تركيا تحتاج إلى أوروبا لكن أوروبا لا تبالي (شاهين ألباي)

 

شاهين ألباي

أثّرت احتجاجات ساحة "تقسيم" سلباً في العلاقة المتردّية أصلاً بين تركيا والاتحاد الأوروبي. فقد تبنّى البرلمان الأوروبي قراراً في 13 حزيران الجاري دان فيه لجوء الشرطة إلى الاستخدام غير المتكافئ للقوة ضد المتظاهرين. وردّ رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بأنه لا "يعترف" بالبرلمان الأوروبي. وعندما صرّحت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل أنها مصدومة من طريقة التعاطي مع المحتجين في ساحة "تقسيم"، ردّ كبير المفاوضين الأتراك وزير الدولة لشؤون الاتحاد الأوروبي، أغمان باغيش، بأن "العبث مع تركيا له كلفته" قائلاً "لم يعد لدى ساركوزي الذي عبث مع تركيا في الماضي، ما يفعله سوى صيد السمك… على ميركل ألا تستعمل تركيا لأغراض انتخابية". وأضاف: "الاتحاد الأوروبي هو الذي يحتاج إلى تركيا، وليست تركيا من تحتاج إلى الاتحاد الأوروبي. إذا دعت الحاجة، يمكننا أن نقول لتلك البلدان، اهتمّوا بشؤونكم الخاصة ودعونا وشأننا".
وقد استُدعي السفير التركي في برلين إلى وزارة الخارجية الألمانية لتلبيغه استياء الحكومة الألمانية من تصريحات الجانب التركي، فردّت وزارة الخارجية التركية باستدعاء السفير الألماني في أنقره لنقل شكوى مماثلة. وفي خطوة مشتركة، تم تعليق الزيارات بين أنقرة وبروكسل. كان متوقّعاً أن يُعلَّق فتح صفحة جديدة في المحادثات بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بعد ثلاث سنوات من انطلاقتها، لا سيما بسبب المعارضة الألمانية (لأسباب "تقنية") على الرغم من أن معظم الدول الأعضاء في الاتحاد دعمت الانتقال إلى مرحلة جديدة في المحادثات. وفي غضون ذلك، نبّه أمين عام المجلس الأوروبي أنقرة إلى وجوب احترام الحق في التظاهر المنصوص عليه في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في وجه لجوء الشرطة إلى الاستخدام غير المتكافئ للقوة.

يمكن تسجيل النقاط الأساسية الآتية في ما يتعلق بالأزمة في العلاقات بين تركيا وأوروبا:

1) تركيا مرشّحة للعضوية في الاتحاد الأوروبي، ما يعني أنه يحقّ للبرلمان الأوروبي تبنّي قرارات حول تركيا، سواء كان أردوغان يعترف به أم لا. ومن جهة أخرى، لا تستطيع أنقرة تجاهل تحذيرات المجلس الأوروبي الذي تُعتبَر تركيا عضواً مؤسِّساً فيه. يتّضح أكثر فأكثر أن خطاب أردوغان استعداداً للانتخابات التي ستجرى العام المقبل، سيستند إلى كلام شعبوي تقليدي ذي طابع ديني-قومي. لا شك في أن إقحام السياسة الخارجية في هذا الخطاب يسيء إلى كرامة الجمهورية التركية وصورتها.

2) لا شك في أنه يحق للمستشارة الألمانية انتقاد الاستخدام غير المتكافئ للقوة في تركيا لا سيما أن هذه الممارسات طالت كلوديا روث، الرئيسة المشاركة لـ"حزب الخضر" الألماني. وبرلين محقة بالتأكيد في اعتبارها بأن تصريحات باغيش – المشار إليها أعلاه – تشكّل انتهاكاً لأصول اللياقة الديبلوماسية. فهذا الكلام لا يصب في مصلحة الجمهورية التركية ويُضرّ بصورتها.

3) نخدع أنفسنا بالقول بأن "الاتحاد الأوروبي هو الذي يحتاج إلى تركيا، وليست تركيا هي التي تحتاج إلى الاتحاد الأوروبي"، فهذا الكلام ليس منطقياً ما دام أعضاء الاتحاد الأوروبي لا يوافقون عليه. اليوم، معظم الحكومات الأوروبية وغالبية المواطنين في كل الدول الأعضاء تقريباً إما يعارضون عضوية تركيا في المبدأ أو يعتبرون أن التوقيت ليس مناسباً. ربما يمرّ الاتحاد الأوروبي في أسوأ أزمة في تاريخه، في حين أنه ما زال على تركيا أن تقطع شوطاً طويلاً قبل أن تتمكّن من تلبية معايير العضوية.

4) الحقيقة هي أن تركيا هي التي تحتاج إلى أوروبا، وليس العكس. والدليل الأقوى على ذلك هو أن أنقرة أنجزت "ثورة صامتة" في نظامها السياسي والاقتصادي من خلال الإصلاحات التي تبنّتها بين عامَي 2001 و2005 عندما دعمت حكومات الاتحاد الأوروبي (لا سيما الحكومتَين الألمانية والفرنسية) عضوية تركيا، ثم تعثّرت الإصلاحات عندما سحبت تلك الحكومات دعمها لاحقاً. قد يقول البعض إنه لو استمر الاتحاد الأوروبي في دعم عضوية تركيا بالإجماع، لتمكّنت الأخيرة ربما من تلبية المعايير المطلوبة منذ وقت طويل.

5) من الواضح تماماً أن الاتحاد الأوروبي، ومن خلال قبوله عضوية قبرص اليونانية من دون التوصّل إلى تسوية بشأن الجزيرة، وذلك في انتهاك فاضح لمبادئه، خسر عن قصد أو غير قصد، "سلطته الناعمة" على تركيا. إنه لأمر مؤسف أن الوعد بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لم يعد محفِّزاً للإصلاحات في تركيا. باختصار، تحتاج تركيا إلى أوروبا، لكن أوروبا لا تبالي.

صحيفة تودايز زمان التركية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى