الحريري بعَوْدَتِه إلى لبنان هل قَدّم المُواطنة اللبنانيّة على نَظيرتها السعوديّة

السيد سعد الحريري لم يَسْتَقِل من رئاسة الحُكومة اللبنانيّة حتى يَتراجع عنها، أو يَتريّث في المُضي فيها بناءً على طَلبٍ من الرئيس ميشال عون، وإلا لما عادَ إلى بيروت أساسًا، وبقَي في الرياض أو باريس، أو حاولَ ترتيب لُجوءٍ سياسيٍّ آمن في قبرص.
من تابع وقائع تَحرّكاته اليوم، ولُغَة جَسدِه، وتقاطيع وجهه التي تتناقض كُليًّا مع نَظيرتها أثناء قراءته خِطاب استقالته من استديو محطّة “العربيّة” في الرياض قبل أُسبوعين، يُدرك جيّدًا أن الرّجل استعادَ حُريّته، وقَرّر اختيار المُواطنة اللبنانيّة على نَظيرتها السعوديّة، واحترام الصّفقة السياسيّة مع “حزب الله” والتيّار الوطني الحُر (حزب عون) التي أعادته إلى رئاسة الوزراء قبل عام.

السيد الحريري كان في قِمّة السعادة وهو يُشارك في احتفالاتِ عَودته وعيد الاستقلال اللبناني وسط أنصاره ومُحبّيه الذين باتَ يُشكّل رمزًا وبطلاً شعبيًّا في نَظرِهم، فمَن يتحدّث عن تهديداتٍ تُشكّل خطرًا على حياتِه ودَفعته إلى مُغادرة لبنان، مِثلما جاءَ في خطابِ استقالته، لا يُمكن أن يَظهر وسط الجماهير، ووسط حراسةٍ بسيطةٍ، بالطّريقةِ التي شاهدناها.

لا نُجادل مُطلقًا بأنّ الأسلوب الدبلوماسي الذي اتّبعه بالتريّث في المُضي قُدمًا في استقالته، كان من ترتيب الدولة اللبنانيّة العَميقة التي لا تُريد التّصعيد وإحراج الرّجل بالتّالي، ورَشْ المَزيد من المِلح على الجُرح السّعودي النّازف، وتَطويق الأزمة، وتَقليص الخسائر إذا أمكن، مُضاف إلى ذلك أن الرجل، أي الحريري، ليس رجل المُواجهات والصّدامات، ويُريد أن يُبقي شَعرة مُعاوية مع داعميه السّعوديين، رغم ما تَردّد من حَجم الأذى والإهانة اللذين لَحِقا به طِوال الأسبوعين اللذين قَضاها مُحتجزًا في الرياض.

إذا كان الرئيس عون أبدعَ في إدارته للأزمة، وتحلّى بأعلى درجاتِ ضَبْط النّفس، كان في الوَقت نَفسه شُجاعًا في تَسمية الاشياء بأسمائها، وأصرّ على تُهمة “الاحتجاز″ دون تَلكؤ، فإن السيد الحريري تَصرّف بكُلِّ حِكمةٍ عندما انحنى أمام العاصفة، ولَبّى مطالب مُحتَجِزيه، ليس مُوافقةً، وإنّما لإدراكه أن هذا المُسلسل اللاعقلاني يَنتهي نهايةً سعيدةً لصالحه في نهاية المَطاف، ولكن هذا لا يَعني أن لا يَتحلّى الرجل بالشّجاعة، ويَخرجْ عن صَمْتِه، ويَكشف الحَقائق دُون مُواربةٍ، لأنّه لا يُمثّل نَفسه، وإنّما مُؤسّسة وشَعب لبنانيين عريقَين.

مُنذ اللّحظة التي تَخلّى فيها السيد الحريري عن “السّكسوكة” السعوديّة، واستبدالها بإطلاقِ لحْيَتِه كاملةً على الطّريقة التقليديّة المُتّبعة، وقرّر الدّخول في تحالفٍ مع “حزب الله” و”عون” من أجل إنهاء أزمة الحُكم في لبنان قبل عام، باتَ واضحًا أنّه قَدّم مُواطنته اللبنانيّة على نَظيرتها السعوديّة، وقَدّم السّلطة وخِدمة استقرار بِلاده على المال وصَفقات “البيزنس″ بعد أن ضاقَ ذَرعًا بالمُضايقات وأعمال الابتزاز.

هل يَصمد السيد الحريري في بَيتِه اللبناني الذي عاد إليه، وهل زالت الأخطار التي تُهدّد حياته بعد هذهِ العَودة، أم انتقلت من جِهةٍ إلى أُخرى؟ يَصعُب علينا الإجابة ليس لصُعوبة الأسئلة، وإنّما أيضًا لأنّنا ما زِلنا في المَشهد الأول من الفَصل الأول من هذهِ المَسألة، ولكنّنا نَجزُم بأنّ السيد الحريري أقدمَ على الخِيار الأسلم والأصوَبْ عندما قرّر أن يكون لُبنانيًّا أصليًّا.. والله أعلم.

صحيفة رأي اليوم الإلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى