السعودية.. مملكة الصمت إن حكت (نصري الصايغ)

 

 
نصري الصايغ

عرفت السعودية بأنها مملكة الصمت، وانها تفضل الديبلوماسية الكتومة، وتمارس سياسة الاعتدال، والاتفاق مع جميع الأطراف.
ما لم يعرف عن السعودية انها تمارس العنف بالواسطة، وتخوض الحروب بالاستعارة، وتصدّر التطرف بلبوس وهابي، وأشكال «قاعدية» تمارس العنف الاستئصالي، وان ديبلوماسيتها الكتومة، غطاء، يظهرها انها دولة «حكيمة» وراعية.
صاغ الإعلام السعودي المباشر والإعلام الرديف صورة شبه مثالية للمملكة. غطى حروبا خاضها عنها بالوكالة، وكلاء إقليميون بكلفة بلغت مئات المليارات. «الكونترا»، إكراماً للحليف الأميركي، صدام حسين، لوأد الثورة الإيرانية، «القاعدة» في افغانستان لمحاربة الالحاد الشيوعي، ناهيك عن اشتراكها المباشر في حروب اليمن، منذ عبد الله السلال، حتى حوثيي الراهن.
في كتاب المرهون، إحصاء لأكلاف الحروب التي تولتها السعودية، من دون احتساب المبالغ التي أنفقت على صفقات السلاح العملاقة، غير المسبوقة في تاريخ دولة، لا تحارب انطلاقاً من أرضها، بل تحارب بعيداً عن أرضها.
سقط القناع عن صورة «مملكة الصمت». ظهرت على حقيقتها العارية. هي خزان العنف الديني، وخزان لتمويل الحروب بالوكالة، وذلك ليس عن هوس حربي لديها، ونشرا لدعوة دينية بالعنف؛ فهي أبعد عن ذلك. السعودية تعرف مصالحها وتقيسها بالنفط ووحدة السلطة ومنع الخطر من التسرب إليها عبر حدودها، في منطقة تنزلق إلى العنف والحروب والفوضى.
حاكت السعودية شبكة أمان متينة، من خلال «الصمت»: علاقة مع أميركا، تضمن السلطة ووحدة الأرض، وفائض النفط. نفوذ يمتد في الجوار القريب، (شذت عن ذلك قطر) تصرف عليه السعودية، جزءاً من فائض الثروة النفطية.
تعيش السعودية الكوابيس، تخاف كل تغيير من حولها في الإقليم: إيران كابوس دائم، العراق كابوس مستجد، اليمن كابوس ديموغرافي، «الربيع العربي» كابوس أطاح حليفين وهدّد البحرين، «الاخوان» كادوا…
لم تعد سياسة الصمت والديبلوماسية من الخطوط الخلفية مجدية. حانت الفرصة مع الأزمة السورية لمنازلة «الأعداء» في عقر دارهم أو على التخوم. سياسة النظام السوري في مواجهة إرهاصات «الربيع العربي» بالعنف، وجدت السعودية فيها فرصة للانقضاض على جملة أهداف: «الربيع السوري» و«الممانعة» و… إيران وفي الطريق، جماعة «الاخوان».
أسقطت السعودية محاذيرها. تدخلت مباشرة. المعركة الفاصلة والتي يعوّل عليها هي كسب الحرب في سوريا. موّلت، سلحت، أججت، دعمت، أطاحت قطر، أبعدت تركيا، تولت بواسطة بندر قيادة معارك الميدان، إلى ان سنحت فرصة «المجزرة الكيميائية» في ريف دمشق، كي تبدأ السعودية والغرب والولايات المتحدة الأميركية التحضير لضرب النظام وإضعاف، أو إسقاط الأسد.
قبل موعد انطلاق الضربة الأميركية بساعات، كانت السعودية تنام على حرير. ستكسب في سوريا، وتوظف ذلك في العراق ولبنان… لكن أوباما «خان» السعودية، وتوقف عن قصف دمشق، فتعرت السعودية، ولكنها قررت المضي وحيدة في القتال.
تغيرت المملكة: بدت كالأسد الجريح.
خسرت السعودية وفازت إيران.
لم تعد السعودية كما كانت في الصورة التي رسمها الإعلام والغرب والحلفاء لها. بانت على حقيقتها: خزان عنف وخزانة مال. لم تعد الدولة الناصحة. تتصرف كالجنرالات في الحرب: «الأمر لي».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى