الصراع على مستقبل إيران: الإصلاحيون يخسرون انتخابات «مجلس الخبراء» قبل بدايتها

تقف إيران على أعتاب استحقاقين مهمين خلال الشهر الجاري: انتخابات «مجلس الخبراء» وانتخابات البرلمان، اللتان تجريان في يوم واحد هو السادس والعشرين من شباط 2016. ستؤثر النتيجة بعمق في مستقبل إيران خلال العقد المقبل، لأنها ستقرر صورة النظام السياسي الإيراني وتوازناته المرتقبة. من المحتمل أن يختار «مجلس الخبراء» المقبل أثناء فترة ولايته البالغة ثماني سنوات خليفة للمرشد الحالي السيد علي خامنئي (76 عاماً). على ذلك، تتناول السطور التالية المعركة الانتخابية لـ «مجلس الخبراء»، والتي تبدو من الآن محسومة لمصلحة المحافظين. قام «مجلس صيانة الدستور» المناط به تصفية وفرز المرشحين، والذي يهيمن عليه المحافظون، بإقرار ترشح 161 مرشحاً من أصل أكثر من ثمانمئة مرشح. وكان من أبرز المستبعدين من خوض السباق الانتخابي السيد حسن الخميني – حفيد مؤسس الجمهورية – وشخصيات عديدة أخرى محسوبة على التيار الإصلاحي. الجدير بالذكر أن عدد مقاعد «مجلس الخبراء» سيرتفع في هذه الانتخابات من 86 مقعداً إلى 88 مقعداً.

تصفية مبكرة

أعلن «مجلس صيانة الدستور» القائمة النهائية لأسماء المرشحين المجازين إلى انتخابات «مجلس الخبراء» البالغ عدد مقاعده 88 مقعداً، بإجازة 161 مرشحاً فقط من أصل أكثر من ثمانمئة مرشح. وشهدت عمليات الفرز تصفية واضحة للمرشحين من أنصار التيار الإصلاحي، بحيث يمكن القول إن نتيجة الانتخابات تبدو من الآن محسومة سلفاً لمصلحة المحافظين. استمر «مجلس صيانة الدستور» في رفض ترشح السيد حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية، برغم الاستشكال الذي قدمه، لأنه «لا يملك المؤهلات الكافية لاختيار المرشد المقبل». وكان الإصلاحيون يعولون على حسن الخميني لبلورة تكتل موالٍ داخل «مجلس الخبراء»، وربما ليكون عضواً في «القيادة الجماعية» المحتملة التي تحدث عنها الشيخ هاشمي رفسنجاني في حال خلو منصب المرشد. وبالإضافة إلى حسن الخميني، فقد تم أيضاً استبعاد الرموز الإصلاحية التالية: محمد موسوي بوجنوردي، مجيد أنصاري نائب رئيس الجمهورية، رسول منتجب نيا نائب رئيس «حزب الاعتماد الوطني» الإصلاحي. وبسبب العدد الصغير نسبياً للمرشحين المجازين مقارنة بعدد المقاعد المتاحة في «مجلس الخبراء»، يتوقع من الآن أن يفوز تسعة مرشحين بمقاعد في «مجلس الخبراء» حتى قبل أن تبدأ الانتخابات، ببساطة لأنهم المرشحون الوحيدون على المقاعد المتاحة في دوائرهم الانتخابية. يشترك المرشحون التسعة الفائزون بالتزكية في الانتماء للتيار المحافظ والقرب من مرشد الجمهورية وهم كالتالي: سيد علي أكبر قريشي، وحجة الإسلام أصغر درباز، وحجة الإسلام عباس شاه رافعتي (ثلاثتهم من محافظة أذربيجان الغربية). حجة الإسلام حسن آملي وآية الله فجر الدين موسوي نانكران (كلاهما من محافظة أردبيل). سيد هاشم حسيني بوشهري (محافظة بوشهر)، آية الله حبيب مهمان تواز (محافظة خراسان الشمالية)، آية الله سيد محمد شاهجراغ (محافظة سمنان) وآية الله غلامعلي نعيم آبادي (محافظة هرمزكان). ووفقاً لذلك العدد المحدود من المرشحين المجازين، يمكن أن تجري الانتخابات على مقاعد «مجلس الخبراء» الباقية على مقاعد مقاربة إلى حد كبير في العدد، ما يجعل نسبة فوز المرشح المجاز عالية جداً نظرياً (152 مرشحا يتنافسون على 79 مقعداً). وحفاظاً على ماء الوجه، فقد قام «مجلس صيانة الدستور» بإجازة ترشح رئيس الجمهورية حسن روحاني ورئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام» هاشمي رفسنجاني لخوض انتخابات «مجلس الخبراء». ولكن حتى لو فاز روحاني ورفسنجاني في انتخابات «مجلس الخبراء»، فستعوزهما الكتلة المؤيدة حتى يستطيعا المشاركة في توجيه الأمور داخله بشكل فعال.

ومنذ الإعلان عن قائمة المرشحين المجازين للانتخابات، عمت موجة من الامتعاض أوساط التيار الإصلاحي، حيث وقع ثلاثمئة أستاذ جامعي على رسالة مفتوحة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني أعربوا فيها عن «قلقهم العميق» بسبب الاستبعادات بالجملة للمرشحين في انتخابات البرلمان و «مجلس الخبراء» القادمة. ورأى الموقعون أن الانتخابات القادمة لن تكون نزيهة أو تنافسية بسبب الاستبعاد من الترشح، ما قد يضر بإيران وصورتها دولياً. وختموا رسالتهم قائلين: «في هذه الظروف فالأولوية لعدم عقد الانتخابات».

رفسنجاني يناور

يعبر ما قاله محسن رضائي القائد العام السابق للحرس الثوري: «العدو ينوي التأثير في الانتخابات ويضعف المرشد»، أدق تعبير عن مخاوف التيار المحافظ من تغيير موازين القوى الداخلية لغير مصلحته. حيث تضاعفت مخاوف المحافظين بعد إبرام الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى من أن يؤدي النجاح الخارجي لروحاني، إلى تعزيز تمثيل التيار الوسطي والإصلاحي في مؤسسات إيران الدستورية مثل البرلمان و «مجلس الخبراء»، ما يؤدي بالتالي إلى تغيير ميزان القوى الداخلي لغير مصلحة المحافظين. بتلك النتيجة المحسومة سلفاً في «مجلس الخبراء»، يضمن المرشد الحالي السيد علي خامنئي أن خليفته سيكون من الفريق الأيديولوجي ذاته، وأن موجة إصلاحية أخرى تعم إيران على غرار العام 2009 تبقى غير واردة.

استغل أنصار رفسنجاني مناسبة ذكرى انتصار الثورة، خارجين إلى شوارع طهران بلافتات ومطبوعات لتدشين حملة ترشح رفسنجاني إلى «مجلس الخبراء»، فقامت قوات الشرطة باعتقالهم. وبعد احتجاج من رفسنجاني إلى وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي، ومفاده أن الحملة الانتخابية لمرشحي «مجلس الخبراء» تبلغ أسبوعين – كما ينص القانون – تبدأ يوم ذكرى انتصار الثورة، فقد تم الإفراج عن مؤيديه بعد ساعات عدة.

وفي حديث تلفزيوني يوم الجمعة الماضي، اعتبر رفسنجاني أن «العناصر الجمهورية والإسلامية في نظامنا السياسي قد ضعفت»، في إشارة إلى سيطرة المحافظين على النظام. وكي يوازن تصريحاته الهجومية، فقد عمد رفسنجاني إلى القول: «نعم اقترحت قيادة جماعية للجمهورية الإسلامية في حال خلو منصب المرشد، لكني مرتاح إلى اختيارنا السيد خامنئي مرشداً للجمهورية وقتذاك، فليس هناك من هو أفضل منه لقيادة الجمهورية».

أظهرت الاستبعادات الكثيرة للمرشحين الإصلاحيين التي قام بها «مجلس صيانة الدستور» أن «الديموقراطية المُهندسة» السائدة في إيران تضعف إلى حد كبير صدقية التمثيل السياسي في المؤسسات الدستورية المختلفة، وبالأخص إذا ما تم استبعاد تيار كامل منها، كما يحدث في انتخابات «مجلس الخبراء». صحيح أنه في النظام السياسي الإيراني تُجرى الانتخابات دورياً، لكن الناخبين يختارون بين مرشحين يرضون عنهم سلفاً. بمعنى أن «مجلس صيانة الدستور» غير المنتخب شعبياً، والذي يختار المرشد نصف الأعضاء فيه مباشرة ونصفهم الآخر مداورة عبر رئيس السلطة القضائية الذي يسميه المرشد، يحدد صورة المجالس المنتخبة شعبياً مثل البرلمان و «مجلس الخبراء»، وهو تناقض يميز نظام إيران الدستوري والسياسي ولا يمكن تحييده إلا جزئياً عبر السماح لمروحة واسعة من التيارات السياسية بالمشاركة في الانتخابات، وليس استبعاد تيار كامل منها.

الخلاصة

سيركز التيار الإصلاحي والوسطيون وتحالف روحاني – رفسنجاني على انتخابات البرلمان للحصول على كتلة وازنة، حيث تبدو انتخابات «مجلس الخبراء» محسومة سلفاً لغير مصلحتهم. يتحكم البرلمان في إيران بميزانية الدولة ويستطيع عرقلة الرئيس وسحب الثقة عن وزراء حكومته، وبالتالي فالأرجح أن المعركة الانتخابية الحقيقية ستدور على مقاعد البرلمان لضمان طريق سير روحاني من دون منغصات تشريعية. صحيح أن «مجلس صيانة الدستور» استبعد الغالبية الساحقة من المرشحين الإصلاحيين في انتخابات البرلمان، إلا أنه يتوقع نظراً إلى العدد الكبير للمرشحين المجازين لخوض انتخابات البرلمان أن يكون جزءاً منهم قدم أوراقه باعتباره مستقلاً كتمويه وتكتيك انتخابي. سيدور سقف الحراك الانتخابي في إيران عملياً على البرلمان، بحيث تعد أوزان الكتل فيه مؤشراً على موازين القوى بين الإصلاحيين والمحافظين.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى