الديمقراطية الجريحة في مصر !! (فتحي خطاب)

 

فتحي خطاب

لم يكن أحد يتصور أن حالة ثورية كتلك الحالة التي وقعت في مصر ، يمكن أن تجىء بكل عوارضها وظروفها ، بفصيل واحد يحكم ويتحكم .. و لا يتصور أحد أن ( 51 % ) تحكم مصر منفردة ، كما تشاء ، وتفرض ما تريد !! وبالطبع لا تكفي أغلبية 51 % التي حصل عليها الدكتور محمد مرسي مرشح حزب "الحرية والعدالة " تحت مظلة الجماعة الأم " الإخوان المسلمين " في انتخابات الرئاسة ، لكي ينفرد حزبه وجماعته بالحكم ، وإن كان من الممكن أن تكفي هذه الأغلبية الضئيلة للحكم في أوضاع مستقرة ، ولكن في الأوضاع الاستثنائية لا تصلح للحكم ..
وفي ظني أن الرئيس مرسي لا يصدر قراراته منفردا ، ولكنه ينسق مع مكتب الإرشاد العام لجماعة الإخوان المسلمين ، إن لم يكن ينفذ تعليمات وأوامر الجماعة ، فهناك ارتباط عضوي بين مؤسسة الرئاسة والإخوان ، وقد يرى البعض أن هذا أمرا متوقعا ، بل وطبيعيا ، وطالما أن الرئيس هو ممثل الجماعة على قمة مؤسسة الرئاسة ، لأنه مرشحهم ، وفي الدول الديمقراطية الكبرى فإن الرئيس لا يجنح عن توجهات حزبه وسياساته ، وبالتالي فإنه من غير المعقول أن يتخذ الرئيس مرسي قرارا ، أو يصدر تصرفا، يتناقض مع فكر ورؤية ومنهج جماعة الإخوان !! والمسألة ببساطة أن لجماعة الإخوان رؤية تتعلق بشكل الدولة المصرية ، وهم قلقون على السلطة ، ويريدون تسريع معدل تمكينهم منها ، والتحكم في مفاصلها وباسم الديمقراطية التي اختزلوا شكلها الإجرائي في الانتخابات التي منحتهم السلطة !!
وعموما .. ليس كل نظام تأتي به الديمقراطية ، يكون هو نفسه ديمقراطيا ، فقد عرف التاريخ أشكالا من الحكومات التي أتت عن طريق العمليات الانتخابية والاختيار الحر وكانت استبدادية .. ألم تأت الأغلبية بالفاشية والنازية في إيطاليا وألمانيا ؟! والفاشية لم تتوان طوال عهدها عن نبش الشعور الديني ، ليس فقط من أجل حشد وتعبئة الجماهير حول أطروحاتها ، وإنما إلى تقديس الرجل الأوحد والزعيم الجبار الذي يمثل رجل العناية الإلهية " موسوليني " .. والنازية جعلت من هتلر شخصية كونية استثنائية !! وبالضرورة لا يمكن أن نطلق على أي نظام سياسي آت بالأغلبية إنه نظام ديمقراطي إذا تحفظ على المبادىء والقيم الأساسية للحريات وحقوق الإنسان بتقييدها بما يعتقد أنه حماية لمبادىء الشريعة ، وفي مصر الخوف الآن أن نترك الدولة المصرية تقع تحت سلطان أي قوة تمارسها عليها جماعة أو طائفة تشكل الأكثرية ، وتستأثر لنفسها بغنائم صلاحيات هذا الحكم ، والسيطرة على القرار السياسي والتشريعي ، وفرض ديكتاتورية الأكثرية ، وتستخدم الدين لقمع الناس ، وترويع الخصوم ، وداخل هذه الرؤية تصور خاص لوضع الصحافة والإعلام .. السيطرة على الصحافة والإعلام بشكل عام ، لا سيما الصحافة القومية !!
ويقال بان الإخوان المسلمين يعملون بنصيحة من رئيس الوزراء التركي " رجب طيب أردوغان " تقول لهم ، إن من الضروري تغيير المناخ الإعلامي حتى يصبح مناخا مواتيا لهم !! والمشكلة ليست في " أخونة " الصحف ، أو أن تكون الصحف قابلة للسيطرة عليها من أي فصيل يصل إلى السلطة ، ولكن الأزمة التي نواجهها ، أن جماعة الإخوان وهي على قمم السلطة ، تستخدم نفس منهج النظام المخلوع ، وبأسلوب أكثر فجاجة ، وبالتحريض على الاعتداء على الصحافيين ( سحرة فرعون ) حسب وصف المرشد العام لجماعة الإخوان الدكتور محمد بديع ، ووقعت حادثة الاعتداء على الزميل خالد صلاح رئيس تحرير صحيفة " اليوم السابع " بعد محاصرة مجموعة من المليشيات مدينة الإنتاج الإعلامي ، وهروب الإعلامي يوسف الحسيني قبل الاعتداء عليه وتحطيم سيارته !! والتحريض على رفع قضايا ضد الكتاب وأصحاب الرأي ، بزعم التطاول على مقام الرئيس ، وتضليل الرأي العام ، وطالت الاتهامات خمسة من الزملاء ، من بينهم عادل حمودة ، وعبد الحليم قنديل ، وأسامة عفيفي ، والأخير تمت محاكمته شكليا ، حيث لم يسأله أحد من هيئة المحكمة عما جرى نشره أو كتابته ، ولم يستمع إليه أحد ، واتخذ القاضي قرارا بالحبس الاحتياطي دون الانتظار لمطالب المحامي بالإفراج عنه بكفاله ، ودون أدنى فرصة لأي حديث !! وإذا كان الرئيس مرسي قد أصدر قانونا لامتصاص غضب الرأي العام ، بإلغاء عقوبة الحبس الاحتياطي في جرائم النشر المتعلقة بإهانة الرئيس ، فإنه لم يلغ عقوبة حكم الحبس بصفة عامة ، بالإضافة إلى سريان الحبس الاحتياطي في قضايا النشر غير المتعلقة برئيس الجمهورية ، ورغم أنه لم يسبق أن سجن صحافي أو منع من السفر بسبب قضية نشر !!
وما حدث ويحدث ، ليس مجرد محاكمة كاتب صحافي لأنه تبنى رأيا أو رؤية معينة إزاء نظام الحكم ، ولكن يرتبط بضرب وظيفة ودور الصحافة كأداة من أدوات الرقابة على أداء السلطة التنفيذية ، شأنها في ذلك شأن المجالس التشريعية المنتخبة من أبناء الشعب ، ومنع الصحافيين من ممارسة حقهم في النقد ، مما يؤشر إلى أن نظام الحكم الحالي يريد أن يؤدي بلا رقيب أو حسيب !! وليس بعيدا عن هذا ، منع نشر مقالات لبعض من كبار الكتاب بحجة أنهم لا ينتمون للمؤسسة الصحافية ذات الصلة ( كانوا يكتبون فيها بانتظام قبل ذلك ) وملابسات مصادرة أحد أعداد جريدة الدستور وتداعياتها ، وإغلاق قناة تليفزيونية دون حكم قضائي ، جنبا إلى جنب مع التعيينات الجديدة لرؤساء تحرير الصحف والمجلات القومية ، وقد يبدو صحيحا أن الأسماء المختارة كانت معدة سلفا من مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان ، بهدف الهيمنة على الصحافة الحكومية ، وتخفيف النقد الموجه إلى الإخوان المسلمين ، ومهاجمة المعارضين لرئيس الجمهورية ولجماعة الإخوان ، وإلقاء الضوء بصورة تتجاوز المهنية على تحركات رئيس الجمهورية ، كما كان يفعل بعض رؤساء التحرير مع الرئيس السابق مبارك !! والحاصل أن لجنة مجلس الشورى التي تم تشكيلها لاختيار رؤساء التحرير ، كانت مسرحية هزلية كشفها الكاتب الصحافي صلاح منتصر ، والنائب مجدي المعصراوي ، باستقالتيهما من اللجنة ، إضافة إلى موقف النائب أيمن رفعت المحجوب وكان يرغب في الاستقالة من لجنة عصمتها ليست في يدها ، ولكن في يد مكتب الإرشاد العام لجماعة الإخوان !!
وهناك من يخشى مزيدا من أساليب وإجراءات كبت الحريات المختلفة والاعتداء على الصحافيين ، والتحريض ضدهم وعلى قتلهم ، وهناك قلق مشروع على الحريات العامة والشخصية في مصر ، ومن المؤسف أن يوظف القانون لتعقب الصحافيين ، وليس لمحاسبة شيوخ يهدرون دم المتظاهرين ، ومؤسف أيضا أن يغيب النقاش الجاد عن كيفية تفعيل أدوات دولة القانون لمحاسبة من يهينون المواطنات المصريات بالتحرش الجنسي والعنف اللفظي والجسدي ، في حين تتوالى البلاغات ضد رؤساء تحرير صحف .. وكل ما تقدم مجرد مؤشرات للديمقراطية الجريحة في مصر !! وإذا كنا نخشى أن تستمر جماعة الإخوان في تنفيذ فكرها في العمل من أجل الهيمنة على كل مؤسسات الدولة خلال الفترة المقبلة ، فإن حرية التعبير عن الرأي ، واستقلالية الصحافة والإعلام ، أصبحت رهنا بإصدار إعلان نوايا يتعهد فيه رئيس الجمهورية بشكل علني أمام الشعب المصري ومثقفيه بإنهاء سلطة مجلس الشورى على الصحافة القومية ، وعدم التدخل في شؤونها بأي حال من الأحوال ، وإحالة شؤونها إلى مجلس وطني مستقل للإعلام والصحافة بالتنسيق مع نقابة الصحافيين ، وتحويل اتحاد الإذاعة والتليفزيون من إعلام حكومة ودولة إلى إعلام شعب ومجتمع ، وإنهاء سيطرة الحكومة على تراخيص وبث وسائل الإعلام ومنع وقفها بقرار إداري ، وإحالة شؤونها إلى المجلس الوطني المستقل طبقا للتقاليد الدولية ، واعتماد قانون ديمقراطي لحرية تداول المعلومات ..

صحيفة العرب اليوم الأردنية

 
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى