المخاض السوري ولعبة الموت (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف


بعد أن كان كل واحد منهما يسعى إلى القضاء على الآخر نهائيا، يبدو طرفا الحرب في سوريا التقليديان (الجيش النظامي والجيش السوري الحر) الآن أقرب إلى محاولة السباق مع الوقت لتحقيق انتصارات عسكرية محدودة منها إلى الحلم بتحقيق نصر نهائي بات بعيد المنال بالنسبة السوريين، أياً كان موقعهم.
فما انتهت إليه المعطيات على الأرض تؤكد أن السوريين كانوا قد خسروا حربهم. وهو ما يعني أنهم سيذهبون جميعا إلى جنيف مهزومين. وهو الواقع الذي سعت الأطراف الدولية مجتمعة على انجاز صورته. وهي الصورة التي لن يغادر خيالها المأساوي ذاكرة كل من ساهم عمليا في تكريس الخيار العسكري حلا لأزمة سياسية، كانت قد تفاقمت عبر عقود من الحكم الاستبدادي.
سوريا التي يذهب الآن سياسيو النظام والمعارضة إلى جنيف من أجل اقتسام السلطة الانتقالية فيها هي بلد مدمر. بلد اخترقته الميليشيات المسلحة القادمة من كل بقاع الأرض من أجل أن تعيث به فسادا. وهو الفساد الذي لم يكتف بإزهاق الأرواح وتشريد الملايين وتدمير البنية التحتية التي كانت أصلا هشة، بل تجاوز كل ذلك إلى تمزيق النسيج الإجتماعي الذي كان منسجما على أساس التراضي التاريخي وليس اعتمادا على مبدأ المواطنة الذي لم يكن قائما في العقل السياسي الحاكم.
سيذهب سوريون إلى جنيف لا من أجل ترميم ذلك النسيج، بل من أجل ترويض غريزة القتل. وهو هدف ليس من السهل الوصول إليه في ظل استقواء الجماعات الدينية المسلحة بالمساحات الشاسعة التي سيطرت عليها من التراب السوري.
القناعة التي انتهى إليها النظام الحاكم في دمشق هي نفسها التي صارت تتحكم بقرار المعارضة الرسمية (المعترف بها دوليا). وهي قناعة صارت تستبعد أن يكون الحل العسكري ممرا سالكا للوصول إلى سوريا موحدة بشعب واحد.
كل الشعارات التي رفعها المحتجون السلميون السوريون لم تعد صالحة للتداول.
لم يعد الحديث عن شعب سوري واحد ممكنا، بعد أن شن حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية مدعومين من ايران الحرب على الشعب السوري تحت لواء شيعي وبعد أن أقامت جبهة النصرة وداعش اماراتها السنية.
وكما أرى فان ما يجرى على الأرض السورية من فجائع انما يميل إلى توزيع ارادة السوريين بين معسكرين، كلاهما لا يقبل بسوريا موحدة إلا من خلال شروطه التي لا تمت بصلة إلى الأهداف السامية التي كان الشعب السوري يرنو إلى الوصول إليها يوم خرج إلى الشوارع محتجا ومطالبا بالإصلاحات السياسية. كانت الحرية قبضته التي لوح بها مزهوا.
لم تكن الثورة السورية ثورة جائعين فإذا بها تنتج شعبا جائعا.
لقد أُكره الشعب السوري على النزوح السلبي وهو الشعب الذي أزهرت باقامته بقاع عديدة حول العالم. أُكره على الكراهية وهو الشعب الذي نثر شعراؤه ياسمين حبهم عبر العالم. أُكره على قبول المساعدات الغذائية وهو الذي كان يصدر الغذاء إلى العالم.
"هل ستنتهي لعبة الموت بعد جنيف؟"
هذا هو السؤال الوحيد الذي صار يشغل الجزء الأكبر من مساحة التفكير لدى الذاهبين إلى جنيف من السوريين. المهم أن توقف آلة القتل هذيانها.
لا أحد من السوريين في إمكانه اليوم أن يتساءل عن مستقبل سوريا في ظل تمدد الجماعات الارهابية التي لا تزال صنوف من المعارضة تتمسك بها معتزة بما قامت به من عمليات ازاحة للجيش النظامي.
حتى لو اتفق المجتمعون في جنيف على حل سياسي مقنع لجميع الأطراف، فإن سوريا لن تخرج من المتاهة التي دخلت إليها. فالأطراف الأقليمية والدولية التي ستحضر ذلك المؤتمر وفي مقدمتها الجهات الراعية والضامنة لمقرراته كانت ولا تزال متورطة في صنع صورة واقع كارثي في سوريا لا يمكن احتواؤه بقرارات سياسية.
سيكون المخاض السوري عسيرا حتى لو أنتهت لعبة الموت.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى