تخبّط وتوجّس بتل أبيب

يتنافس المُحللون والخبراء وحتى صنّاع القرار في تل أبيب في المحاولات لتفسير الهزيمة الإسرائيليّة في كلّ ما يتعلّق بسوريّة. فجميع رهانات الدولة العبريّة سقطت الواحد تلو الأخر، وما زال الحبل على الجرّار، إذْ أنّ التمدّد الإيرانيّ يقُضّ مضاجع المُستويين الأمنيّ والسياسيّ في دولة الاحتلال، لعلمهما بأنّ طهران انتصرت في سوريّة، ومعها بطبيعة الحال، حزب الله، الذي صنّفته تل أبيب كأوّل عدوٍ لها في المنطقة.

وفي هذا السياق، اختصر المحلل الإسرائيليّ للشؤون الأمنيّة يوسي ميلمان واقع الحال بوصفه زيارة الوفد الأمنيّ الإسرائيليّ الأخيرة بقيادة رئيس الموساد إلى واشنطن لبحث نفوذ إيران وحزب الله في سوريّة بأنّها مشاركة في جنازة دفن السياسة الأمريكيّة في سوريّة، بحيث أنّ المعزّين هم الأمريكيون، والثكلى هي إسرائيل، على حدّ تعبيره. ولجهة روسيا قال ميلمان: فرص نتنياهو في إقناع بوتين بطرد إيران من سوريّة هزيلة، ومجال المناورة الإسرائيليّة في هذا الموضوع محدود، فهو متعلّق برحمة بوتين. وخلُص إلى القول إنّ الحرب لا تلوح في الأفق، لكن وضع إسرائيل في جبهة الشمال المنقسمة بين لبنان وسوريّة أصبح أكثر خطورةً.

ميلمان قال نقلاً عن جهات استخباراتية إسرائيلية إنّ روسيا سمحت بدخول قواتٍ إضافيةٍ من حرس الثورة، إلى سورية، وذلك على ضوء المعركة شرق سورية، حيث لا يزال تنظيم “داعش” يتواجد هناك. وبحسب الاستخبارات الإسرائيلية، تابع، فإنّ الوجود والتأثير الإيرانيّ في سورية، سيزدادان في المستقبل، طالما استمرّت السياسة الروسية بخصوص العمل على دعم النظام وتعزيز استقراره، وتمكينه من استعادة السيطرة على سورية كلها.

في السياق عينه، قال المُستشرق الإسرائيليّ، إيهود يعاري، المُرتبط بالمؤسسة الأمنيّة في تل أبيب، قال أنّه لا زالت نتائج الحرب الأهلية الدائرة رحاها في سوريّة غير واضحة حتى الآن، لكن الواضح أنّ إسرائيل تلقّت هزيمة فيها لأنّها تأخرت كثيرًا في فهم ما يجري، وفهم أبعاد وتأثيرات الدخول الإيرانيّ للساحة السورية منذ 2012، وفقًا لتعبيره.

يعاري، مسؤول ملف الشؤون العربيّة في القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيليّ، تابع قائلاً إنّ الجنرال قاسم سليماني مسؤول عمليات الحرس الثوري الإيرانيّ خارج الحدود الإيرانيّة، يُعتبر شخصًا لا يحب الظهور الإعلاميّ ومقل في الحديث، لكنّه قال في خطابه الأخير الذي ألقاه هذا الأسبوع إنّ جهات عديدة في إيران عارضت التدخل في الحرب السورية، معتبره هذا التدخل نوعًا من المغامرة، لكن الآن بات من الواضح للجميع أنّ الأمر يتعلق بقصة نجاح، قال يعاري في باب توضيح مقصده.

وتابع المُستشرق قائلاً: نحن في إسرائيل حصدنا الفشل والسقوط لأننّا نعاني من أعراض حرب لبنان الأولى، فكأن بإمكان إسرائيل أنْ تخلق وضعًا يكون فيه الـ”متمردون”، ليس القاعدة وداعش، أصحاب الكلمة والسيطرة المطلقة في عموم جنوب سوريّة وصولاً إلى ضواحي ومداخل دمشق، لكن إسرائيل لم ترغب بالقيام بذلك لأنّها تخشى العمل خارج الحدود، على حدّ قوله.

وأضاف: النتيجة الآن هي أنّ هؤلاء المتمردين لم يعودوا عاملاً مؤثرًا، وتصفية تأثير المتمردين المعتدلين نهائيًا مسألة وقت ليس إلّا، واقصد هنا ما كان يعرف بالجيش السوري الحر. الإيرانيون ينتشرون في سوريّة يقيمون جسرًا بريًا من إيران إلى هضبة الجولان وحزب الله في لبنان، كما يوجد لديهم في سوريّة 200 ألف مقاتل من المليشيات الشيعية المختلفة.

وخلُص المُستشرق إلى القول إنّه قريبًا سنرى قواعد استخباراتية إيرانيّة وتواجد قتاليّ إيرانيّ في شوارع سوريّة، ويبدو أنّ هذا الأمر تجاوز مرحلة إمكانية قيام إسرائيل بمواجهته، وتجاوز قدرات إسرائيل على منع تمركز إيران في سوريّة المفتتة، لكن لا زال بإمكاننا إعاقة هذه التمركز ليس أكثر، وفقًا له.

وجهة نظر أخرى، مُغايرة تمامًا لحلّ مشكلة التهديد الإيرانيّ المُنطلق من سوريّة، عرضها اليوم المُحلل إيتان هابر، رئيس ديوان رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق، يتسحاق رابين، حيث قال في صحيفة (يديعوت أحرونوت) إنّ الطريقة الأنجع والأمثل لحلّ المُعضلة الإيرانيّة في سوريّة هو تبنّي المبادرة السعوديّة، أيْ العربيّة، من قبل الحكومة الإسرائيليّة، بهدف توقيع اتفاقيات سلام مع الدول العربيّة السُنيّة المُعتدلة، لكي تتشارك مع الدولة العبريّة في وقف التمدد الإيرانيّ.

وتابع هابر قائلاً إنّ دولة الاحتلال وقعّت على اتفاقيتي سلام مع كلٍّ من الأردن ومصر، ومنذ توقيعهما فإنّ الحدود مع هاتين الدولتين العربيتين هادئةً، وبالتالي فإنّ توقيع اتفاقيات سلام أخرى مع دولٍ عربيّةٍ أنجع لمواجهة إيران وحزب الله، انطلاقًا من أنّ تلك الدول، العربيّة السُنيّة المُعتدلة، ترى في إيران العدّو رقم واحد وحزب الله في المكان الثاني، على حدّ تعبيره.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى