المرحلة الانتقالية الحساسة في مصر (الياس سحاب)

 

الياس سحاب

حسنا فعل الناطق الاعلامي بلسان رئيس جمهورية مصر الموقت عدلي منصور، عندما أطلق تصـريحا وصف فيه أن التدخلات الخارجية في شؤون مصر الداخلية قد تجاوزت في الفترة الاخيرة جميع الاعراف الدولية.
والحقيقة ان لعبة التفاعل بين الاحداث الداخلية لمصر والتدخلات الخارجية، لم يكن مصدرها الوحيد الشهية المفتوحة للقوى الدولية الكبرى، كما لبعض القوى العربية المنتشية بنفوذها في هذه الايام، لكن لها مصدرا آخر، يكتسب الاهمية نفسها، هو ذلك التصرف البالغ الغرابة الذي تنطلق فيه جماعة «الاخوان المسلمين» في مصر، لاستدعاء اي تدخل خارجي بأي ثمن لمحاولة انقاذ فقدانهم للسلطة، مما يتجاوز حدود المعقول والمقبول والمنطقي في العمل السياسي، لدرجة ان نداءات بالتكبير (الله أكبر) ارتفعت بحماس هستيري في اعتصام رابعة العدوية قبل أيام، لمجرد سماع شائعة تتحدث عن اقتراب بوارج اميركية من ميناء الاسكندرية.
واذا كان خروج عشرات ملايين الجماهير المصرية في كل من «25 يناير» 2011، ثم «30 يونيو» و«26 يوليو» 2013، هو تعبير عن تحول ثوري مؤكد وعميق في أرض الكنانة، بما يؤكد خروج مارد الشعب المصري من قمقمه هذه المرة (رغم الدور المكمل للقوات المسلحة بشكل سلبي في المرة الاولى، وايجابي في المرة الثانية)، اذا كان حدث التغيير الثوري قد فرض نفسه بشكل واقعي وملموس ومحسوس، فان ما يثير القلق هو مدى المرحلة الحساسة التي ستصل بين التحركات الثورية الجماهيرية المظفرة في العامين 2011 و 2013، وبين بداية ظهور واستقرار التحولات التي نشرت وتشير إليها هذه الاحداث الثورية العظيمة.
نحن الآن امام مشهد مصري تبرز فيه أربع قوى سياسية، واضحة المعالم:
جماهير الشعب المصرية التي تتحرك بسهولة مدهشة في العامين الاخيرين، وبعشرات الملايين، عندما يقتضي الامر ذلك، فلول نظام حسني مبارك البائد، جماعة الاخوان المسلمين، التي فقدت السلطة بعد عام واحد من الفشل الذريع، والقوات المسلحة المصرية، التي اختلف موقعها جذريا من «الاخوان المسلمين» وسلطتهم السياسية، بين عهدي حسين طنطاوي سابقا، وعبد الفتاح السيسي حاليا.
واذا كانت الثقة الاكبر في المدى البعيد هي لسلطة الجماهير المصرية الغفيرة، التي اثبتت مرارا قدرة مدهشة على التحرك الايجابي بكل معنى الكلمة، فإن حساسية المرحلة الانتقالية، التي يصعب اجراء حساب دقيق من الآن لمداها الزمني، تدعو إلى القلق من احتمالات احداث مزعجة ليس فقط بسبب تفاعل العوامل المصرية الداخلية، ولكن ايضا بسبب تلك الشهية الغريبة والفظة لحملات التدخلات الخارجية، التي تدخل فيها دول كبرى وصغرى، بعيدة وقريبة، مما يثير القلق أكثر مما يثير الراحة.
ان في مدى تحمل السلطة المصرية الانتقالية الحالية ضغط التدخلات الخارجية، ورد هذا الضغط الى نحره بالتي هي احسن، يكمن مدى قدرة هذه السلطة الموقتة، مدعومة بالتفويض الجماهيري الهائل، على الامساك بحزم وحنكة بتلابيب تطور الاحداث الداخلية في مصر، وصولا الى بر الامان المنشود الذي تنتقل فيه كبرى الدول العربية، من المرحلة الانتقالية الضرورية، الى مرحلة الاستقرار التي ينظر اليها العرب المعاصرون بلهفة وترقب، ليس حرصا على مصر وحدها، بل حرصا على الحاضر والمستقبل العربيين، اللذين ينتظران عودة مصر الى ممارسة دورها التاريخي المعاصر في وطنها العربي.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى