كتاب الموقعكلمة في الزحام

المهنة: محلّل سياسي

المهنة: محلّل سياسي … يتفشّى الوباء فيظهر المتطبّبون والرعوانيون والمشعوذون, يعمّ الخراب فينتعش أنصاف المقاولين وأشباه البنّائين, تسود المجازر وتنتشر رائحة الموت فتنشط تجارة التوابيت والأكفان, يغيب جمال الروح فتزدحم عيادات أطبّاء التجميل بطالبات الشفط والنفخ والتكبير والتنحيف …..وتمجيد الجسد الفريسة.

قس على ذلك في السياسة وأحداثها, فما أن يتأزّم الوضع حتى ينبت المحلّلون –كالفطر- أمام الكاميرات والميكروفونات وغيرها من وسائل الإعلام والمواقع الباحثة عمّن يملأ فضاءاتها الافتراضيّة.  إذن, وبناءا على ما تقدّم، لا غرابة اليوم أن تصادف في بلادنا العربية سمكريّا أو بقّالا أو خضريّا أو كهربجيّا, يرطن بالسياسة, يحلّق ويتعمّق في تحاليله وقراءاته للوضع السائد وهو ينشّ الذباب من حوله وقد كسدت تجارته وتوقّفت حرفته وتعطّلت وظيفته بفعل الوضع الذي أفرغ جيوبه من النقود وملأ رأسه بالمزاعم والتأويلات.أمّا الأطرف من ذلك فإنّ أساليب التحليل والقراءة السياسية تختلف باختلاف المدارس التي تحكمها المناهج والمصالح والايديولوجيات, فجاري أبو شفيق بائع الموبايلات مثلا, يجلس خلف طاولته ويمسك بالقلم بين يديه مستعينا ببعض المفردات المصرية ويقرأ الوضع على طريقة حسنين هيكل, أمّا حسام الحلاّق فما ينفكّ يذكر في صالونه اسم الصحفي البريطاني –ذائع الصيت- (روبير فيسك) وقد اكتشف اسمه حديثا, وكثيرا ما كان يصطدم مع صانعه الذي لا يخفي اعجابه بالمحلّلين اللبنانيين ويستعير لهجتهم كلما حشره معلّمه في الزاوية ….وكثيرا ما كنت أهدّئ اللعب بين الاثنين كلما حمي وطيس النقاش, أثني على رحابة صدر المعلّم وأطلب منهما استراحة قصيرة لشرب الشاي (أي بريك) بلغة الفضائيات و(تي تايم) على طريقة الانكليز. لا أحد ينكر هول هذه الكارثة في بلاد كان يضرب بها المثل في (الأمن والأمان), هل كنّا نجلس فوق برميل بارود ونظنه أريكة مريحة, هل كان سكوتنا رضى أم غليانا, هل استيقظت الفتنة النائمة, ومن أيقظها يا ترى؟ ,هل قدّر للعرب أن تكون كراسيهم دون (تيفال) ومعارضاتهم دون حوار وألسنتهم إمّا مقطوعة أو دون لجام…. لماذا ولدتنا أمهاتنا غلاة في الطاعة وغلاة في الموالاة…؟. (المحلّلون السياسيون) في بلاد العرب مثل محلّلي الدم والبول و(….) في المخابر التجارية الرخيصة, ينبّهون لوجود داء غير موجود أو يبشّرون بصحّة جيّدة ووهميّة (تفتك) بالمريض المغفّل فور خروجه من مخابرهم الخلّبيّة.

صار العرب يصدّرون الفائض من المحلّلين السياسيين إلى مختلف فضائيات العالم بعد أن تجاوزوا مرحلة الاكتفاء الذاتي على حساب القطن والقمح والنسيج والسياحة والدراما التلفزيونية.

شخصيا, لم أتمالك نفسي عن الإدلاء بدلوي أمام أبناء حارتي من المحلّلين المتحمّسين, وكثيرا ما كنت أصطدم مع جاري اللحّام ذي الرأي المتشدّد …أمّا جاري البقّال وبائع السجائر فكان غالبا ما يلين ويوافقني الرأي كلّما سدّدت له دينه وابتعت من دكانه.

لكنّ لا أحد ينكر أن البلاد العربية تعيش اليوم حالة من الاصطفاف السياسي لكلّ حيّ وحارة حسب المنافع الاقتصادية والتلوينات المذهبية والاجتماعية التي لم تعد مخفيّة على أحد, فغالبا –وللأسف الشديد- ما تتعارض وتتصادم آراء وطروحات : (أبو عمر مع أبو حسين مع أبو سلمان مع أبو غسّان مع أبو حسكو مع أبو اسماعيل مع أبو سنحريب)….وقد يعودون للحوار إن هم قبلوا بمصالحة يقترحها عاقل ينتمي إلى مدرسة الحكمة ويتمنّى الخير والأمان لكلّ أبناء الحارة.

قد يكون(المحلّلون) هم المرض والمرضى, فلنتجنّبهم قدر الإمكان ونكتفي بالصبر والدعاء لنا ولهم …وعلى الذي كان سببا في وجودهم.

كلمة في الزحام:

قيل للعسكري لماذا تستخدم السلاح في وجود السياسيين,فأجاب: إنما جئت لأحلّ ما عجز عنه السياسيون.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى