Uncategorized

الحرية موقف

نضال سعد الدين قوشحة 

الحرية موقف  أنا أفكر إذا أنا موجود ، هكذا يقول المفكر ، أنا حر إذا أنا موجود ، هذا ما يقوله الحر، أما العبد فيقول ، أنا مستعبد إذا أنا موجود الحرية ليست عبارات طنانة وشعارات ، تصدح بها الحناجر في الصباحات ، وتخط في ديباجات الخطب . فالحرية بالضرورة ذهنية متكاملة ومن ثم سلوك مبني عليها . ومن يحجب الحرية عن الآخرين لا يعطيها لنفسه . الحرية هي هدف وطريق ، هي بنيان متكامل من الأفكار والطاقات والمسارات الحياتية اليومية . ومن يتمعن في حقيقة الحرية، سيجد أنها تتطابق بالضرورة مع الصدق . فالحر صادق . والعكس صحيح . فالكاذب لا يملك الحرية ولا يعطيها . والتاريخ يحمل الكثير من الأمثلة على وجود إناس مزيفين ، كانوا يدعون بأنهم أحرار في حياتهم ، ولكن التجربة الحقيقية في حياتهم أثبتت أنهم كاذبون لا يملكون الحرية . مفكر كبير ينادي بحرية المرأة ، ومع هذا يحرم نساء بيته حتى من التعلم لما فوق المرحلة الإبتدائية . فنان كبير في السينما والمسرح ، يعانق اسمه السماء كما يفترض ، يمنع زوجته من العمل في الوسط الفني ، لأنه لا يريد لها أن تحمل صفة فنانة . سياسي كبير ، ومفكر في نظريات الحرية ، يصدع رؤوسنا بضرورة أن يكون العالم العربي واحة للديمقراطية ، وعندما يخسر الإنتخابات ، يكيل كل أصناف الاتهامات لخصمه ويتهمه بالتزوير . زعيم سياسي كبير ، يتغنى بالحرية ، وتمتلئ سجون بلده بالمعتقلين . فنان نهضوي يساري ، يكره مال البترو دولار ، ويقف ضد مشاريعه ، نراه فجأة أحد أهم الأسماء في مشروع كبير لأحد أمراء هذا المال .

أية حرية هذه ، وأي تناقض هذا . يبدو أن هؤلاء ، لم يعرفوا أبو ذر الغفاري ، الذي عاش ومات غريبا . ليس لأن العلة فيه . بل لأنه لم يكن قادرا على التلون ، كانت الحرية عنده تعني الصدق ، فما في القلب هو على اللسان ، وهنا تكمن المشكلة .

هل لنا أن نعيش أنصاف أحرار ، أو أحرارا جزئيا ، هل نسمي هذا تبريرا أم انتهازية ؟ أخشى كما يقول البعض ، أن تصبح الخيانة وجهة نظر . عندما يغير أحدهم موقعه ووجهة نظره ، لا يقدر حتى على المواجهة ، لأنه غالبا يكذب في أحد التوجهين ، السابق أو الحالي . ولكن لو أمتلك الحرية ، أي الصدق لقال وانتهى الأمر .

الحرية إذا ، ليست في كلمات وشعارات ، وجمل كتبها مفكرون وأدباء وسياسيون ، يحفظها المرء ، ثم يدرجها في كل خطاب يقوله ، ثم يظهر بأنه من دعاة الحرية . كلا الحرية موقف ، الحرية نهج . “الحق كلمة إن قلتها مت وإن سكت عنها مت ، فقلها ومت ” .

الربيع العربي ، هي أحدث أزمة موقف ، عرى الكثير من دعاة الحرية ، البعض سماه ربيعا ، وآخرون شتموه ، وتشكلت فوضى الأسماء . الثورات العربية ، الفورات العربية ، المد الثوري العربي ، الخريف العربي وغيره . في هذا الواقع تحير كثيرون ، من هؤلاء الضبابيين الذين لا يملكون الحرية الكافية لكي يحددوا موقفهم من هذا الإعصار الذي يحاصر المنطقة العربية الآن . فتاهت الجمل ، وأخترعت المواقف التي تبرر لهذا ولا تبرر لذاك . وظهرت الحروب الفكرية الطاحنة العلنية والمخفية . وهذا ما أدى بالضرورة إلى ظهور مواقف متشنجة بين الفريقين . وصلت لدى البعض منهم إلى التخوين .

في العالم العربي ، ليس هنالك حرية ، يجب أن نعترف بهذا . وهي بعيدة عن متناول أي إنسان عربي ، والدول التي كانت تتغنى بهذه الحرية ، لم تعرفها إلا في بعض السلوكيات الإجتماعية ، التي تمظهرت في طريقة العيش واللباس وأمور أخرى ، لا تصل لعمق فكرة الحرية ، والدليل ، أن دولة بعينها وهي تونس ، التي كان نظامها السياسي المخلوع يتغنى بأنها واحة الحرية العربية ، وهي الدولة التي كانت الأقرب عربيا إلى النمط الغربي ، كانت مهد الربيع العربي . ومنها اشتعل مد الثورات العربية .

الحرية موقف ، من أي شيء ، بدء من تفصيل صغير يربط الشخص بجواب لطفله الصغير ، وصولا إلى إطلاق حكم قيمة أو بيان رأي في حدث كبير وجلل ، كالربيع العربي .

تحية للربيع العربي ، الذي أحدث زلزالا هائلا في عمق حياتنا الفكرية العربية ، وتحية له لأنه أسقط كثيرين .

 

 

سكاي نيوز

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى