الزواج الليبرالي ــ الإسلامي في سوريا

بعد أيام من قيام «المجلس الوطني السوري» في اسطنبول يوم 2 تشرين أول2011، وكان يضم أساساً الإخوان المسلمين و«إعلان دمشق» الذي يشكل «حزب الشعب الديمقراطي» عصبه الرئيسي، كان تعليق أحد أعضاء «الحزب الشيوعي – المكتب السياسي»، وهو من الذين عانوا من الملاحقة والاعتقال لفترة امتدت من 1980 إلى 1996، التالي: «شهوة هذا الزواج مع الاخوان المسلمين موجودة عند رياض الترك منذ عام 1980».

عملياً، كان «المجلس» المقام في اسطنبول بعد حوالى سبعة أشهر من بداية الأزمة السورية، حصيلة استقطابات برزت في الحياة السياسية السورية المعارضة منذ قيام «اعلان دمشق» في 16 تشرين الأول 2005 عندما اصطف في «الاعلان» الليبراليون والاسلاميون في صف ضد ناصريي «حزب الاتحاد الاشتراكي» وماركسيي «حزب العمل الشيوعي» حتى أسقط مرشحو الأخيرَين لقيادة «الاعلان» أثناء انعقاد مجلسه الوطني العام في 1 كانون الأول 2007. كان الخلاف مع الناصريين والماركسيين في «الاعلان» متمحوراً حول الموقف من «العامل الخارجي» حيث رفض ليبراليو «اعلان دمشق» واسلاميوه خلال سنتين اتخاذ موقف سلبي من «المشروع الأميركي للمنطقة» البادئ في العراق المغزو والمحتل ثم في لبنان القرار 1559 وما بعد 14 آذار 2005، وهو ما أدى إلى تفجير «الاعلان» في يوم 1 كانون الأول 2007 وخروج الناصريين والماركسيين منه.

بعد فشل «جنيف 2» حصل فرز جديد تبلور في انتخابات تموز لرئاسة «الائتلاف»

كانت الخطبة لذلك الزواج في «اعلان دمشق» ولو خرج «الاخوان» منه في 7 كانون الثاني 2009 لما أعلنوا تجميد نشاطاتهم المعارضة للنظام أثناء حرب غزة، وخرجوا أيضاً في الوقت نفسه من «جبهة الخلاص» التي جمعتهم في حزيران 2006 مع عبد الحليم خدام، ما زعزع علاقتهم مع «الاعلان» وليبرالييه من دون أن ينهيها. فشلت تلك الخطبة الليبرالية ــ الاسلامية في 7 كانون الثاني 2009 ثم أعيد أحياؤها في الدوحة أثناء المحادثات التي جمعت «الاعلان» و«الاخوان» و«هيئة التنسيق» في الأسبوع الأول من أيلول 2011 لتشكيل «الائتلاف الوطني السوري». ولما فشلت تلك المحادثات على خلفية رفض «الهيئة» لـ«التدخل العسكري الخارجي» وضرورة تضمين الوثيقة التأسيسية للائتلاف تلك العبارة، اتجه «الاعلان» و«الاخوان» إلى تأسيس مجلس اسطنبول الذي انبنى على مراهنة على تكرار سوري للسيناريو العراقي والليبي لو لم يأت الفيتو المزدوج الروسي ــ الصيني في مجلس الأمن يوم 4 تشرين الأول 2011، بعد قيام «المجلس» بيومين، وإعلانه بدء توازنات دولية تمنع تكرار تجربة «الناتو» مع مجلس مصطفى عبد الجليل في ليبيا.

كان لقاء الليبراليين السوريين مع الاسلاميين مبنياً على تلاقيات فكرية ــ سياسية انبنت على المقولة التالية: «النظام جفف الينابيع الداخلية للتغيير، لذلك من غير الممكن الاعتماد عليها من أجل احداث توازنات داخلية كافية لاحداث التغيير بوسائل محلية، لهذا من المشروع الاعتماد على القوى الخارجية الدولية أو الاقليمية، كما جرى ضد عراق صدام حسين وضد ليبيا معمر القذافي، من أجل اسقاط النظام». كان «المجلس» في خريف2011 مبنياً على توجه أميركي ــ تركي ــ قطري بدأ ملموساً منذ يوم 18 آب 2011، لما دعا باراك أوباما الرئيس السوري «للتنحي» لأول مرة منذ بدء الأزمة السورية في درعا 18 آذار 2011. وكان واضحاً، منذ مصر ما بعد حسني مبارك وتونس ما بعد زين العابدين بن علي، ملامح الاعتماد الأميركي على «الاسلام السياسي» في مرحلة «الربيع العربي» ليكون بديلاً أميركياً من الأنظمة الجمهورية القائمة في البلدان الخمسة التي حصل فيها هذا «الربيع».
تكسرت موجات «الربيع العربي» في دمشق عام 2012: ترافق هذا منذ 11 أيلول 2012، يوم مقتل السفير الأميركي في ليبيا في بنغازي، مع بدء التنائي الأميركي مع «الاسلام السياسي» وبداية نقل التلزيم الأميركي لـ«المجلس» ثم «الائتلاف» – المقام في الدوحة يوم 11 تشرين الثاني 2012 – من أنقرة والدوحة إلى الرياض المعادية للاخوان المسلمين منذ أيار 2013. وكان عنوان هذا التلزيم التوسعة التي جرت في «الائتلاف» أواخر ذلك الشهر لاضعاف الاسلاميين والتي حصلت من خلال ادخال مستقلين وأيضاً يساريين سابقين، بعضهم كان ماركسياً، تحولوا إلى الليبرالية ولكن لم يكونوا مثل ليبراليي «اعلان دمشق» على وفاق أو رؤية متطابقة مع «الاخوان»، وقد اجتمعت عندهم التبعية للسعودية مع الخلاف مع «الاخوان» و«اعلان دمشق» بشأن القبول بالتسوية مع النظام عبر بيان جنيف1 التي قبلها الوافدون الجدد إلى «الائتلاف». خلال ثمانية أشهر حتى انعقاد مؤتمر «جنيف 2» في 22 كانون الثاني 2014 كان الوافدون الجدد للائتلاف في صراع ضدي استقطابي ضد «الاخوان» و«الاعلان»، حيث كان الأخيرون عصب «كتلة الـ44» التي انسحبت من الائتلاف بسبب القبول بـ «جنيف2». بعد فشل «جنيف 2» حصل فرز جديد تبلور في انتخابات تموز 2014 لرئاسة «الائتلاف»: وجد الليبراليون الذين أتوا عبر توسعة أيار 2013 أنفسهم في تناقض وتباعد، لأسباب تنظيمية أكثر منها سياسية، مع مستقلي هذه التوسعة التي أتت عبر قطار سعودي وبرعاية أميركية، وفي تقارب مع ليبراليي «اعلان دمشق» و«الاخوان» والاسلاميين والمستقلين كافة المحسوبين على أنقرة والدوحة. في تلك الانتخابات كان الخاسر الأكبر أمام الجربا والبحرة وليبرالي جديد مثل فايز سارة (مارس دور بروتوس مع رفاقه الليبراليين الآخرين) هم ليبراليون جدد، مثل ميشيل كيلو وموفق نيربية، الذين كانوا ماركسيين وأعضاء في «الحزب الشيوعي- المكتب السياسي» قبل أن يتحول كثير من أعضاء هذا الحزب ويؤسسوا «حزب الشعب الديمقراطي» بزعامة رياض الترك في أيار 2005 ويتبنوا «الليبرالية الجديدة» ويتجهوا إلى توجيه مراكبهم وفق الرياح الأميركية التي هبت على المنطقة مع سقوط بغداد بيد واشنطن في يوم 9 نيسان 2003.

في توسعة أيار2013 لـ«الائتلاف» وفي انتخابات رئاسته في تموز 2014 وقبلها في معركة ذهابه إلى «جنيف2» من الواضح أن الفريق الذي يجمع الاسلاميين والليبراليين الجدد هو الخاسر دائماً أمام الفريق الآخر الذي هو تحت مظلة واشنطن والرياض. ولن يزيد في قوته انضمام شخص مثل ميشيل كيلو الذي أطلق عليه أحدهم منذ 2005، لما جمع في العام نفسه بين عضوية «لجنة تطوير البعث» قبيل المؤتمر القطري لحزب البعث في حزيران 2005 ولعب دور رئيسي في توليد جنين «اعلان دمشق» في 16 تشرين أول 2005، الذي بدأ الحمل به في لقاء جمعه مع علي البيانوني في المغرب في أيار2005، لقب «جنبلاط سوريا» لكثرة تقلباته وشقلباته السياسية. هل يؤدي احساس رياض الترك بالمصائر الخاسرة والخائبة للزواج الليبرالي ــ الاسلامي إلى اتجاهه نحو فسخ هذا الزواج، وإلى مراجعة حصيلة مراهناته منذ خريف 2003 التي لم تصب كراتها ولا مرة شباك المرمى ولا حتى أخشابه الثلاثة؟

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى