كتاب الموقعنوافذ

تشاؤميات جغرافيا شرسة !

تشاؤميات جغرافيا شرسة !

إذا كان صدري ضيقاً، فماذا ينفعني وسع العالم؟

في نيسان\ ابريل 2011 كتبت في يوميات خراب سورية، الذي أزعم أنني رأيته في الأيام الأولى، هذه الأسطر:

” المطلوب فوراً:

طاولة حوار…فوراً، الطاولة من خشب البلاد ، حصراً.
ودون لغة خشبية، قطعاً، وبعيدة عن المدى المجدي للدبابات، حتماً.
الآن ممكن ” طاولة لغة” أما غداً… ف” وليمة ذئاب”!
وفي أيار\مايو 2011 ، وكانت أعـداد القتلى ما تزال مما تحتمله  قريـة صغيرة، كتبت هذه اليومية:
” هناك طائر أبيض قديم، يشبه البجع، في عنقه جعبة. تتسع لليتر من الماء.
عندما تحترق الغابة، يصبح هذا الطائر إطفائياً، يروح ويجيء بين البحيرة والغابة… يرش فوق النار الماء.
الكارثة عندنا، أن هذه الطيور أبيدت، رغم أنها… لا تؤكل!”

…………………

وفي 21 حزيران\يونيو من العام 2011 كتبت هذه اليومية:

“الفرق بين إسقاط النظام، وتغيير النظام، واضح.
إســقاط النظام يعني الاصطدام بكل مكوناته الرئيـسية والثانوية : الجيــش. الحزب. الطوائف. الميليشيا الجهوية. مع استنفار كل قوات القاع السلطوي.
وإســقاط النظام قد يحتاج إلى تدخـل خارجي ، وهذا مخالف للوطنيـة السورية بإجماع.
تغيير النظام: باستخدام كل وسائل الضغط لتغيير الدستور بما يتيح تداول السلطة في محاولة لإعادة السياسة إلى المجتمع!”

………………….
لم يكن التفاؤل المتحمس، أو الحماس المتفائل، بيقظة الشعب السوري، حين هبّ مطالباً ” بالحرية والكرامة “… مما يجب أن يعتنقه مروجـو الصمت السابقون.
وطبعاً لم يكن التفاؤل أو التشاؤم من عناصر السياسة. لكن للأسف ، ليسـت الرياح مما تسهل إدارته بالتلويح بالمراوح الصينية أو اليابانية، كما يقولون، وهكذا…ولأسباب يمكن رؤية بعضها الآن ، وبعضها الآخر، غداً… أصبح اللاعبون ريشاً في مهب هذه الرياح، والشعب السوري، لاجئاً في الخيام… “يتدرب على قبره”!
إطفاء الحريق، أصبح محتاجاً إلى كل أنهار الشـمال الســوري ، الفرات، دجلة، الخابور، العاصي، وبردى (لا يعول عليه) ونحتاج إلى ذلك النوع من الطيور التي، في جيناتها، الحرص على كل شجرة، وكراهية النار.
واستطراداً مع اليوميات، التي عمرها الآن سنة ونصف، أين هي طاولة الحوار المصنوعة من خشــب البلاد، ومن اللغة غير الخشــبية ؟ لا يقبل المعارضون الحوار، بل إسقاط النظام بالسلاح. وبالتدخل الأجنبي، والنظام، في الحقيقة، لا يقبل إلا بحصة الأسد في مفاوضات، قد تعقد، ذات يوم، بعد أن تكون الحصص قد صغرت إلى فتات يليق بالثعالب والسحالي !
أما البعد والقرب من المدى المجدي للدبابات …  فقد أصبح من ذكريات مســرح قديـم لعمليات القصف .  لقـد وصلنا إلى الطائـرات وراجمـات الصواريخ . ووصلنا إلى الخمسين ألف قتيل ، وإلى ما يصعب وصفه من الدمار!
وبنظرة واحدة ، وغير مدقّقة ( ليس ضرورياً ، في الحالـة الســورية ، التدقيق ، كما يبدو ، بالحقائق أو التحديق بالوقائع) سنجد أن الطرفين ، ليس لديهما الاستعداد لإعادة النظر بالوسائل المستخدمة في الصراع: المعارضة: المعارضـة بموضوع الحرب المؤلمـة  ضد النظام ، والنظام  بموضوع التنازلات المؤلمة! كما أن الأطراف الداعمة، حاملة مشروعين متعاكسين..
ليس لديها استعداد للتراجع، بعناد ما يظنونه قضايا مصيرية. ومن هنا يمكن القول ، بعد كل هـذا الزمن ، في إحـدى اليوميات الحديثـة  29\10\2011 بعنوان: ” الاسـتبدال البذيء ـ (عيّنات) … يمكن القول أن حرب السـوريين طويلة وسلام المنطقة بعيد..
“الاقليم بدل… الوطن. التعايش بدل…العيش. أخوة الدم بدل… رفقة العمر. الطوائف بدل…الأديان . الأثنيات  بدل…الجماعة الوطنية.
الشرق الأوسط الجديد بدل… القديم. الشرق الأوسط بدل …الوطن العربي. أورشليم بدل… القدس. وشالوم بدل…السلام.
…….
والبريق بدل….البرق!”
قد تنفذ ذخيرة الطرفين، ويتوقف القتل…
ولكن سورية لا تنفذ… لأنها من فصيلة الجغرافيا الشرسة!

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى