاع. وإذا تم ذلك، فمن المتوقع أن يكون تأثير سلك التعليم والشباب محدوداً على عملية صنع القرار.

ودعت مديرية شؤون الموظفين، الأسبوع الماضي، كلّاً من الحاخام العسكري، الجنرال رافي برتس، وضابط التربية الرئيسي، الجنرال أفنار بزيتسوك، إلى مناقشة الموضوع، وأعطيت الموافقة على عدم نقل الحاخاماتية العسكرية إلى مسؤولية السلك التربوي، في المقابل أقرّت بتأسيس جسم جديد بمشاركة الطرفين. ومن المفترض أن يبحث القسم الجديد في موضوع «الهوية اليهودية»، ويكون تحت مسؤولية شؤون الموظفين. ويخشى سلك التربية حالياً من أن لا يفرض هذا الحل سيطرته على الحاخاماتية العسكرية فيما يتعلق بالتعليم وقيم الوعي اليهودي والقتال.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى