تقييم سوري هادئ لمجيء ترامب: الموقف من التطرف ليس وحده المعيار

شكَّلت هزيمة المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون مصدر سعادة بالنسبة للقيادة السورية، لا سيما أنها جاءت مفاجئة، ومخالفةً للتوقعات. لكن هذا لم يمنع حصول وقفة تأمل هادئة لما يعنيه تولي رئيس جمهوري كدونالد ترامب، حاد الطباع وذي ميول متطرفة، رئاسة الدولة الاقوى في العالم، والخصم اللدود دوماً لدمشق.

وعمل البعض على تذكر العلاقة الشائكة التي سبقت وعابت العلاقات بين الطرفين، في زمَنَي الرئيسين رونالد ريغان وجورج بوش الابن، وذلك باعتبارهما اقرب مثالين على ترامب، يمكنان من رسم سيناريو تخيلي من وحي العلاقة مع إدارتي الرجلين.

في لقاءٍ خاص جمع بين مندوبين عن الخارجية الاميركية مع المسؤولين السوريين، في بداية حكم الرئيس بوش الابن، نبه المبعوث الاميركي إلى أن «هذا الرجل يعني ما يقوله»، في إشارة لبوش، المتسلح بخلفية دينية محافظة، ونظرة حادة لأمن اسرائيل. كما أن العلاقة مع ريغن في الثمانينيات لم تكن أفضل، وابرز العقوبات التي طالت دمشق على المستويين الاقتصادي والسياسي جاءت بزمنه.

لكن خلافة ترامب لباراك أوباما تأتي على خلفية مفارقات كبيرة، بينها أن أكبر أذية طالت سوريا كبلاد وأمة جاءت على يد ادارة ديموقراطية، كانت حتى العام 2011 تجد متحمسين لها في دمشق، لدرجة وصل فيها الحديث عن امكانية عقد قمة تجمع بين الرئيسين السوري بشار الاسد واوباما، باعتبارهما «مُجدِّدَين» في بلادهما.

وسعدت دمشق بفوز ترامب، لأسباب سبق شرحها، بينها للتذكير، هزيمة كلينتون، وبالتالي الإرث المؤسساتي السياسي الأميركي، من جهة، وتصريحات ترامب التي تصبُّ في مصلحة التنسيق مع روسيا، لا معاداتها، في الشأن السوري.

ونهاية الاسبوع الماضي، ساعد في تقوية هذه الرؤية تعيين الرئيس الاميركي المنتخب الجنرال المتقاعد مايكل فلين في منصب مستشاره لرئاسة مجلس الامن القومي، لا سيما أن الأخير يعادي الاسلام المتطرف، ويؤيد زيادة فعالية عملية مكافحة الإرهاب في سوريا والتنسيق مع روسيا.

كما ساهم في دعم توقعات ايجابية تجاه سوريا حديث الإعلام الاميركي حتى اللحظة عن المرشح لمنصب الخارجية ميت رومني، صاحب الميول الواضحة ايضاً ضد «الاسلام الراديكالي»، ما يزيد من «احتمال تكوين استراتيجية مع الروس ضد الارهاب».

وتتوقع دمشق أن تستفيد من نظرة الرجلين، لفوائد التعاون مع موسكو، بدلاً من معاداتها في الحرب السورية، كما أن العلاقة المرتقبة بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين حليف دمشق يتم الرهان عليها هي الاخرى.

وبالطبع، سينعكس أي تنسيق عسكري روسي – أميركي مشترك على الحملة العسكرية، التي يمثل الطرفان جناحيها، على تنظيم «داعش»، كما سيسمح بترجمة رؤية متشابهة لدى الطرفين، لكيفية محاصرة التنظيمات الإسلامية الراديكالية في العالم، انطلاقاً من سوريا.

ما سبق لا يعني بالضرورة أن واشنطن ستقبل بالقيادة السياسية الحالية في دمشق، أو أنها ستتعاطى معها بأريحية، وهو ما يقود إلى امكانية أن يتفق الطرفان أيضاً على عملية سياسية تُتَرجم رؤيتهما لـ «خيارات توقف النزاع»، وهي خيارات ليست جميعها بالضرورة مستحبة لدى دمشق أو لدى طهران، حليفة الروس في سوريا، وحليفة دمشق الاقوى.

بل من ناحية أخرى، لا يتمتع الرئيس المنتخب بشهية جيدة لعلاقة حياد ايجابي مع طهران، بل على العكس، يدعو لإعادة التفاوض على الملف النووي الايراني من جديد، كما يعد بعقوبات جديدة على ايران.

ويبدو منظور ترامب حتى اللحظة تجاه تقسيمات الشرق الاوسط، متحرراً نسبياً من القاعدة المذهبية التي بنيت عليها سياسة الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما، من ناحية رؤية مستقبله كـ «كانتونات طائفية تخضع لادارات محلية»، واستثمار حالة «العداء الشيعي السني» المنعكسة في سوريا، بين السعودية وإيران. وهو ما قد يجعل النفوذ الايراني في سوريا (ولبنان) محل تفاوض بين موسكو وواشنطن، وذلك بما ينعكس على الميدان بشكل يصعب توقعه حاليا. كما أنه سيُجبر دمشق على الاختيار بين مسارات حادة في تناقضها، أو غير قابلة للتطبيق العملي، لا سيما أن «جزرة» تخلي سوريا عن علاقة متميزة مع إيران ظلت دوما هي الشرط السياسي الاهم واحيانا الوحيد، لأي تقدم في علاقتها مع العالم الغربي، وفي مقدمته الولايات المتحدة، كما مع الخليج ايضاً.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى