ترامب يمهّد للقضاء على الاتفاق النووي: أسوأ الصفقات وأكثرها انحيازاً في تاريخ أميركا

لم يكد دونالد ترامب يُلقي بتهديداته بشأن الاتفاق النووي، على منبر الأمم المتحدة، حتى جاءه الرد من حليفه الفرنسي إيمانويل ماكرون، على المنبر نفسه، حيث حذّره من نسفه، مشيراً إلى أن هذه الخطوة ستكون «خطأً جسيماً»
لم ينتظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب طويلاً ليدرك مفاعيل أي قرار يمكن أن يتخذه بخصوص الاتفاق النووي. أمس، مهّد لاحتمال نسف الاتفاق في الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن الرد الأول على ذلك جاء على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حذر من الانسحاب من الاتفاق النووي، معتبراً أن مثل هذه الخطوة ستكون «خطأً جسيماً».

وفي انتظار ما ستشهده الأيام المقبلة من قرارات أميركية، وما سيقابلها من ردود أوروبية خاض ماكرون وترامب أولى معاركهما في هذا المجال على منبر الأمم المتحدة، خصوصاً بعدما بات من الواضح تمسّك الأوروبيين بهذا الاتفاق في مقابل استهزاء ترامب به، ومحاولاته الحثيثة لعرقلته، وحتّى القضاء عليه.
استغلّ ترامب خطابه الأول أمام الأمم المتحدة، ليندّد بالاتفاق «المحرج» الذي أبرمته مجموعة «5+1» مع إيران بشأن برنامجها النووي في عام 2015، في مؤشر جديد على عزمه على إلغاء هذا الاتفاق أو إعادة النظر فيه. وإذ وصف إيران بـ«الدولة المارقة» و«الديكتاتورية الفاسدة»، أكد أن «الاتفاق معها هو من أسوأ الصفقات وأكثرها انحيازاً، التي دخلت فيها الولايات المتحدة على الإطلاق». ومن المفترض أن يبلّغ ترامب، في 15 تشرين الأول المقبل، الكونغرس ما إذا كان يشاطر الوكالة الدولية للطاقة الذرية رأيها في أن طهران تفي بالتزاماتها الواردة في هذا الاتفاق.

ويمثّل هذا الهجوم الجديد من الرئيس الأميركي على الاتفاق النووي مؤشراً إضافياً على عزمه، على ما يبدو، على إبلاغ الكونغرس بأن طهران لا تفي بالتزاماتها، ما يفتح الطريق أمام المؤسسة التشريعية الأميركية لإعادة فرض العقوبات على إيران، وبالتالي انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق تاريخي استغرق التوصل إليه 10 سنوات من المفاوضات.

ترامب لم يكتفِ بمهاجمة طهران ربطاً بالاتفاق النووي، فقد انتقد النظام الإيراني و«أنشطته المزعزعة لاستقرار» المنطقة. وقال: «صدقوني، حان الوقت لأن ينضم إلينا العالم بأسره في المطالبة بأن توقف حكومة إيران سعيها خلف الموت والدمار». وأضاف أن «الحكومة الإيرانية حوّلت بلداً غنياً وذا تاريخ وثقافة عريقين إلى دولة مارقة مرهقة اقتصادياً، وتصدّر بشكل أساسي العنف وسفك الدماء والفوضى».

وفيما يدأب الرئيس الأميركي منذ أكثر من شهر على التصويب على البرنامج النووي الكوري الشمالي، كان من المتوقع أن يتطرّق إليه في الأمم المتحدة، حيث هاجم كوريا الشمالية متوعداً «بتدميرها بالكامل»، إذا تعرّضت الولايات المتحدة أو حلفاؤها لهجوم من بيونغ يانغ، وواصفاً نظامها بأنه «فاسد وشرير». وهنا أيضاً استخدم توصيفاً مشابهاً لذلك الذي وصف به إيران، إذ قال إن «الدول المارقة» تشكل تهديداً «لباقي الأمم ولشعوبها نفسها، ولديها أكثر الأسلحة قدرة على التدمير» في العالم. وأضاف أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون «انطلق في مهمة انتحارية له ولنظامه»، فيما أشار إلى أن «الولايات المتحدة لديها قوة كبرى وتتحلّى بالصبر»، فقد أكد أنه «إذا اضطرت إلى الدفاع عن نفسها أو عن حلفائها، فلن يكون أمامنا من خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل».

ترامب حذّر أيضاً الدول التي «لا تقوم بمبادلات تجارية مع مثل نظام كهذا فحسب، ولكن تمد بالسلاح وتوفر دعماً مالياً لدولة تهدّد بإغراق العالم في نزاع نووي». وقال: «ما دمت في هذا المنصب، فسأدافع عن مصالح أميركا وأضعها قبل أي مصلحة أخرى، ولكن مع وفائنا بالتزاماتنا إزاء دول أخرى، ندرك أنّ من مصلحة الجميع السعي إلى مستقبل تكون فيه كل الدول ذات سيادة ومزدهرة وآمنة».

وفي سياق آخر، حذر أعداء الولايات المتحدة من أن الجيش الأميركي «سيصبح قريباً أقوى من أي وقت مضى». كذلك أكد أنه «حان الوقت لكشف الدول الداعمة لجماعات مثل القاعدة وحزب الله»، مشدداً على أن «علينا رفض التهديدات التي تمسّ سيادة الدول من أوكرانيا إلى بحر الصين».

ولم يكد الرئيس الأميركي ينتهي من توجيه تهديداته إلى إيران، حتى جاءه الرد الأول من الحليف الفرنسي الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي قال في خطابه «إن التزامنا بشأن عدم الانتشار النووي أتاح الوصول إلى اتفاق صلب ومتين، يتيح التحقق من أن إيران لن تمتلك السلاح النووي». وأضاف أن «رفضه اليوم من دون اقتراح أي بديل سيكون خطأً جسيماً، وعدم احترامه سينطوي على انعدام مسؤولية لأنه اتفاق مفيد».

لم يقف ماكرون عند هذا الحد، فقد دافع بشدة عن الاتفاق النووي «الجيد»، مشدداً على أن أولئك الذين لا يحترمونه لا يتسمون بالمسؤولية. وأضاف أنه أوضح ذلك لترامب وللرئيس الإيراني حسن روحاني، عندما التقى بهما أول من أمس.
بدوره، حذّر روحاني الولايات المتحدة من فقدان ثقة المجتمع الدولي، في حال تخلّيها عن الاتفاق النووي. وفي مقابلة مع شبكة «ان بي سي»، قال: «إذا امتنعت الولايات المتحدة عن احترام الالتزامات وداست هذا الاتفاق، فهذا سيعني تحمّلها تبعات فقدان ثقة الدول فيها». وتساءل روحاني: «بعد سيناريو محتمل كهذا، أي بلد سيكون مستعداً للجلوس إلى الطاولة مع الولايات المتحدة والتحدث عن القضايا الدولية؟». وأضاف أن «الرصيد الأكبر الذي يتمتع به أي بلد هو الثقة والصدقية». وأكد أنه إذا أراد ترامب التخلّي عن الاتفاق، فإن إيران ستستأنف نشاطاتها النووية السابقة التي طالما أصرّت أنها تهدف إلى تلبية حاجاتها للطاقة. وقال: «أعني بالتأكيد العودة إلى النشاطات السلمية فقط».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى