كتاب الموقعنوافذ

برلمان الهواء الطلق


برلمان الهواء الطلق … هذا النص الثاني حول الانتفاضة المصرية وتاريخه يعود إلى 7 آذار \مارس2011 وبإمكاننا ملاحظة الآمال كيف تنشأ وتسير، وماذا يحل بها!؟
……………………….
الشاعر أحمد فؤاد نجم بكى وهو في السجن عندما سمع نبأ وفاة عبد الناصر وهو يقول:” لا أعرف سبباً لذلك. بكيت على وفاة سجاني”. وبعد أســبوع جاءت أمه الأمية لزيارته في السجن، لاحظ تورم واحمرار عينيها. فسألها عما بها، فقالت: ما سمعت بموت عبد الناصر؟ بكيت عليه كل الوقت. فقال: أتبكين يا ولية على سجان ابنك؟ فقالت : ياحمار هذا عمود البيت.
وبهذه الجملة فتحت الأم المصرية الأصلية فم الشاعر المصري الأصلي، فكتب واحدة من أجمل القصائد غير المشــهورة عن جمال عبد الناصر.
وعندما سئل عن ابنته، التي نزلت إلى ميدان التحرير، أثناء الثورة. قال: هذه البنت مكافاة نهاية الخدمة. لقد تعبت من حب مصر، كل هذه السنين، لكنني كوفئت!
أحياناً نحتار في تفســير الأحداث ، وخاصة تلك التي بمنزلة الثورات. والتغييرات الكبرى.
وعندما سئلت عن فهمي لما يحدث، بوصفي أحد افراد الجيل الذي استمع طويلاً إلى الشــيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين . وكنا نعتقد أن الثورة على الدنيا تختبىء بالقرب من الأغنية الحارة، وتلطأ في زاوية من شعارات التغيير ، قلت : ما يحدث ليس اختراع اللحظة. ليس الابن اليافع لوسائل الاتصال الحديثة ، ليس الرغيف المتدحرج أمام الفقراء أسرع من أقدامهم. ليس البطالة. ولا انعدام العدالة !…ثمة وجود لكل صنف من تلك المكونات البركانية… ولكن ثمة التراكم، التضحيات، والأشعار، والأغنيات.
ثمة الرموز والنشيد الذي عمره نحو القرن” بلادي بلادي” وما يزال يدفىء حنجرة الوطني العربي في كل مكان. ثمة طه حسين، وعلي عبد الرزاق، وسعد زغلول ، ثمة عمال حلوان . وإضرابات ” الحرامية ” كما ســماهم السادات. وثمة العبقرية العسكرية المصرية في عبور القناة. كل هذا يصب، في اللحظة الناضجة في ميدان التحرير …  فتحدث الثورة التي لها ألف أب وألف أم في زمن الولادات الجســور، وفوق أحـرف الكتابة ، التي حلمت بالحرية أكثر مما يعتقد المدحرجون رغيف الخبز أمام الفقراء.
لا أعتقد أن هناك في الماضي البشري ما يشبه” البرلمان العظيم” في الهواء الطلق : ” برلمان ميدان التحرير” القابل دائماً للانعقاد ، خالياً من رعاعية
الجمهور، و قطيعية الحشود ،وتوترات أصحاب الاحتياجات! الميدان البرلمان، الباسم. الهادىء. الراقي. الساخر. الجدي والدقيق.
هذا ســيكون برلماناً ملهماً ، ليـس للعرب وحدهم ، بل لكل البلـدان وكل الأجيال. إنه هوية عصر، علامته الفارقة المؤشرة والوحيدة هي : حاجة البشر العضوية… للحرية!
هذا البرلمان ذهب إلى رئيس وزراء مستقيل ليقول له شكراً على محاولتك النظيفة.
هذا البرلمان استقبل رئيس الوزراء الجديد ليقول له: أهلاً … حاول!
هذا البرلمان… لم يغير مصر، بل أعاد إليها ما تؤكده الجملة الشعرية التالية لأحمد فؤاد نجم :
” اللي خلق مصر كان بالأصل…حلواني”.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى