بين قوسينكتاب الموقع

القولبة ..

القولبة..(( الله يرحم أيام زمان .. كنا على القنوات التلفزيونية المحلية بلا ديشات وبلا انترنت .. نعيش بسلام دون أن نعرف  ما يجري خارج حدود هذه البلد ..!!! أما اليوم فقد زاد الفلتان وأمراض القلب نتيجة الضغوطات التي نعيشها بمعرفة كل ما يجري حولنا في العالم من مصائب  )) من أقوال أمي .. لتعطيني فكرة لمقالي اليوم ..

منذ ما يقارب الربع قرن تقريباً، ومع بداية ظهور الانترنت والاتصالات والتواصل برز مصطلح العولمة .. تداوله العالم وتحول لاستراتيجية عالمية وسياسة تقوم  على الانتقال من حدود بلدنا الضيق الى  اللا حدود .. حيث تستطيع عبر الكيبورد أو الريموت كونترول الانتقال الى أي مكان في العالم لترى وتشاهد وتسمع ما يجري هناك من أتفه حدث الى أعظمه، ومن توريث قط ثروة تقدر بملايين الدولارات  الى انهيار أعظم الدول في العالم .. ولتستطيع التواصل والاتصال بأبعد نقطة مسكونة على سطح الأرض الى أن تعيش على ظهر أحد الكواكب والمجرات.
تقنية ألقت بظلالها على كل ما حولنا وعلى نمط حياتنا وأسلوب تفكيرنا  ليتحول العالم حقاً الى قرية صغيرة .. لنتشارك الحزن والفرح ..المأساة والأمل..ولنتبادل المعلومات والقيم والمبادئ والأفكار ..
استفاد الغرب وعلى رأسها أميركا مخترعة التقنية من هذه الاستراتيجية لتدخل من خلالها الى العالم وتروّج فكرها وقيمها ومبادئها سواء عبر الاعلام أو الانترنت ليظهر مصطلح الأمركة والذي يوازي العولمة فأصبحت اللغة الانكليزية الأميركية لغة عالمية ولغة التواصل، وأصبح المثل الأعلى في الحرية والديمقراطية والحياة الرغيدة هي النموذج الأمريكي سواء بترويج أسلوب اللبس أوالتصرف أوالتفكير.
إعلام ورسائل و وسائل اتصال فتحت عيون الشعوب في بلدان العالم الثالث وعلى رأسها بلداننا العربية لتقارن بين حياتها وحياة الغرب وبين تطورها وتطور الغرب ليظهر في المجتمع العربي خطان متناقضان ناتجان عن هذه العولمة :
1- الخط المنفتح من طالب ويطالب بتطبيق هذه النماذج التي يعتبرها تجارب رائدة في الحرية والديمقراطية وتطور الانسان واحترام حقوقه.
2- الخط المحافظ الذي شكل عنده هذا الانفتاح رد فعل معاكس ليكون ضد العولمة والأمركة وليجد في الردة والعودة للأجداد والسير على طريقهم وسيلة دفاع تلائم خوفه من ضياع هويته الوجودية والدينية والعقائدية في خضم هذا الانفتاح واللذي يعتبره فلتاناً  غير مسبوق وضياعاً للمبادئ والقيم.
هذا الخطان اللذان جاءا نتيجة العولمة تشكل بينهما صراع كان خفياً في المجتمع نفسه ، بدأت اليوم ملامح هذا الصراع تظهر جلية بين تيار علماني ..وتيار ديني ..مع أول ثمار الربيع العربي … لنجد في مصر .. تونس .. ليبيا واليمن صراعاً بين التيارين السابقين على السلطة ونظام الحكم.
هذا الصراع طبيعي وغير مستغرب بسبب حساسيات المجتمعات الاستبدادية والقائمة على حكم الفرد أو العائلة أو الدين ..فبسبب انعزالها وعزلها وقمعها، وبسبب غياب ثقافة المنطق والبحث والاكتشاف القائم على التجربة والانطلاق من الواقع المجتمعي الحقيقي، حيث لكل مجتمع خصوصية وبيئة تختلف عن مجتمع أخر ولا يمكن تطبيق اي تجربة في بلد على بلد أخر دون تعديل ودون الاخذ بعين الاعتبار عوامل البيئة والعادات والثقافة والتقاليد،  لذلك وعند أول فرصة نجد تقليداً أعمى .. أشبه بالقولبة .. لينتج عنها نماذج لا تشبهنا ولا تمثلنا.
هناك فرق كبير بين العالمية القائمة على مبدأ التشارك وتبادل المعلومات والثقافات والحضارة وبين العولمة القائمة على الترويج لثقافة وفكر أحادي وتعميمه على كل المجتمعات باختلاف بيئاتها لتصبح متطبعة ومنفعلة وليست فاعلة ومؤثرة .. هذه القولبة التي مارستها امريكا باسم العولمة مستغلة حاجة الشعوب العربية للانفتاح والتطور أفرزت هذان التياران اللذان بصراعهما اليوم يجسدان نقاط ضعف شعوبنا والخوف من التغيير والتجديد المتجسد بالخوف من الأخر .. على أي حال هناك وقت لا بد أن يمضي قبل أن تتحول مجتمعاتنا العربية الى العالمية لأقول لأمي السلام نصنعه بوعينا وبمعرفتنا أن هذه التقنية رغم من يسيء استخدامها هي  طريقنا الى العلم والمعرفة والتواصل مع كل من نحب حول العالم.
بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى