ترسيم نظري لخارطة الفوضى في المنطقة العربية (2/2) (غالب حسن الشابندر)

غالب حسن الشابندر

 

يتساءل مراقبون عن قواعد إ دارة الصراعات الداخلية  في المنطقة العربية وهي تشهد هذا الغليان الهائل، ويسجل هؤلاء المراقبون في سياق هذا التساءل بأن هذه المنطقة شهدت أكثر من 76 (حالة صراعية)، تتوزع بين كونها دولية واقليمية وداخليه، وذلك منذ غزو العراق عام 2003، وقبل أن يطل علينا ما يسمونه الربيع العربي، ورصد لجغرافية المنطقة العربية من الجمهورية الإسلامية الموريتانية /من جهة المحيط الاطلنطي / وحتى جمهورية الصومال الديمقراطية / من جهة المحيط الهندي / سيكشف عن مساحة صراع متعدد الالوان والاشكال والهويات، ويمكن أن يلاحظ على هذه الصراعات كونها ومنذ زمن ليس بالقصير تتجه بشكل عام أن تكون صراعات داخلية، اي بين مكونات الشعوب، دينية ومذهبية وعرقية، وتشير بعض التقارير المهمة هنا، أن عدد الصراعات الداخلية ارتفع إلى 84 صراعا من مجمل الصراعات التي تجتاح المنطقة ـ السياسة الدولية عدد 189 ـ، وليس من شك إن هذه الصراعات الداخلية مدعومة عالميا واقليميا، ويمكن أن يُلحظ أيضا إن عنصرا مهما دخل في صلب هذه الصراعات، كثرة الاطراف المشاركة، فهناك أكثرمن 15 طرف داخل في حلبة الصراع في العراق، واطراف كثيرة في الصراع الاهلي في الصومال، وهناك حوالي خمسة أطراف أو أكثر في الصراع الدائر في الساحة الفلسطينية، وعشرات الاطراف في لبنان، واكثرمن 150 قوة في مصر، وهكذا، الامر الذي يستدعي المزيد من الفوضى، والمزيد من تعقيدات الموقف، وكل طرف من هذه الاطراف له أجندته وسلاحه وعقيدته القتالية وانظمته الامنية واعلامه الخاص به، ولكن ما هي طبيعة هذه الصراعات ؟ هل صراعات من أجل القوة والنفوذ والمصلحة ؟ والواقع حتى لو كانت هذه البواعث هي التي تكمن وراء هذه الصراعات الداخلية،إلاّ أنها في تطور مريع باتجاه طبيعة أخرى، يمكن ترجمتها بمعادلة بسيطة ولكنها في غاية الخطورة، إنها صراعات من أجل الوجود، فالكثير من الصراعات بدأت تظهر ما ورائها من نزعات انفصالية، بل رفع شعار الانفصال علنا، وسواء كان القائمون على هذا الصراع على حق أو باطل، فإن هوية الصراع هوية وجودية لا حقوقية عامة، يضاف إلى ذلك، إنها صراعات مسلحة، ولم يعد السلاح صعبا للحصول عليه، وربما يساهم ذلك بعدم حسم الموقف، مما يطيل بامد الصراع طويلا، بل هناك من الصراعات الداخلية استمر لاكثر من ثلاثين سنة، الصراع داخل السودان قبل انفصال الجنوب، الصراع في الصومال بدا منذ ان يسقط سياد بري ولحد هذه اللحظة، اكثر من ثلاثين سنة تقريبا، الصراع في لبنان يتجدد، الصراع داخل العراق بين الشمال والجنوب، يتجدد، ولم يزل، ولان المنطقة كلها دخلت مرحلة الفوضى، ولوجود مطامع دولية كبرى، فإن الصراعات الداخلية هذه مرشحة للاستمرار، وسوريا مرشحة لحرب أهلية طويلة الامد، والحقيقة البارزة في هذه الصراعات والمؤسفة حقا، القسوة، فإن اي طرف قلما يتسامح مع الطرف الآخر، هناك القتل الجماعي، وهناك التهجير، وهناك الاقصاء، كل الوان الحقد تجلت في هذه الصراعات، وهذا يعني ان المنطقة العربية دخلت مرحلة الثار القومي والديني والمذهبي، ويتساءل مراقبون ومحللون عن حل لهذه الصراعات، والجواب،أن الحل يكمن فيما إذا أرهق جميع الاطراف، اي التعب المشترك، الذي يضطر الجميع للجلوس حول طاولة حوار، وهذا لا يحصل دون أن يكون هناك تكافؤ بالقوة والمنعة والممكنات، فهل هذا ممكن ؟ وفيما حصل هذا النوع من الحل فإنه سرعان ما يُنقض ويتهاوى بفعل تسارع الاحداث في المنطقة، وتدخل الدول الكبيرة، رغم أن بعض رواد المدرسة الواقعية يرجعون ذلك إلى ميل الانسان العدواني، فإن واقع الحال يشير إلى أن للدول الكبرى دورا كبيرا في إدامة هذا الصراع، وتزييف أو تفريغ كل ممكن من ممكنات الحل، هنا قد يشخص سؤال عن دور الدولة في إدارة هذه الصراعات ؟ هناك نظرية تقول إن المجتمع في المنطقة العربية اقوى من الدولة، اي العشائر والاحزاب والطوائف والقوميات اقوى من السلطة، وبالتالي، فإن المجتمع هو الذي استوعب السلطة بل الدولة، ولم تستوعب الدولة المجتمع، وهذه معضلة كبيرة، تحول دون تكوين وتكون الدولة القوية، ومما يتمخض عن ذلك عجزها عن ادارة الصراع بين فواعله وعناصره ومكوناته.
العراق يمثل صراعا داخليا خفيا، مصر تشهد بكل وضوح معارك جانبية بين المسلمين والمسيحيين بشكل عام، الصومال حرب اهلية مزمنة، اليمن حرب أهلية متعددة الاطراف واحتمال عودة منطق اليمنيين، ليبيا تجاذب عشائري ربما يتبلور، سوريا معارك طاحنة ذات لون طائفي واضح، فلسطين المحتلة أكثر من سلطة، وبينهما صراع شبه دائم، السودان الجنوبي مرشح لمقاتل اهلية طاحنة، مالي تحولت إلى بؤرة توتر ارهابي… ولا حل في الافق، وربما تتسع الدائرة اكثر وأكثر… ويصعب على أي محلل سياسي أن يخرج بنتيجة واضحة سوى القول بان المنطقة مقبلة على حروب داخلية اكثر ضراوة…

موقع إيىلاف الإلكتروني
 

مقالات ذات صلة

ترسيم نظري لخارطة الفوضى في المنطقة العربية (1) (غالب حسن الشابندر)

غالب حسن الشابندر

كانت ومازلت منطقة العالم العربي تشكل حافزا مثيرا لاهتمام القوى الدولية لما تتمتع به من موقع استراتيجي خطير، الذي يتحكم بشكل فاعل باهم ممرات التجارة الدولية، ولانه نافذة التسلل الواسعة والسهلة إلى أفريقيا وآسيا، كما أنها تعبير حقيقي عن خزين هائل ومدهش للثروات المعدنية والنفطية والزراعية، فهي المنقطة الغنية حقا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
شهدت هذه المنطقة الكثير من التحالفات والتمحورات خلال الحرب الباردة بين المعسكرين، الاشتراكي والراسمالي، تحالفات ثنائية داخلية، وتحالفات وعلاقات استراتيجية مع دول كبرى، خارج المنطقة، في سياق تبادل مصالح حازت عليها الدول الكبرى، مقابل حماية الانظمة أو دعمها سياسيا وعسكريا، وجعلت منها منطقة حاشدة بالاستثمارات الاجنبية، بصرف النظر عن مردودات هذه الاستثمارات بالنسبة للمنطقة، وفيما انتهت مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين التقليديين، دخلت عناصر جديدة في ترسيم الواقع السياسي، وتداعياته في العالم والمنطقة معا، منها: مشروع العولمة، ومنها:الحضور الديني في صلب السياسة العالمية والاقيلمية والوطنية، ومنها: انبعاث الوعي القومي على صعيد الاثنيات والاقليات، مما زاد في تعقيد العلاقات داخل منظومة المنطقة من الدول والشعوب والانظمة، بل حتى على صعيد مكونات الشعب الواحد، كذلك ساهمت في تعقيد العلاقات بين المنطقة ككل من جهة والعالم برمته تقريبا من جهة أخرى، وفي المقدمة منه القوى الدولية، سواء منها القوى التقليدية، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، والقوى المستحدثة، أي الاتحاد السوفيتي في وقته والولايات المتحدة الامريكية، ولكن الجديد في المرحلة الجديدة، هودخول قوى إقليمية على الخط، بنكهة تنافسية حادة شرسة، وفي المقدمة الجمهورية الاسلامية الإيرانية وتركيا، وقوى غير اقليمية ولكنها ذات ثقل دولي نشط مؤثر،الصين واليابان وكوريا الشمالية وماليزيا والهند وباكستان مما يشكل جبهة اسيوية وإنْ غير متوافقة فيما بينها، وبذا، تحوَّل العالم العربي أو بالاحرى المنطقة العربية إلى ورشة عمل وتنافس عالمي وقاري واقليمي، فهي اغنى منطقة في العالم على هذا الصعيد… وقد تنوعت وتعددت آليات الصراع على المنطقة، وهل يعقل حقا، ان تكون القضية الطائفية، أو المطق الطائفي من الآليات الفاعلة في ترسيم الخارطة، اي خارطة التنافس هذه؟
ولكن هذا الحاصل فعلا، فالمنطقة العربية اليوم يترسمها محوران واضحان، سني /شيعي، وتبعا، كان هناك ما يسمونه بمحور الممانعة، ويتمثل كما يقولون بسوريا والجناح الشيعي من حكومة العراق وحزب الله في لبنان، و هناك المحور الاخر ــ سمِّه ما شئت ــ ولكن يمثلونه بالمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية والاردن وشمال افريقيا استطرادا، على أن الملفت للنظر بشكل جوهري،أن يكون قلب المحورالاول دولة خارج المنطقة العربية، اي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وان يكون قلب المحور الثاني ايضا دولة خارج المنطقة، اي جمهورية تركيا العلمانية / الإسلامية! فهي إذن خارطة جديدة على المنطقة، تداخلت فيها كل قيم تكوين الامم والشعوب والحضارات، من دين وثقافة وعرق، وتلخص المدرسة السياسية الواقعية كل هذا الحراك المتداخل المتناقض بالصراع على القوة والمصلحة!
أكثر من هذا، أن اللاعب الاقوى في المنطقة العربية ليس دولة عربية أو نظام عربي، بل دولة خارج الحريم العربي، مما يساعد على جعل المنطقة حقا ساحة صراع على النفوذ، ساحة تصفية حسابات، فالمنطقة العربية هي ساحة جوهرية في الصراع العالمي، ولكن اللاعبين الكبار في هذه الساحة هم خارج المنطقة العربية، ولكن هل سوف تمارس مصر دورها فتعوِّض عن فقدان اللاعب العربي القوي في المنطقة العربية؟ يشكك كثيرون في هذا الاحتمال، لاسباب كثيرة، منها: انها تعج وتضج بالمشاكل الداخلية، وهناك منافس قوي لها في المنطقة من داخل هويتها القومية والدينية معا، السعودية على سبيل المثال، ومنافس من خارج هويتها القومية ولكن داخل هويتها الدينية، سواء إيران أو تركيا أو كليهما معا.
محور الممانعة على تواصل استراتيجي عضوي تقريبا بالاتحاد السوفيتي،والمحور الآخر على تواصل استراتيجي عضوي تقريبا بالولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا وكندا…
لقد اجتمع كل العالم في المنطقة العربية، كل العالم، مع غياب واضح للإرادة العربية، فهي منفعلة لا فاعلة، تابعة لا متبوعة، ويلخص بعض المهتمين بالاستراتيجية العالمية أهم الظوهر التي تلوِّن المنطقة بلحاظ كل ما سبق، بما يلي تقريبا.
أولا: تنوع وتكاثر اللاعبين الدوليين والأقليميين في المنطقة.
ثانيا:اتساع مفردات اللعب والحضور في المنطقة من قبل هؤلاء اللاعبين، فهناك الاسثمارات الخارجية، والتحالفات الامنية، والحضور العسكري الشاهر.
ثالثا: الدخول بحمولات ثقافية واسعة الطيف في المنطقة، فهناك سعي لتجذير الثقافات العالمية والاقليمية في المنطقة، هناك سعي لنشر اللغة الفارسية في المناطق التي يتواجد فيها حضور إيراني، وهناك سعي مماثل لنشر اللغة التركية، هناك مئات الفضائيات العالمية والاقليمية متوجهة إلى هذه المنطقة، تبث الفكر والثقافة والفلكور والتاريخ بلغة عربية سليمة، وعرض فني عال المستوى.
رابعا: ومن أبرز هذه الظوهر الجانب العسكري الشاهر تمثل بتدخل مباشر وسريع وقوي لحسم مواقف نهائية، ومن الامثلة السافرة في ليبيا، وقبلها في العراق، وهناك تفكير أن يتكرر في سوريا.
خامسا: التماهي النسبي بين شعوب بعض الدول مع حكوماتها باتجاه قضايا مشتركة، وفي مقدمتها القضايا التي تخص الطوائف والمذاهب والاثنيات، ليس تماهيا مطلقا ولكن تماهي نسبي، وإن لم يكن معلنا.
تُرى أين سترسي كل هذا الخارطة المذهلة؟
يتبع

موقع إيلاف الإلكتروني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى