الـ«ناتو» يضم الجامعة العربية (سمير كرم)

 

سمير كرم

لو قلنا إن «الجامعة العربية تنضم الى الناتو»، لكانت هناك شبهة إرادة فاعلة لدى الجامعة العربية، وقرار نافذ منها بأن تنضم الى «حلف الأطلسي». وهذا أبعد ما يكون عن تصورنا، بل أبعد ما يكون عن الواقع.
اثبتت الجامعة العربية في السنوات الاخيرة عجزها الكامل عن أن تتخذ قراراً مستقلا، خاصة اذا كان ذلك بإزاء «حلف الاطلسي». ولقد ضمها حلف الأطلسي إليه جزئياً من خلال ضم عدد من الدول العربية بصفة منتسبين. وكان من الطبيعي ان يبدأ ببلدان الخليج الثرية النفطية، بل انه بدأ بأكثرها ثراءً، ثم عرج على اكثرها اهمية جغرافية وسياسية وتاريخية، منذ ان اصبحت تمشي في ذيل البلدان الخليجية النفطية بزعامة السعودية، ثم في ظل التنافس على الزعامة العربية بين السعودية وقطر. او لعلنا نقول ـ احتراساً – في ظل التنافس بين قطر والسعودية على الزعامة العربية والنفطية والإسلامية وما قد يستجد بعد هذا كله. وتدل المؤشرات الى تقدم قطر على السعودية في هذه المنافسة، كما تدل على تراجع السعودية لاعتبارات داخلية، وربما لاعتبارات اميركية.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان نكون مخطئين في قولنا إن الـ«ناتو» قد ضم الجامعة العربية الى صفوفه. فلقد سبق ان اختبرها واختبر انتماءها اليه، عندما دعاها الى التدخل العسكري في «ثورة» ليبيا. فلبت بلا تردد وتدخلت الى جوار قوات وقيادات «حلف الأطلسي» ونجح الجميع معاً في تحقيق الهدف الذي رسمته الولايات المتحدة، القائد الفعلي لقوات «حلف الاطلسي» قبل توسيعه وبعد توسيعه، وهو نصرة الثورة الليبية وهزيمة نظامها الطغياني. وهكذا اصبح واضحاً ان «حلف الأطلسي» بقياداته وقواته العسكرية هو قائد حركات التحرر في شرق «العالم العربي» وغربه. وزاد الامر وضوحاً عندما عمد «حلف الاطلسي» ـ بمساندة مالية ولوجيستية من الأعضاء المنتسبين العرب ـ الى تسليح التنظيمات المتطرفة الآتية من اواسط آسيا ومن صعيد مصر ودلتاها ومن سواحل ليبيا للتصدي لمهمة «الاطلسي» الجديدة وهي التخلص من النظام السوري. إن التخلص من النظام السوري هو المشروع العسكري والاستراتيجي والسياسي الأهم لتحقيق استتباب امور «العالم العربي» تحت القيادة الاطلسية – الاميركية.
اما ان الجامعة العربية تقدمت خطوة اوسع كثيراً نحو تأكيد هيمنة «حلف الاطلسي» على المنطقة العربية بعد ان ضمها الحلف اليه، فإن هذه الخطوة العريضة اتضحت في ذروة الصراع الذي تموله قوى الاطلسي العربية القادرة على التمويل والتسليح، وذلك عندما استطاعت هذه الدول ان تفرض على مؤتمر جامعة الدول العربية مجتمعة، اتخاذ قرار بمنح مقعد سوريا في الجامعة للتنظيمات التي يسلحها ويدربها حلف الاطلسي ـ أساساً في اراضي تركيا، الدولة المسلمة الوحيدة التي تتمتع منذ سنوات طويلة بعضوية حلف الاطلسي، ولكنها لم تستطع طوال السنوات نفسها ان تجعل نفسها مقبولة في عضوية اوروبا. فشلت في الانضمام للسوق الاوروبية المشتركة وتفشل الآن في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.
الذين يعترضون على قرار جامعة الدول العربية بمنح مقعد سوريا في هذه الجامعة الى القوى الخارجية التي تمثل المعارضة في القتال التدميري الدائر في سوريا، إنما يستندون في هذا الاعتراض على حقيقة ان القانون الدولي لا يسمح لأي من دول العالم بأن تنحاز لطرف ضد الطرف الآخر في نزاع داخلي. ترى من الذي يعترض على هذا الموقف؟ إنها دولة روسيا وكذلك الصين وبالمثل إيران وبعض دول اميركا اللاتينية. وما اهمية كل هذه الدول مجتمعة؟ إن باستطاعة أي من روسيا والصين أن تستخدم حق «الفيتو» في مجلس الأمن لمنع اي قرار يساند القوى الاجنبية التي تحارب النظام السوري. لكن ما دخل مجلس الأمن في حالة جامعة الدول العربية. ان جامعة الدول العربية مسلحة بإرادة منظمة «حلف الاطلسي» تستطيع ان تتدخل في الشأن السوري وفي القتال الدائر في سوريا كيفما شاءت، ولأي غرض رمت. أليس «حلف الاطلسي» قادراً وراضياً عن سير الامور وعن الدور العربي في الصراع على سوريا؟ هذا هو ما يهم.
الأهم من هذا كله ان قادة الدول العربية الأطلسية لم يتنبهوا الى حقيقة ان حلف الاطلسي بقيادته العسكرية الأميركية العليا لن يتردد في ان يكرر في اي من بلدان الخليج الثرية النفطية السلوك نفسه الذي اتبعه في ليبيا حتى اوصلها الى ما هي فيه الآن من تخبط، والسلوك نفسه الذي يتبعه في سوريا الآن. كل ما هو مطلوب لينفذ القادة العسكريون الاطلسيون هذه الاوامر هو وجود خطة اميركية موازية.
اتضح من خلال هذا السلوك من جانب الجامعة العربية في القمة العربية الرابعة والعشرين، التي انعقدت في الدوحة القطرية قبل اسبوع واحد، السبب الذي من اجله اطلقوا على القوى الاجنبية التي تحارب النظام السوري، بدعوة صريحة من الغرب الاطلسي، السبب في إطلاق تسمية المعارضة على هذه القوى على سبيل الاختصار. انها المعارضة إذاً ولا سبيل الى نسيان ذلك. من يمكن ان يتصور ان يؤدي هذا القرار بمنح مقعد سوريا لمقاتلي الاطلسي الاجانب، الذين جندوا ويسلحون ويدربون من اجل تمزيق سوريا ولا هدف آخر لهم، الى تقريب الحل السلمي لأزمة سوريا. من قال إن المسعى الأساسي هو لإيجاد حل سياسي لهذه الأزمة الكارثية؟
لقد أخذ الحل السياسي السلمي في كل اتجاه ولهذا تمزق ويبدو ممزقاً، حتى لعيون اولئك الذين يتطلعون اليه ولا يرون بديلا. اما اولئك الذين يختارون الحل السلمي لأزمة سوريا، مدركين انهم يمزقونه عن عمد، بأنفسهم، في كل مرة يدفعون بأسلحتهم الى الاراضي السورية وبأموالهم الى جيوب «القادة» الذين اجلستهم الجامعة العربية في مقاعد سوريا على مائدة الجامعة. لهذا يقول السفير احمد بن حلي، الأمين العام المساعد للجامعة العربية، إنه «بالنسبة للجامعة العربية ما زال الحل السياسي هو الحل الوحيد والسليم لمعالجة الأزمة السورية وإنهاء مأساة الشعب السوري». فهل قصد الحلي بالفعل الحل السلمي او الاطلسي؟ انه يضيف ان مَن منح مقعد سوريا للمعارضة سوف تستمر جهود الحل السلمي… مع ضرورة اسراع المعارضة الى توسيع دائرة التمثيل والاستيعاب لكل القوى والتيارات والاتجاهات لكي تجسد الواقع داخل سوريا وان يشارك كل مَن بالداخل بالائتلاف (المعارض)».
لم تعد الجامعة العربية التي يتحدث عنها الحلي ما كانت قبل ان يهيمن عليها الاعضاء المنتسبون الى «حلف الاطلسي». واذا جاء ذكر الجامعة العربية ـ خاصة بعد هذا القرار الخطير بمنح مقعد سوريا لـ«المعارضة» ـ فإننا ينبغي ان نكون واعين لحقيقة انتماء الجامعة العربية في عضوياتها الأكثر ثراءً وأكثرها استجابة للنشاط العسكري الموجه من الغرب وبصفة خاصة من اميركا الى حلف الاطلسي. وصحيح ان هذا الانتماء لا يمنح لهذه الدول اعضاء الجامعة العربية اية امتيازات في التصويت وبدون التصويت داخل الحلف الاطلسي، الا ان الدول التي حصلت على عضوية الانتساب الى حلف الاطلسي تدرك جيداً انها لن تستطيع القيام بأي دور يخرج عن ما يرسمه الحلف وقيادته السياسية والعسكرية ـ اي القيادة الاميركية ـ لدوره الآخذ في الاتساع عالمياً ابتداءً من التوسع في المنطقة، التي يطلق عليها الاميركيون منذ سنوات تزيد على العشر في كتاباتهم الرسمية اسم «الشرق الادنى والشمال العربي الأفريقي».
الآن اصبح من واجب كل انسان عربي ان يعي ان «ظاهرة الاختراق الاجنبي» للجامعة العربية ظلت ملازمة لوجود الجامعة منذ نشأتها الاولى. لكن هذه الظاهرة لم تبلغ مستوى التغلغل الذي بلغته في الفترة الاخيرة التي تلازمت مع انفراد «حلف الاطلسي» تحت التوجيه الاميركي، خاصة بالنفوذ الاستراتيجي والعسكري والسياسي، بالتوسع الجغرافي على حساب الدول التي اختارها الحلف في اوروبا نتيجة انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي، وعلى حساب الدول التي اختارها الحلف في منطقة الخليج النفطية العربية وفي الشمال العربي – الافريقي. وقد تلازم هذا التوسع مع توغل النفوذ الاميركي في المنطقة العربية بصفة خاصة كنتيجة مباشرة لما اسمي بأحداث «الربيع العربي». لقد وفر «الربيع العربي» للغرب كل الفرص اللازمة لفرض هيمنة اكيدة على دول النفط الخليجية وعلى مصر وليبيا وتونس والمغرب العربي كله. ولا تكاد تبدو في الصورة ملامح مقاومة لهذه السيطرة.
لكل هذه الاسباب مجتمعة فإن متابعة ما يجري من صراع في مصر له اولوية قصوى على كل ما عداه لمعرفة ما اذا كانت الولايات المتحدة ستجبر مصر تحت حكم «الاخوان المسلمين» على قبول ما تمليه اميركا على «العالم العربي»، ام انها ستجد نفسها مضطرة للتخلي عن الإخوان. وهنا يصبح السؤال: لمصلحة من؟

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى