تخطيط سياسة الشرق الأوسط لإدارة أوباما في فترة ولايته الثانية مذكرة من عضو وهمي في “مجلس الأمن القومي” الأمريكي (روبرت ساتلوف)

 روبرت ساتلوف


كلف الرئيس أوباما عضواً شجاعاً من أعضاء "مجلس الأمن القومي" بوضع مخطط لسياسة الشرق الأوسط للإدارة الأمريكية في فترة ولايته الثانية، فقد يكون شيئاً من هذا القبيل:
 
الدروس الأربعة المستفادة من فترة الرئاسة الأولى
بقدر ما نود أن يكون الأمر على هذا النحو، إلا أنه من الخطأ أن نعتقد أن محور ارتكاز الولايات المتحدة يمكن أن يكون بعيداً عن منطقة الشرق الأوسط ونحو آسيا، وكأن لدينا مقداراً ثابتاً من نطاقات الترددات ونحظى بترف إعادة توزيع تلك السياسة بحسب ما نفضله. فلن تستطيع الولايات المتحدة في المستقبل القريب تجنّب التعامل مع التهديدات والتحديات التي ستفرضها هذه المنطقة.
تدور سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط حول تهديدين: طموحات إيران التوسعية وانتشار التطرف السني العنيف. وفي هذا الإطار، توجد قضايا أخرى تعتبر ثانوية بالنسبة لمصالح واشنطن. فالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على سبيل المثال، يعد مهماً بشدة بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين (ولهذه الأسباب يعد مهماً أيضاً للولايات المتحدة)، ولكن استمراره أو تسويته لن يكون له تأثير يذكر على الديناميات الأكبر التي يحددها هذان التهديدان.
وجد القليل في الشرق الأوسط "من الأحداث اللاحقة السعيدة"؛ فالتطورات التي تبدأ بأمل وإلهام ملحوظين نادراً ما تنتهي على هذا النحو. أنظر إلى الثورة البيضاء في تونس وروح "ميدان التحرير" والشجاعة المذهلة للمتظاهرين السلميين في درعا، ثم أنظر إلى ما هم عليه الآن. مما لا شك فيه أن كل من تابع عملية أوسلو على مدى التسعة عشر عاماً الماضية قد تعلّم بالفعل هذا الدرس، لكن كل إدارة تتعلّم ذلك بنفسها.
وبقدر ما يكون الكلام مهماً – سواء كانت كلماتٍ شامخة مثل تلك التي وُجهت إلى العالم الإسلامي في خطاب القاهرة في حزيران/يونيو 2009 أو الكلمات التحذيرية "المنع وليس الردع" فيما يتعلق بالأسلحة النووية الإيرانية – يكون الفعل أكثر أهمية. ومن الخطأ أن نصدق أن الأول يمكن أن يكون بديلاً للأخير.
 
القضايا الثلاث الأكثر إلحاحاً في جدول أعمال الشرق الأوسط
التحديد الحاسم والقاطع فيما إذا كانت الإستراتيجية القائمة على الدبلوماسية وفرض العقوبات سوف تؤدي إلى اتفاق تفاوضي للوصول إلى حل حول التحدي النووي الإيراني، أو ما إذا كانت وسائل الإكراه البديلة – بما في ذلك القوة العسكرية – ضرورية لمنع إيران من الوصول إلى قدرة تصنيع أسلحة نووية.
إسقاط نظام بشار الأسد في أقرب وقت ممكن لفرض هزيمة إستراتيجية على إيران وفصل محور المقاومة الذي يربط طهران ودمشق و «حزب الله» في بيروت ومنع أقلمة الصراع السوري وإنهاء معاناة الشعب السوري ومنع ظهور أسوأ النتائج من تحت أنقاض الانتفاضة (مثل، تولي الجهاديين زمام السلطة أو نشوب حرب طائفية طويلة تنتهي بالقضاء على أحد الطرفين).
الحيلولة دون انهيار واحدة أو أكثر من الأنظمة الملكية الموالية للغرب في البحرين والأردن والمغرب. يبدو أن الرباط (عاصمة المغرب) قد توصلت لوصفة تحافظ بها على بقائها كما أن المنامة تحظى بعناق المملكة العربية السعودية كأخٍ أكبر يحافظ عليها. وأكثر الثلاثة ضعفاً هي الأردن، حيث أنها دولة فاصلة صغيرة ومحدودة الموارد – ونقطة ارتكاز لمصالح الولايات المتحدة في المشرق العربي – التي تواجه تحديات محلية وإقليمية شديدة تهدد استقرارها وبقاءها.
 
 القادة الإقليميون الثلاثة الذين يستحقون إيلاء اهتمام خاص
 رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إذا قاد حزبه للفوز في انتخابات الكنيست في كانون الثاني/يناير المقبل وشكّل حكومة ائتلافية أخرى، فإنه على الأرجح سيظل في منصبه لما تبقى من رئاسة أوباما. وبالنظر إلى هذه الحقيقة، فلا توجد ميزة في أن تكون السنوات الأربع القادمة شبيهة بالعامين الأولين من ولاية وباما السابقة – وهي فترة تميزت بالعداوات الشخصية بين الزعيمين لم تكن على قدر العلاقة الإستراتيجية الثنائية العميقة القائمة بين البلدين، كما أن مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل متوافقة ومتكاملة وينبغي أن تعكس العلاقة بين الزعيمين تلك الحقيقة. وبالطبع أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى وإسرائيل القوة الصغرى، لذلك فإن النصيب الأكبر من مسؤولية بناء علاقات شخصية طيبة يقع على عاتق رئيس الوزراء الإسرائيلي. ولكن للرئيس أوباما أيضاً دوراً هاماً في هذه العملية.
رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. تعد العراق محور الارتكاز الثالث في دبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ويود قليلٌ من صناع السياسات ذكر كلمة "العراق" في المحافل العامة لأنها توحي في الأذهان بذكريات سيئة من العقد الماضي. أما إذا كان الموقع الجغرافي من الحتميات القدرية، فإن العراق – وهي دولة فاعلة تحظى بديمقراطية مؤثرة وإن كانت معيبة بين إيران وسوريا – تمثل أمراً بالغ الأهمية لمصالح الولايات المتحدة.
الجيل القادم من الأمراء السعوديين. كما أشار زميل معهد واشنطن سايمون هندرسون في إحدى مقالاته مؤخراً (انظر "الإستقالة السعودية تستحث نقاش حول الخلافة الجديدة")، يتضح من تعيين وزير داخلية جديد أن احتمالية نقل السلطة إلى أحفاد بن سعود قد بدأت بالفعل. أما الأبناء الباقون لمؤسس المملكة – بمن فيهم الملك عبد الله الذي سيبلغ من العمر 90 عاماً في السنة المقبلة – فهم على شفا الرحيل السياسي والاكتواري، وهو ما قد تكشف عنه التطورات بسرعة في الفترة المقبلة. وبناء على ذلك، فقد أصبحت هناك حاجة ملحة أمام قادة الولايات المتحدة لبناء تفاهمات، حول الإستراتيجية والإصلاح، مع الجيل القادم.
 
الكوارث الثلاث التي يجب على واشنطن منعها
 زوال المملكة الأردنية الهاشمية..
انهيار السلطة الفلسطينية. على الرغم من أن الظروف ليست ناضجة لكي يفكر الرئيس الأمريكي في استثمار الوقت ورأس المال والطاقة اللازمة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أن عليه بذل جهود كبيرة وعاجلة لمنع انهيار السلطة الفلسطينية. ومثل هذا التطور قد يقوض أي أمل في العودة في النهاية للمشاركة الدبلوماسية الجادة وسيتيح فرص خطيرة لتوسيع نفوذ «حماس» في الضفة الغربية. ولكي يتم تجنب وقوع ذلك، يتطلب الأمر تعزيز وتوسيع العلاقات الاقتصادية والأمنية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وإقناع الجهات المانحة بالوفاء بالتعهدات المعلقة لدعم السلطة الفلسطينية.
ظهور معقل جهادي في سيناء. كانت أرض سيناء الصحراوية سابقاً منطقة فاصلة جعلت من صنع السلام أمراً ممكناً، أما اليوم فهي تبث حالة من عدم الاستقرار و"تصَدّر" الإرهاب إلى إسرائيل و "مناطق مصر الرئيسية [غرب قناة السويس]". لذا يجب على واشنطن مساعدة مصر وتعزيز التعاون بين القاهرة وإسرائيل بحيث يتم استثمار الأصول العسكرية والمدنية الكافية للحيلولة دون جعل شبه جزيرة سيناء منطقة لا يمكن السيطرة عليها يأوي فيها متطرفون وإرهابيون يمكنهم تهديد حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها.
 
المبادرات السياسة الثلاث للفترة الثانية.
إعادة النظر في العلاقات مع حكام مصر الإسلاميين. إن النهج الأمريكي الحالي تجاه القاهرة يمثل استمراراً لما كان عليه الحال في عهد مبارك مع منح القليل من المعونات الإضافية – ولم تفكر واشنطن ملياً في السياسات والاستراتيجيات والأدوات وبناء علاقة جديدة مع الحكام الإسلاميين في مصر. وينطبق ذلك على جميع القضايا الثنائية وهي: المعونة الاقتصادية والعلاقات العسكرية والتواصل مع المجتمع المدني ودعم التحول الديمقراطي وهكذا دواليك.
إبرام اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل. نظراً للمشاكل المالية التي تمر بها الولايات المتحدة حالياً، فإنه لا يتوفر إلا القليل من الأموال التي تستطيع الولايات المتحدة تقديمها كمعونة أمريكية جديدة لمصر شبه المفلسة، وعملياً تكاد تنعدم فرصة إبرام اتفاق تجارة حرة بين الولايات المتحدة والقاهرة في المستقبل القريب، رغم الدفعة الذي سيعطيها مثل ذلك التحرك للاقتصاد المصري. ولكن إذا كانت القاهرة جادة في سعيها نحو حلول سليمة ومسؤولة لأزمتها الاقتصادية، فبإمكانها جني العديد من الفوائد من "اتفاقية التجارة الحرة" عن طريق التوسع الهائل في نظام "المنطقة الصناعية المؤهلة" مع إسرائيل، والتي ستكون أكثر قبولاً في الولايات المتحدة. ومن مصلحة إسرائيل إبرام الاتفاق بدون تردد باعتباره وسيلة لإنشاء علاقات مع مصر ما بعد مبارك، بل والموافقة على خفض كمية المحتوى الإسرائيلي في الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة. لكن الوساطة في إبرام هذه الصفقة قد تتطلب تبني الرئيس المصري مفهوم التعاون الاقتصادي مع إسرائيل – والتلفظ فعلياً على طول المسار بكلمة "إسرائيل".
إصلاح العلاقات التركية الإسرائيلية. بعد قرابة عامين ونصف من حادث "مافي مرمرة"، فإن المصالحة بين هاتين الدولتين الحليفيتين للولايات المتحدة واجبة منذ فترة طويلة مضت. إن إحياء العلاقة بين تركيا وإسرائيل يصب بالتأكيد في صالح الولايات المتحدة، كما أن الكثير من الأتراك والإسرائيليين يعتقدون أن ذلك يصب في صالحهم أيضاً. وعلى الرغم من أن العلاقات الثنائية قد لا تعود أبداً إلى ما كانت عليه من حميمية وصداقة قبل تولي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان زمام السلطة، إلا أنه لا يزال هناك الكثير مما يمكن للبلدين القيام به معاً لتعزيز المصالح المشتركة. وعلى الرغم من فشل جهود واشنطن السابقة للمصالحة بين البلدين، إلا أن الزمن قد تغير – فأردوغان أصبح أكثر ضعفاً، ونتنياهو (في حالة فوزه في الانتخابات) سوف يكون أقوى، كما أن أزمة سوريا قد أظهرت الخطر المشترك الذي تواجهه تركيا وإسرائيل. لقد حان الوقت لإعادة المحاولة.
 
العوامل الستة المغيّرة للعبة والتي يمكنها أن تحدث تحولات كبيرة في المنطقة
"«الربيع العربي»، ونتائجه". قد تتحول الموجة التالية من ثورات «الربيع العربي» نحو الأنظمة الملكية في المنطقة، ومن المحتمل أن تصل إلى المملكة العربية السعودية.
الإرهاب، من جديد. بعد فترة هدوء مؤقت في الهجمات الكبرى ضد أهداف أمريكية ومقتل أسامة بن لادن، قد تعاني الولايات المتحدة من حدوث واحدة أو أكثر من الهجمات الإرهابية المفجعة، إما باستخدام أساليب معروفة (على سبيل المثال، مؤامرات كارثية ضد أهداف على الأراضي الأمريكية ومحاولات لإسقاط طائرات مدنية وهجمات على السفارات الأمريكية وعلى أصول وعلى أفراد) أو تكتيكات لم نر مثلها حتى الآن.
ازدياد معدل المصادمات والهجمات في سيناء. تعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل الأساس الذي تقوم عليه مصالح الولايات المتحدة في المشرق العربي ومنطقة شرق البحر الأبيض الأوسط، وقد انهارت تلك المعاهدة تقريباً في آب/أغسطس – سبتمبر 2011، عندما أثار الإرهابيون في سيناء إجراءاً إسرائيلياً أدى إلى قيام رد فعل مصري بلغت ذروته في الهجوم الغوغائي على السفارة الإسرائيلية في القاهرة والاقتراب من اغتيال دبلوماسيين إسرائيليين. أما اليوم، تحت حكم الإسلاميين لمصر، فقد تفتقر عملية السلام إلى المرونة الكافية لتحمل تصعيد آخر – ربما أكثر فتكاً – انطلاقاً من سيناء.
أسلحة الدمار الشامل في سوريا. إن الاستخدام الفعلي لأسلحة الدمار الشامل أو التهديد باستخدامها في الصراع السوري قد يؤدي إلى نشر سريع للقوات الأجنبية (بما في ذلك القوات الأمريكية)، وبذلك سيشكل كابوساً للسياسة الخارجية الأمريكية – حيث سيتطلب الأمر الدفع بالآلاف من جنود "المشاة" الأمريكيين إلى بلد يتمتع بأغلبية مسلمة.
إعادة إحياء "الحركة الخضراء". ستتمثل إحدى الفرص المحتملة للولايات المتحدة في إحياء حركة المعارضة السياسية في إيران، التي ربما تُثار من جراء انتخابات مزورة أخرى. وهذه المرة، يتعين على واشنطن إيجاد سبل لاحتضان وتشجيع ودعم المتظاهرين. وعلى أقل تقدير، قد يضيف ذلك بعداً جديداً للضغط على حكام إيران للتوصل إلى حل عن طريق التفاوض بشأن الأزمة النووية. كما أنه قد يحفز قيام تحول سياسي داخلي نابع من النظام نفسه.
 تجاوز العتبة النووية الإيرانية. يجب الحيلولة دون حدوث هذا السيناريو المخيف بأي ثمن وذلك للأسباب التي لخصها الرئيس أوباما أثناء دفاعه عن سياسة "الوقاية". وهناك بُعد سياسي إضافي يستحق الذكر. فقد تجنبت هذه المذكرة حتى الآن استخدام مصطلح "الإرث"، وهي اللفظة الشائعة جداً في المذكرات الخاصة بالسياسة الخارجية لفترة الولاية الثانية. إلا أنه من المهم تذكر ما يلي: هناك العديد من المبادرات المحتملة الخاصة بالشرق الأوسط والتي قد لا يكون لفشلها أي صدى مستمر كما أنها قد لا تُذكر أصلاً بعد ذلك. وإذا حاول أوباما – على سبيل المثال – حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ولم ينجح بذلك، فسيكون هو الرئيس الأمريكي السادس الذي يحاول ويفشل على مدار الثلاثين عاماً الماضية. ولكن إذا نجحت إيران في تطوير سلاحاً نووياً خلال فترة ولايته – وذلك في ظل التزام صريح من جانب الولايات المتحدة بمنع حدوث تلك النتيجة، فسيكون ذلك الفشل بمثابة إرث الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط. وفي الواقع، وعلى الرغم من جميع نجاحاته وإنجازاته الأخرى، إلا أنه سوف يُنقش على ضريح سياسته الخارجية "باراك أوباما: تحت سمعه وبصره حصلت إيران على القنبلة النووية."

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى