تل أبيب ما زالت تُعوّل على الاحتجاجات لإسقاط النظام الإيرانيّ

على الرغم من انكفاء الاحتجاجات في إيران ضدّ النظام، وعلى الرغم من ضلوع واشنطن وتل أبيب في دعم المُحتجّين بصورةٍ علنيّةٍ بهدف إسقاط النظام الذي أعلن مرارًا وتكرارًا أنّ هدفه الإستراتيجيّ هو محو إسرائيل عن الخريطة، ما زالت وسائل الإعلام العبريّة ومراكز الأبحاث في الدولة العبريّة تدرس وتُحلّل ظاهرة الاحتجاجات، وتُحاول سبر غور تداعياتها على النظام على المدى القريب والبعيد على حدٍّ سواء.

رئيس مجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ السابق، الجنرال احتياط يعقوف عميدرور يرى أنّ أحداث الاحتجاج في إيران مهمة جدًا، لأنّها تشير إلى فشل قيادة إيران في المجال الاقتصاديّ، والى أنّه في أعقاب هذا الفشل، ينظر مواطنون إيرانيون غير قليلين بغضب إلى الاستثمارات الإيرانية في دول بعيدة كلبنان وسورية، وإحساسهم أنّ هذا يأتي على حسابهم.

وأشار عميدرور، المُقرّب جدًا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أشار إلى أنّه من التقارير كلّها يصعب أنْ نعرف إذا كان لهذه الاحتجاجات تأثير حقيقي في النشاط الإيرانيّ وفي مهام الحرس الثوريّ، ولكن يبدو أنّ الجواب عن ذلك سلبي، مُضيفًا أنّ الإشاعات عن إخلاء قوات الحرس الثوريّ في مصلحة قمع الاضطرابات في إيران تبدو مبكرةً وغير دقيقة، إذ في هذه الأيام بالذات يجري قتال حقيقي في منطقة إدلب، بدأ بمبادرة الحكم السوريّ وحلفائه الروس والإيرانيين.

وتابع قائلاً إنّ الاحتجاج، كما يبدو في تقارير وسائل التواصل الاجتماعيّ، كان على ما يبدو تعبيرًا عن خيبة أمل الطبقات الوسطى والشباب: فقد جذبت الآلاف ولكن ليس الملايين، أقل بكثير ممّا كان عشية الثورة في 1979، بل وأقّل من عدد المتظاهرين في 2009.

أمّا النظام الذي تمكن من التغلب على الموجة التي كانت أعلى بكثير وجارفة قبل ثماني سنوات، طور منذئذ أدوات القمع لديه، ويبدو أنّه نجح في التغلب على الموجة الحالية، وجاء بيان الحرس الثوريّ بأنّه انتهت مهمتهم، ليكون على ما يبدو مبكرًا ومتفائلاً أكثر ممّا ينبغي، ولكن إذا لم يطرأ تغيير مفاجئ، فليس هذا هو الحدث الذي عليه سيُسقط النظام.

وأوضح أنّه سؤال شائق هو: هل مثلما قبل تسع سنوات، الاضطرابات في إيران، هي بداية سياق شرق أوسطي، الاضطرابات في إيران في 2009 كانت مثابة مقدمة للربيع العربي الذي اندلع في تونس. هل إحساس خيبة الأمل في الدول العربية، الذي هو ليس أقل من إحساس الخيبة لدى الشباب الإيرانيين، سيجد تعبيره في احتجاجٍ شعبيٍّ غاضبٍ في الزمن القريب المقبل؟

في نظرة إلى الوراء، أردف عميدرور، يكاد يكون بعد عقد من التسونامي الشرق أوسطي، الذي اجتاح الدكتاتوريات التي بدت وكأنّها صامدة في وجه رياح التغيير، لا يمكن إلّا نشعر بخيبة الأمل السائدة في المنطقة.

وتابع: الإيرانيون ليسوا وحيدين، إذ أنّ الوضع الاقتصادي للمواطنين في مصر لم يصبح أفضل بعد سقوط مبارك، وبالتأكيد حياة الليبيين لم تصبح أكثر راحةً بعد أن تخلصوا من القذافي، ويمكن التقدير أنّ معظم سكان سورية ليسوا سعداء أكثر بعد سبع سنوات من الحرب.، وجزم أنّ الشرق الأوسط لم يصبح مكانًا آمنًا أكثر للجيل الشاب، ولا حتى في تونس التي بدت للحظة مكانًا أجرت فيه الثورة تغييرا مباركًا.

يتبين، لفت الجنرال بالاحتياط، أنّه من أجل إحداث التغيير، كي تحظى الاضطرابات ضدّ الحكم الطاغية بالفعل وعن حق باللقب الملزم “الربيع″، هناك حاجة لأكثر من جماهير في الميادين وحاكم مُطاح، هناك حاجة لتغيير ثقافي، وهذا هدف أصعب بكثير على التحقيق. هل إيران أوْ أيّ دولةٍ عربيّةٍ أصبحت أقل فسادًا في أعقاب الثورة؟ يبدو لا.

هل في أيٍّ من الدول أصبح المجتمع منفتحًا أكثر، والاقتصاد أقل ارتباطًا بالروابط العائلية والصداقات مع الحكام؟ من شبه المؤكد لا. باختصار، في أفضل الأحوال أدّت الثورات إلى تغيير الحكام، ولكن ليس إلى تغيير حقيقيّ، في أسوأ الأحوال استبدلت الدكتاتورية بالفوضى، وليس مؤكّدًا ما هو الأفضل.

الاستنتاج من هذه الأمور محزن، برأي الجنرال عميدرور، ولكن يجدر العمل في ضوئه: فعذابات سكان دول المنطقة لم تنتهِ، وعليه فيمكن التقدير أنّ العواصف التالية على الطريق، وحتى لو تغلّب الحكم عليها وربما حتى منعت اندلاعها، ينبغي الاعتراف أنّ الوضع متوتر تحت السطح ومن شأنه أنْ يتفجر.

وشدّدّ على أنّه لا توجد أيّ طريقة لأنْ نعرف ما الذي سيشعل النار، الحكام على وعي بذلك، ولهذا فهم يحاولون تأجيل كلّ مواجهةٍ، وإعداد أدوات أفضل كي يكون في وسعهم التصدي للظاهرة التي لم ينجحوا في التصدي لها في العقد الأخير: جموع غاضبة من الناس، مستعدون لأنْ يضحوا بأرواحهم وأنْ يسجنوا، وفي مثل هذه المواجهات لا يكفي الجيش، حتى لو أراد، وهو لا يريد دومًا، بحسب تعبيره.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى