بوتين ومحاولات ترميم العلاقات مع إيران(هاني شادي)

 

هاني شادي

من المتوقع أن يزور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، طهران قبل منتصف شهر آب المقبل، وستكون هذه الزيارة هي الثانية لبوتين إلى إيران بعد زيارته الأولى في العام 2007. ويُذكر أنه قبل العام المذكور لم يتردد على العاصمة الإيرانية أي زعيم سوفياتي أو روسي منذ مؤتمر طهران في العام 1943، الذي شارك فيه ستالين مع كل من روزفلت وتشرتشل. ويعتقد أن الرئيس الروسي سيسعى إلى ترميم العلاقات بين موسكو وطهران بعدما أصابها من سلبيات في فترة حكم سلفه دميتري ميدفيديف ورئاسة أحمدي نجاد في إيران. فمن المعروف أن ميدفيديف، وتحت ضغوط أميركية وإسرائيلية، هو من أوقف صفقة بيع صواريخ «إس ـ 300» لطهران، كما أنه وافق على فرض عقوبات أممية إضافية على إيران، وأصدر مرسوماً بحظر بيع أنواع معينة من السلاح الروسي للحكومة الإيرانية في العام 2010، وهذا دفع أحمدي نجاد لكيل الانتقادات اللاذعة للسياسة الروسية، وسارع الكرملين آنذاك بالرد «بعنف» على هذه الانتقادات في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الروسية الإيرانية على مدار العشرين سنة الأخيرة. فقد وصف سيرغي بيريخودكو، مستشار الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف للشؤون الخارجية في العام 2010 انتقادات نجاد بأنها ديماغوجية، نافياً ما ذكره الرئيس الإيراني من خضوع روسيا للولايات المتحدة الأميركية. وبعد ذلك وصف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، التي قال فيها إن روسيا يمكن أن تصبح «عدواً تاريخياً» لإيران بأنها «صادرة تحت تأثير الانفعالات»، مشدداً على أن بلاده لا تسير إلا في ركاب مصالحها العليا. تصريحات نجاد الناقدة لروسيا، وتصريحات المسؤولين الروس الناقدة لنجاد عبرت بوضوح حينذاك عن أزمة في العلاقات الروسية الإيرانية.
وكانت هذه الأزمة في تلك الفترة انعكاساً واضحاً لتحسن العلاقات بين موسكو وواشنطن. فمع وصول باراك أوباما إلى السلطة في أميركا، ووصول ميدفيديف إلى عرش الكرملين في روسيا تغير الموقف الروسي من إيران وملفها النووي بشكل ملحوظ. فالتقارب الروسي الأميركي تمخض عن توقيع «ستارت» الجديدة، وإحجام واشنطن عن التدخل في أوكرانيا التي عادت عبر الانتخابات الرئاسية إلى أحضان موسكو، وجرى تعليق التحاق جورجيا وأوكرانيا بحلف «الناتو» إلى أجل غير مسمى، وأقرت الولايات المتحدة بأن لروسيا مصالح في آسيا الوسطى والقوقاز. وقبل ذلك كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد علق نشر عناصر من الدرع الصاروخية في بولندا وتشيكيا. كل هذا كان يتطلب من موسكو تقديم مقابل لواشنطن، الذي تمثل في تأييد فرض عقوبات أممية جديدة على إيران ووقف بيع صواريخ «اس ـ 300». ولذلك تعالت أصوات في إيران تطالب بتخفيض حجم التعاون العسكري مع روسيا والبحث عن شركاء آخرين وتطوير الصناعة العسكرية الإيرانية بجهود ذاتية. ووصل الأمر بطهران الى التوجه للقضاء للمطالبة بتعويض مالي من موسكو يقدر بــأربعة مليارات دولار عن الأضرار التي لحقت بها جراء إلغاء صفقة «إس ـ 300». ويذكر أن التعاون العسكري بين موسكو وطهران لا يقتصر على صواريخ «إس ـ 300»، وإنما يمتد إلى صفقات وقعت بين الجانبين بشأن شراء طائرات «ميغ-29» و«سوخوي-24»، بالإضافة إلى ما يمتلكه الجيش الإيراني من دبابات روسية الصنع تحتاج إلى قطع غيار وصيانة. وفي خضم هذه الأزمة توقع الكثير من الخبراء العسكريين الروس بأن تصل خسائر روسيا من إيقاف التعاون مع إيران في المجال العسكري إلى ما بين 11 و13 مليار دولار. ولذلك، نرى، أن بوتين سيحاول أثناء لقائه مع روحاني التوصل إلى تفاهمات بشأن مبيعات أسلحة روسية جديدة إلى إيران، خاصة في ظل تراجع النمو الاقتصادي في روسيا.
في الوقت نفسه سيحاول بوتين أيضاً التطرق إلى الملف النووي الإيراني وسبل حل المشاكل المتعلقة به، خاصة في ظل عدم حدوث تقدم ملموس في المفاوضات بين إيران والغرب. ويبدو أن زعيم الكرملين سيجس نبض الرئيس الإيراني الجديد في ما يتعلق بإمكانية دفع تلك المفاوضات إلى الأمام وتحريك المياه الراكدة التي سقطت فيها. فمن المعروف أن موسكو وواشنطن تتفقان على عدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، ولكن موسكو على عكس واشنطن ترفض رفضاً باتاً أي حلول عسكرية للملف النووي الإيراني. وفي هذا الصدد معروف أيضاً أن روسيا حذرت إسرائيل غير مرة من توجيه ضربات عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية.
من القضايا الأخرى التي سيحاول بوتين حلها في طهران، قضية الخلاف حول تحديد الوضع القانوني لبحر قزوين وتقاسم ثرواته من موارد الطاقة. فهذه المشكلة نشأت إثر انهيار الاتحاد السوفياتي نهاية العام 1991، حيث ظهرت على سواحل بحر قزوين بالإضافة إلى روسيا وإيران ثلاث دول مستقلة أخرى، هي أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان. وتتفق روسيا وأذربيجان وكازاخستان على تقسيم قاع البحر وفقاً لطول الساحل لكل دولة من الدول الخمس المطلة عليه، غير أن إيران لا توافق على هذا المبدأ وتطالب بالتقسيم المتساوي. هذا الخلاف يعيق بعض الشيء استثمار ثروات قزوين، وإن كانت بعض دوله (أذربيجان على سبيل المثال) بدأت الاستثمار بغض النظر عن عدم تحديد الوضع القانوني للبحر. وبالرغم من هذا الخلاف على التقسيم فإن روسيا وإيران تتفقان على ضرورة منع التواجد العسكري للدول غير المطلة على البحر في منطقة قزوين، والمقصود هنا بالطبع الولايات المتحدة.
يتوقع أيضاً أن يواصل بوتين التنسيق مع طهران بشأن الأزمة السورية والسبل الممكنة للخروج منها. فمن المعلوم أن الموقفين الروسي والإيراني مما يجري في سوريا يتشابهان بدرجة كبيرة، وإن كانت طهران، كما يبدو لنا، أكثر تمسكاً ببقاء الأسد في الحكم. إن زيارة بوتين المرتقبة إلى طهران قد تكون فرصة هامة لترميم ما يسمى بالشراكة الإستراتيجية بين البلدين، على خلفية الخلافات المتزايدة بين موسكو وواشنطن منذ عودة بوتين إلى الكرملين العام الماضي.

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى