تسليح “البشمركة”: ضرورة عسكرية أم دفع للإنفصال؟

يوم احتل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” مدينة الموصل، وتقدّم باتجاه صلاح الدين ومناطق أخرى في غرب العراق، كان الانطباع السائد بأن الهدف التالي للتنظيم المتشدد سيكون بغداد ومناطق الوسط والجنوب… لكن “داعش” فاجأ الكل حين توجه شمالاً، نحو اقليم كردستان، متجاوزاً الخط الفاصل الذي تمسكه قوات “البشمركة”.

امام هذا التطور الميداني، سارعت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى اتخاذ اجراءات عسكرية لانقاذ الوضع في كردستان، ومن بينها تسليح قوات “البشمركة” بدفعات متتالية، بعدما كانت تسوف وتماطل في دعم الجيش العراقي.

ولطالما كان تسليح “البشمركة”، ولا يزال، مثار جدل كبير بين جميع فئات الشعب العراقي، إذ يرى الكثير أن تلك الخطوة انحياز غير مبرر، وتصرف غير قانوني يتعارض مع الدستور العراقي، ويساهم في تسريع المشروع الانفصالي للأكراد، في حين يقلل البعض من خطورة القضية.

وفي المقابل، يرى الأكراد ان هذه خطوة طبيعية، وقد جاءت في ظل الجهود الدولية لمواجهة خطر “داعش”، ويحاججون بأن تسليح كردستان يمثل تسليحاً للعراق.

وقوفا عند هذا الجدل ومساراته حاولت “السفير” تلمس آراء القوى البرلمانية والكتل السياسية بصدد الموضوع وتداعياته.

ويرى معظم أعضاء “التحالف الوطني” أن خطوة التسليح لم تكن موفقة وصحيحة، حيث يعتقد النائب علي لفتة المرشدي، في حديث إلى “السفير” أن “تسليح كردستان هو مخالفة دستورية كونه اقليم (فدرالي) وليس (كياناً) مستقلاً، وهو بذلك جزء من العراق، ولذلك فإننا نرفض اي تعامل يتم بين الاقليم وبين القوات الداعمة للعراق، ونريد ان يكون السلاح بيد الدولة حصراً”.

ويشكك المرشدي في نية الولايات المتحدة والحلف تقديم الدعم للعراق قائلا إن “تعامل اميركا مع العراق هو تعامل انتقائي. هناك دعم مادي ولوجستي كبير الى الاقليم، بينما هناك الكثير من المحافظات لم تدعم، كمحافظات ديالى والأنبار وصلاح الدين”، معتبراً ان “هناك اماني كبيرة للمجتمع الدولي من اجل اضعاف العراق وتجزئته”.

ويرى أعضاء آخرون من التحالف أن الأمور ليست بهذه الحدّية، إذ يقول النائب عامر الخزاعي عن “ائتلاف دولة القانون” لـ”السفير” إن “تسليح البشمركة يكون في الاطار الدستوري بمقدار ما يحمي الاقليم حماية محلية وليس حدودياً، كون هذه مسؤولية الجيش العراقي، خاصة اذا اقتصر على السلاح الخفيف والمتوسط”، لافتا إلى أنه “في ظل وجود داعش والخطر الذي يحيق بالعراق، لا بد للبشمركة أن تقاتل مع الجيش العراقي، وأن يكون لها سلاح كما هو متوافر للجيش العراقي، وهذا سلاح وجوده مؤقت”.

ويستبعد الخزاعي أن يؤدي تسليح اقليم كردستان إلى حالة استقواء مبطن، او أن يدفع بمشروع الانفصال الى الامام، معللاً بأن قرارات الانفصال قرارات سياسية وليست معسكرية، وان السياسيين العراقيين اذا كانوا قادرين على حل مشاكلهم فلا حاجة لهذا الاستقواء.

ويوضح أن هناك حديث عن دعم دولي على مستوى الاعلام، ولكن على أرض الواقع لا توجد الا بعض الطائرات التي تقصف مناطق في سنجار وغيرها، وهذا لا يعتبر، بنظره، انجازاً لأن المعركة التي تحسم تكون نتيجتها السيطرة على الارض.

ويرى الخزاعي أن “لاضير من تسليح البشمركة أو دعم الطرف الكردي من قبل اميركا خاصة في هذا الظرف، طالما ان الهدف واحد، وهو تحرير العراق من داعش”.

من جهته، يقول مستشار الأمن الوطني السابق، والنائب في التحالف، موفق الربيعي لـ”السفير” إن “مساعدة الولايات المتحدة اقترنت بتغيير الحكومة الاتحادية، وهذا الشرط تحقق، وقد دعمت الولايات المتحدة الجهد العراقي من اجل هزيمة داعش”، مشدداً على ان “تسليح كردستان كان يتم باشراف الحكومة الاتحادية، وجميع الاجهزة والمعدات والتمويل تمرر من خلالها”.

ولا يبدي الربيعي قلقه من تسليح اقليم كردستان، لا بل يرى أن انتصار الاقليم على داعش هو انتصار للعراق ككل، خصوصا ان هناك جبهة واسعة بطول 600 كيلومتر مفتوحة على الاقليم، وتماثلها في المساحة ذاتها الجبهة من الجانب العربي في العراق.

ويحدد الربيعي ثلاثة امور من الممكن ان تؤمن انتصاراً للعراق على عصابات “داعش“، اولها عن طريق الجيش العراقي والحشد الشعبي، وثانيها صحوة اخرى في المناطق العربية السنية، وثالثها مشاركة “البشمركة”.

ويبدي الربيعي اعتقاده بأن ” تقرير المصير للشعوب حق مقدس ومكفول في ميثاق الامم المتحدة وميثاق جنيف، ولكن الاكراد لا يرغبون بذلك، ويرغبون في بقاء الاقليم جزءاً من العراق”.

بدورها، تستغرب القوى الكردية الاعتراضات على تسليح “البشمركة”، وترى أن هذا التسليح يمثل تسليحاً للقوات العراقية، لأن كليهما يساهم في دحر الإرهاب.

وفي هذا الإطار، يقول النائب الكردي عبد العزيز حسن حسين لـ”السفير” إن “اقليم كردستان لا يحتاج الى الاسلحة إلا من اجل الدفاع عن نفسه، وعن العراق”. ويضيف أن “البشمركة جزء من منظومة دفاعية تدافع عن العراق، ومع ذلك لم يتم تسليحه من قبل الجيش العراقي خلال السنوات الماضية”، مشيرا إلى “ان البشمركة لم تتسلم من المعدات، كدعم دولي، سوى الاسلحة الخفيفة والملابس العسكرية”.

وفي ما يتعلق بسيناريو الانفصال يقول حسين إن “الاكراد جزء اساسي في العملية السياسية في العراق ولا يريدون اكثر من حقوقهم، وهم لا يرغبون بالانفصال ما لم يتم دفعهم الى ذلك” في حال انتقص من حقوقهم.

بدورها، تؤكد النائبة آلاء طالباني، وهي من “التحالف الكردستاني”، في حديث إلى “السفير” أن “تسليح البشمركة لا يعني تكريس النزعة الانفصالية، خصوصاً ان هذا التسليح يتم بعلم من الحكومة الاتحادية”.

وتشدد طالباني على ان ” تسليح البشمركة لا يعني استقواءً مبطناً، خصوصا اننا نعرف بأن داعش يمتلك تسليحاً قوياً، ولا بد إذاً ان يكون هناك تسليح مماثل له من اجل الاستمرار في الدفاع عن اراضي العراق”.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى