تقرير عدوان غزة: إسرائيل أرسلت جنودها للموت

تتصدر الصحف والمواقع الإسرائيلية المقالات التحليلية والتعليقات السياسية التي تناولت تقرير مراقب الدولة، القاضي المتقاعد يوسف شابيرا، الذي حقق فيه في إخفاقات عدوان «الجرف الصامد» على غزة، ومسار أخذ القرارات إبّان الحرب، وكذلك الحال بالنسبة إلى ردود فعل المسؤولين الإسرائيليين عليه.
في صحيفة «معاريف»، كتب المحلل السياسي بن كسبيت أن ثلاثة «نجوا» فقط من «ضربة» شابيرا (التقرير المقسم إلى جزءين اثنين)، هم وزير التربية والتعليم نفتالي بينت، والنائبة عن «المعسكر الصهيوني» ووزيرة القضاء آنذاك تسيبي ليفني، وقائد لواء الجنوب الجنرال سامي ترجمان. أمّا البقية، فقد طاول أداءهم نقد لاذع.

«تعالوا نقارن ردود أفعالهم»، يقول بن كسبيت في تقريره المطوّل، قبل أن يضيف أن رئيس الأركان السابق، بيني غينتس، رفض نتائج التقرير، فيما علّق خلفه غادي آيزنكوت بالقول إن «الجيش ليس محصّناً ضد النقد، بل على العكس، يجب أن نتعلم من العبر والإخفاقات التي تناولها التقرير». أمّا وزير الأمن السابق موشيه يعالون، فرغم تقديره شابيرا، فإنه وجّه انتقاداً عاصفاً إلى الكابينيت، واصفاً إياه بـ«الصبياني» والـ«محدود الأفق».

من جهة أخرى، تقبّل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق أفيف كوخافي ملاحظات شبيرا، لكن «ليس من المؤكد أنه وافق عليها أو لا»، وهو مع ذلك «تفهّم وأشاد» بالتقرير. أمّا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فرفض تقرير المراقب، وشبّه بن كسبيت ردّ فعله على التقرير بأنه «بعثر الأوراق في الهواء». فهو إضافة إلى رفضه، حرّض أيضاً ضد شابيرا، قائلاً «إنني بخلاف المراقب، أقدّر أداء قيادات الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية».

هنا، رأى بن كسبيت أن ما تضمنه تقرير المراقب حول الأداء العسكري والسياسي إبّان عدوان «الجرف الصامد» وقبله، يمكن اختصاره بجملة واحدة: «قادة عديمو الشعور بالمسؤولية، بصورة لا تصدق، لدولة أرسلت أبناءها للموت من أجل لا شيء، ومن دون رؤية استراتيجية».
وتساءل: «ما الذي يمكن أن يبدله أو يغيّره تقرير المراقب؟»، ليجيب بالقول إن «ما حدث سابقاً سيحدث لاحقاً». ووفق قوله، يواصل نتنياهو الاستهزاء والتقليل من أهمية عمل الموظفين الذين حققوا وصاغوا التقرير، ويشيد بأداء الكابينيت، ويشدد على تجاهل الخيارات السياسية والقرارات الشجاعة قائلاً: «تمهلوا، لا أحد يرغب في مفاوضة حماس». وهو إضافة إلى تملّصه من المسؤولية وتحريضه ضد المراقب، يدعو إلى النظر في النصف الملآن من الكأس، غير خجل من كونه لم ينفذ حتى جزءاً صغيراً من «النصف الملآن» الذي يتحدث عنه.

في هذا الإطار، وجّه بن كسبيت نقداً لاذعاً لنتنياهو بالقول: «ليكن معلوماً لديك، القانون الأساس ينص على أن القائد الأعلى للجيش الإسرائيلي هو الحكومة الإسرائيلية من خلال الكابينيت، وحتى لو اعتقدت أن وزراءك يعانون من اختلال عقلي، أو أنهم يعملون في وظيفة ثانوية كالتجسّس لداعش، لا يمكنك مطلقاً التهرب من هذه الصيغة».

وأضاف: «الكابينيت من يتخذ القرارات وليس أنت، ولو حدث أنه أصبح مترهلاً ولا يقوم بمهماته، فعليك أنت ترميمه. فقد كان هناك رؤساء حكومة من قبلك، تعاونوا مع المجلس الوزاري وحققوا إنجازات مهمة وغيّروا مصائر عظمى، ومن دون أن يسرّبوا المعلومات من مجالسهم». كذلك أوصاه بقراءة التقارير الأجنبية حول قصف المفاعلات النووية في العقد الأخير «كي يتعلم منها».

بالنسبة إلى التسريبات الإعلامية، لفت المحلل السياسي في الصحيفة إلى أن «أخطر فضيحة وتسريب إعلامي» خلال العدوان، كان «عندما سُرّب عارض شرائح سلايد تابع للجيش، يتضمن تكلفة الحرب، للقناة الثانية الإسرائيلية». وأشار إلى أن «غالبية الوزراء في الكابينيت أدركوا من وقف خلف هذا التسريب، وهو أنت ــ سيدي، رئيس الحكومة»، منتقداً اعتبار الأخير أن الجيش «ظهْر» يمكن الاختباء خلفه لتغطية الإخفاق في إنجاز الوعد الذي قطعه (نتنياهو) عام 2008 (عندما قال عندما أصبح رئيساً للحكومة فسأسقط حكم «حماس» وأضع حداً لصواريخ غزة). وتابع بن كسبيت ساخراً: «لم تسقط حكماً، لم تضع حداً للصواريخ، أنت تثرثر فقط».

بالعودة إلى التقرير الذي تضمن مئات من محاضر وبروتوكولات الكابينيت، يتضح أن كلمة «أنفاق» لم تذكر في أي مناسبة خلال تلك الفترة، وهو ما يتوافق مع شهادة كل من يائير لابيد وبينت، اللذين قالا: «لم تعقد أي جلسة للبحث في مسألة الأنفاق، كما لم يقدر أحدهم حجم خطورتها، ولم يسأل أحدهم سؤالاً واحداً عنها، كما لم يتحمّل أيّ أحد المسؤولية عن ذلك».

ووفق بن كسبيت، ما حدث عام 2014 هو أن «بينِت أجبر نتنياهو والجيش على شنّ الحرب، فذهب المذكورون إلى الحرب من دون رؤية استراتيجية واضحة، ولا معرفة بمسألة الأنفاق أو تدريب مسبق»، واصفاً الأمر بـ«الصادم».
أيضاً، انتقد الغارات التي شنّت على الأنفاق، لأن «سلاح الجو الإسرائيلي كان يعرف مسبقاً أنها غير مجدية»، وتساءل: «ألم يكن هناك جنرال واحد يضرب الطاولة بيده ويصرخ بالجنود: إن الكرات تدخل في مرمانا لا في مرمى عدونا؟». وأضاف: «هناك من يقول إن نتنياهو ليس مغامراً ولا يحب الدخول في حملات عسكرية كبيرة، ويخاف الحروب. ربما هو كذلك، وهذا من حسن حظنا، ولكن تخيّلوا ماذا كان يمكن أن يحدث لو (غامر) بالإمكانات التي كانت موجودة حينذاك».

أما المحلل السياسي في صحيفة «هآرتس»، يوسي فرتنر، فرأى أن من يقرأ تقرير شابيرا «قد يصاب بالاكتئاب»، خصوصاً «حينما تُسمع أصوات الضحك الآتية من غزة تعليقاً على ما تضمنه التقرير، فيما يتراشق مسؤولونا السياسيون والعسكريون بالاتهامات». كذلك قال إنه «يتضح أن نتنياهو ويعالون أخفقا في إنهاء الحرب في وقت قصير، مع أقل عدد ممكن من القتلى، وفي النهاية الوصول إلى تهدئة واضحة وطويلة الأمد».
وخلص فرتنر إلى نتيجة مفادها أن «الأيام كفيلة بطيّ صفحات تقرير مراقب الدولة، وسيُنسى»، مضيفاً: «غزة لم تناقش ببعدها الاستراتيجي داخل الكابينيت، وكذلك تفاقم الوضع الإنساني فيها، ولا حتى حماس وأنفاقها، وآلاف الصواريخ الدقيقة التي تمتلكها… وهو ما ينتظرنا في الحرب المقبلة».

أما في صحيفة «إسرائيل اليوم»، فقد كتب يوآف ليمور«صرخة لمُداراة الجولة المقبلة»، معتبراً في مقالته أن تقرير مراقب الدولة «كشف فشل مسار أخذ القرارات داخل الكابينيت». وقال ليمور إن «هذا المسار لم يختلف منذ 2014، وإن إسرائيل لم تحدد حتى اللحظة ما الذي تريدة من غزة، وحتى من لبنان في حال نشبت حرب مع حزب الله».

وأضاف أن «الجيش الإسرائيلي لا يزال يتلمّس طريقه في العتمة»، علماً بأن شابيرا «لم يكتشف أميركا» في تقريره. ورأى أخيراً أن «على الحكومة الإسرائيلية أن تتعامل مع النتائج لتصويب الإخفاقات وتجاوزها وتعلم العبر لمواجهة الحروب المقبلة».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى