تنمية القناة.. مشروع قومي أم بداية تقسيم؟ (صفاء عزب)

 

صفاء عزب

ارتبط يوم الخامس من يونيو (حزيران) في الأذهان العربية والمصرية تحديدا بذكرى نكسة 1967 ولكنه يوافق في الوقت نفسه الذكرى الـ38 لإعادة افتتاح قناة السويس عام 1975، أمام حركة الملاحة الدولية بعد ثمانية أعوام أغلقت فيها القناة بسبب العدوان الإسرائيلي عام 1967 حينما حول الرئيس الراحل محمد أنور السادات ذكريات يوم النكسة إلى فرحة عالمية بالافتتاح الثاني للمرفق الملاحي العالمي المهم. وتأتي ذكريات إعادة فتح قناة السويس هذا العام مختلفة في ظل حالة الجدل الساخن بين الحكومة ومعارضيها لمشروع تنمية محور قناة السويس الذي يتخوف الكثيرون من أضراره المحتملة على الأمن القومي والسيادة المصرية على منطقة القناة بينما يحظى المشروع بدعم كبير من المؤيدين الذين يؤكدون أن 100 مليار دولار هي قيمة العائد المتوقع سنويا لمصر من إنجاز هذا المشروع إضافة إلى استصلاح أربعة ملايين فدان تسهم في إعادة التوزيع السكاني الجغرافي بمصر.
* تتضمن خطة تنمية محور القناة 42 مشروعا منها ستة مشاريع لها الأولوية وهي إنشاء نفق الإسماعيلية الذي يمر بمحور السويس للربط بين ضفتي القناة وتطوير طرق القاهرة السويس وبورسعيد والإسماعيلية للربط بين العاصمة وإقليم القناة. وتطوير ميناء نويبع كمنطقة حرة ومطار شرم الشيخ وإنشاء نفق جنوب بورسعيد أسفل قناة السويس لتسهيل الربط والاتصال بين القطاعين الشرقي والغربي لإقليم قناة السويس هذا بالإضافة إلى 28 مشروعا آخر سياحيا وصناعيا وتعدينيا وكذلك على مستوى الدعم اللوجيستي واستثمارات بعشرات المليارات من الدولارات.
وفي الوقت الذي يقوم فيه مسؤولون مصريون بجولات خارجية للتسويق للمشروع بين مستثمري العالم يسود الجدل الداخلي والتشكيك في أهميته وفي نوايا القائمين عليه. وما زاد من حدة الجدل حول المشروع قيام الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء الأسبق ورئيس الهيئة الاستشارية لمشروع شرق بورسعيد الذي يعتبر جزءا من محور القناة بتقديم استقالته اعتراضا على المشروع الحكومي وطريقة إدارته والقانون الخاص به رغم كونه محسوبا على الإخوان وعلاقته الطيبة معهم وهو ما أكدته السيدة ريم مديرة مكتبه لـ«الشرق الأوسط». وكان الدكتور عصام شرف قد كشف في مؤتمر خلال وجوده بأديس أبابا أن المشروع ليس وليد الثورة وليس مشروعا للإخوان كما يتردد، وأكد أنه يعمل ومجموعة من الخبراء على مشروع تنمية محور قناة السويس منذ 15 عاما تقريبا عندما كان عضوا بمركز بحوث النقل. وقال: «جاءتني مجموعة من الخبراء عندما كنت رئيسا للوزراء في أبريل (نيسان) 2011 بهدف إنجاز هذا المشروع في ضوء ما تشهده مصر من تحديات، وواصلت العمل حتى بعد تركي المنصب ووضعنا بالفعل خارطة طريق، وبعد ذلك بنحو 4 أو 5 شهور، ظهر فجأة مشروع القانون!».
وعلى الرغم من أن المشروع ليس بجديد فإنه يثير جدلا على كافة المستويات السياسية والأمنية الاستراتيجية والاقتصادية بل والقانونية أيضا فقد كتب المستشار طارق البشري الفقيه الدستوري الكبير مقالا صادما في إحدى الصحف المصرية الكبرى وتناقلته مختلف الصحف يعرب فيه عن رفضه الشديد للمشروع الذي وصفه بأنه يرفع السلطة المصرية عن إقليم القناة. وقال إن مواد قانون المشروع تتعارض مع مواد الدستور الجديد وأنها ستؤدي إلى إعلان استقلال إقليم قناة السويس عن الدولة.
وامتد الجدل خارجيا عربيا وإقليميا حول التأثيرات السلبية المتوقعة لإنشاء مشروع القناة الجديد على الموانئ البحرية المشابهة والموجودة في المحيط الإقليمي لمصر ومنها ميناء دبي خاصة بعدما تردد من أن مشروع قناة السويس هو السبب الرئيسي لتوتر العلاقات بين مصر والإمارات.
ومما ساهم في إثارة هذا الموضوع على الساحة ما نشر على مواقع مصرية من تصريحات منسوبة للمفكر السياسي الأميركي نعوم تشومسكي أن مشروع تطوير إقليم قناة سيصبح أكبر كارثة لاقتصاد الإمارات، خاصة دبي؛ حيث إن اقتصادها خدمي وليس إنتاجيا قائما على لوجيستيات الموانئ البحرية، وإن موقع قناة السويس هو موقع استراتيجي دولي أفضل من مدينة دبي المنزوية في مكان داخل الخليج العربي الذي يمكن غلقه إذا ما نشب صراع مع إيران!! وعلى الرغم من نفي تشومسكي لهذه التصريحات فيما بعد فإنها وجدت أصداء ترويجية من قبل مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين والذين نشروا بيانا على الموقع الرسمي لحزبهم الحرية والعدالة قالوا فيه إن تنفيذ مشروع إقليم قناة السويس، يحتاج إلى دعم شعبي بجانب الإرادة السياسية، واعتبر البيان المنشور على موقعهم أن معارضة المشروع نابعة من مراعاة «خاطر أمن إسرائيل القومي وأمن الإمارات الاقتصادي بسبب ميناء دبي ومراكزها اللوجيستية!! كما لمح الرئيس مرسي نفسه خلال كلمة له أمام اجتماع للجالية المصرية في أديس أبابا وقال إن مشروع محور قناة السويس قد يؤثر على مصالح دول أخرى وإن هذا أمر مشروع في ظل المنافسة الاقتصادية.
الخبير الاستراتيجي الفريق حسام خير الله رئيس هيئة المعلومات والتقديرات ووكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق، أكد في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن مشروع القناة المزمع إنشاؤه لا يشكل خطورة في حد ذاته ولكن الخطورة تكمن في القانون الخاص به تحت دعاوى تجنب البيروقراطية بينما لدينا مناطق حرة مستقر العمل فيها ويمكن إدخال التعديلات التي تيسر العمل دون ترك العنان من دون حسيب أو رقيب لمجلس إدارة المشروع الذي يضم 14 عضوا. وقال لا يجوز أيضا إطلاق يد رئيس الجمهورية في التصرف كما يشاء خاصة أنه ورد بمسودة القانون إمكانية توسيع المنطقة المخصصة له وبالتالي يمكن أن نفاجأ في ظل حكومة الإخوان ورئاسة الدولة بامتداد هذه الحدود لتصل إلى مناطق حتى الحدود الشرقية أو يتم الالتفاف للسماح باستيطان جنسيات غير مصرية في سيناء أو توظيف عمالة في المشروع غير مصرية أيضا وعلى ذلك يجب أن يضم تشكيل مجلس الإدارة عضوا من المخابرات العامة وآخر من القوات المسلحة وأن تخضع مساحات الأراضي وحدودها لاعتبارات الأمن القومي دون تزيد أو تحكم ويمكن المطالبة بالحصول على موافقة مجلس الشعب على الأربع عشرة شخصية.
وعن مدى تأثير المشروع على العلاقات الدولية لمصر في مجال المنافسة قال الفريق خير الله لم نر مثل ذلك التأثير مثلا على العلاقة بين سنغافورة والإمارات العربية المتحدة، كما أن شركة إدارة موانئ دبي هي التي لها حق إدارة ميناء العين السخنة بمنطقة السويس المصرية وحرية التجارة يجب أن تحترم كما أن دولة مثل سنغافورة أو الإمارات أصبح لديهما من الموارد ما هو أكثر من احتياجاتهما الفعلية ويصبح المحك هو حجم التسهيلات والإغراءات لاستخدام تلك الموانئ. وبالنسبة لأحداث القلق في سيناء وتأثيرها على المشروع قال خير الله لـ«الشرق الأوسط» لا شك أنه يؤثر سلبا وتساءل كيف نشجع الاستثمار في مكان يمكن أن يتعرض المستثمر وأعماله فيه للمخاطر في ظل دولة ترعى وجود جماعات متطرفة على أرضها أخذا في الاعتبار أنه كلما تراخت يد الدولة في فرض السيادة على أراضيها ازداد تطرف سلوك هذه الجماعات ولا ننسى نظرية الاستحلال والتكفير التي تلجأ إليها هذه الجماعات سواء لتوفير التمويل أو لبسط نفوذها. وأضاف وكيل المخابرات المصرية السابق أن السؤال المهم هنا عن الإيجابيات الأمنية والاستراتيجية لمشروع القناة على تعمير سيناء والتي تتمثل في نقل كتل سكانية إلى سيناء تسهم في تعميرها وكلما أمكن تشجيع أهل سيناء على المشاركة في المشروع ازداد ارتباطهم به وتعاونهم في تأمين الأوضاع في سيناء وللعلم فإن هناك خبراء كوريين قد أعدوا 8 مجلدات عن الإمكانيات والعائد الضخم للمشروع والذي يبلغ نحو 200 مليار دولار سنويا وفقا لهذه الدراسة.
وعن تفاصيل المشروع أوضح الفريق خير الله لـ«الشرق الأوسط» يعتمد مشروع القناة على مشاريع قائمة بالفعل في كل من منطقة شرق التفريعة والإسماعيلية وغرب خليج السويس وإن كانت أولوية مواجهة مشروع البطالة بصورة أسرع تعطي بعدا أمنيا واستراتيجيا وذلك بتشجيع حركة البناء في العقارات والتغلب على ادعاءات عدم توافر أموال بتقديم تيسيرات لشركات المقاولات والمطورين العقاريين كما يجب العمل في مجال البنية الأساسية بتوسع مثل مد السكك الحديدية والطرق وكذلك الاستثمار في التعليم وهي أمور تعطي عائدا سريعا بينما أي مشاريع جديدة في منطقة القناة لن تعطي عائدا قبل 3 سنوات مع ضرورة إعطاء عناية قصوى لزراعة 3 ملايين فدان خلال السنوات السبع المقبلة وبما يتطلبه ذلك من توفير مياه للري من مصادر أخرى بعيدا عن الوارد من مياه النيل فتعداد سكان مصر عام 2050 سيصبح ما بين 154 و162 مليون نسمة وهو ما يعني الحاجة لإضافة زراعة 8 ملايين فدان من الآن تحتاج إلى 140 مليار متر مكعب وهي تعادل ضعف ما يتوافر بمصر حاليا. ويبقى السبيل الأكبر هي تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية أرخص الطاقات فضلا عن العمل مع الصناديق الدولية ودول حوض النيل للاستفادة من 1600 مليار متر مكعب راكدة في مستنقعات المنطقة الاستوائية بإنشاء مشروع مكمل لقناة جونجلي الجنوبية في المنطقة الشمالية.
وعن الجانب الهندسي والتكنولوجي للمشروع ومدى تشابهه مع المشاريع الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وتنافسه معها صرح الدكتور كمال شاروبيم نائب رئيس جامعة قناة السويس والأستاذ بكلية الهندسة ببورسعيد أن مشروع محور قناة السويس ليس وليد العصر الحالي فقد سبق طرحه قبيل حرب 67 وبعد حرب أكتوبر 1973. وقال إنه من المشاريع الكبرى التي تغطي منطقة قناة السويس من خلال عدة مشاريع صناعية ولوجيستية وموانئ جديدة وطرق وأنفاق تحت القناة وصناعات جديدة متعددة بالإضافة إلى توفير ما يقرب من مليون فرصة عمل للمصريين. وأوضح دكتور شاروبيم لـ«الشرق الأوسط» أن المشروع يحتاج نوعا من التوضيح في مراحله الأولى وإن كانت الحكومة المصرية لم تبدأ أي خطوات وما زالت تطرحه للمكاتب الهندسية وهي في مرحلة ما قبل اختيار المكتب الاستشاري العالمي الذي سيقوم بعمل دراسة تخطيطية للمشروع وقال دكتور شاروبيم: «بحكم وجدي بمنطقة القناة أرى أن المشروع أضخم من مشروع السد العالي وقد يستغرق أكثر من عشر سنوات لإنجازه ولن تقل فترة التخطيط عن سنة كاملة ولكني كمهندس أرى أيضا أنه يحتاج لتمويل بمئات المليارات للاستثمارات الضخمة من الخارج لأن خزينة مصر لن تستطيع تمويل المشروع بمفردها وتحتاج لوسائل الدعم الجاذبة للمستثمرين في المنطقة». وقال شاروبيم إن مياه القناة لم تعد مانعا للمخاطر كما كانت في الماضي بعد أن عبرها المصريون ومن ثم أصبح تعمير منطقة القناة بمثل هذه المشاريع هو الحماية الحقيقية لحدودنا لأنها حماية طبيعية من خلال مشاريع للتنمية والتعمير.
وعن مدى تأثير مشروع قناة السويس على مستقبل موانئ المنطقة كدبي مثلا وأبعاده المحتملة على العلاقات المصرية الإماراتية قال إن مشروع قناة السويس بالفعل يماثل مشاريع أخرى في المنطقة منها مشروع مضيق البسفور بتركيا وميناء دبي بالإمارات ومشروع جبل علي فكلها مشاريع تقوم على صناعات وتموين سفن وخدمات لوجيستية ومن الوارد أن يؤثر مشروع القناة على بعضها خاصة في ظل الميزات النسبية لمصر التي تمتلك كل النواصي في اتجاه أوروبا شمالا أو أفريقيا جنوبا أو آسيا غربا كما أن منطقة قناة السويس يمر بها ما يقرب من 15 في المائة من حجم التجارة العالمية ولكن اتساع حجم التجارة العالمية وتضاعفها مع الوقت يقلل من تأثير مشروع القناة على المشاريع القديمة المشابهة.
من المعارضين للمشروع الدكتور هاني الحفناوي أستاذ الإدارة الاستراتيجية بالجامعة البريطانية بالقاهرة الذي أكد أيضا لـ«الشرق الأوسط» أن مشروع القناة الجديد ليس بجديد بل عمل فيه خبراء مصريون من شتى المجالات لمدة 20 عاما. وقال إنه امتداد للعشوائية في الإدارة والتخطيط، حيث إن المرحلة الحالية وحال الاقتصاد لا يسمح بالدخول في مشاريع عملاقة طويلة الأمد. وفي هذه المرحلة التي يغطي الاحتياطي النقدي احتياجات شهر واحد من الواردات العاجلة يجب التركيز على المشاريع الاستراتيجية التي لها أكبر عائد وأقل فترة زمنية وتستخدم أكبر عمالة.
وطالب بضرورة أن تكون البداية بوضع رؤية محددة تؤدي إلى الاصطفاف وتوحيد الصفوف بدلا من حالة التشرذم الحالية، وبعد ذلك يجب وضع خريطة استراتيجية على مستوى مصر كلها والقيم الدافعة التي تحقق أكبر قيمة مضافة. وبعد ذلك يمكن استخدام بطاقات الأداء المتزنة Balanced Scorecard لقياس الأداء للمسؤولين من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حتى المحافظين ومديري الأمن في إطار من الشفافية التي تؤكد على معايير الاختيار والتميز.
وقال الدكتور الحفناوي لـ«الشرق الأوسط» إن معارضتي للمشروع تنبع من التوقيت والأوليات. إذ يجب البدء في تحسين الإدارة العامة وإدارة المشاريع في مصر قبل أن نخوض في توشكى أخرى. ومن المعروف أن المشاريع في مصر تستهلك 5 أضعاف الوقت اللازم لإنجاز المشروع في أي بلد آخر. وذلك لغياب التخطيط والمتابعة وقلة ساعات العمل الفعلية وانعدام الحافز ووسائل إدارة المشاريع الحديثة وعدم التحكم في المدخلات المهمة وخاصة الوقت والمال والمعدات والمواد الخام والعمالة والطرق الإدارية.
وأضاف أن دبي تتفوق على مصر بمراحل في كفاءة وفاعلية الإدارة، حيث تعمل معهم كل شركات الإدارة العالمية التي ترفض فتح مكاتب لها في مصر نظرا للتخلف الإداري الهائل في كل القطاعات الحكومية وحتى القطاع الخاص. وقال إن دولة الإمارات خاصة أبوظبي تعتمد على الدخل من مشاريع النفط والغاز. أما إمارة دبي فتعتمد على التجارة والسياحة وتجارة الترانزيت وتكامل هذه الخدمات مع المطارات وشبكة الطرق والمرافق والمولات. لكن مصر متخلفة في هذه المجالات عشرات السنين من العمل الجاد الذي لم يبدأ بعد، وبالتالي لا أرى أي تنافس حتى الآن في العشر سنوات المقبلة خاصة أن مصر ما زالت تتبع الإدارة العشوائية ولم تبدأ بعد في الإدارة الاستراتيجية التي تطبقها كل الدول من سنين كثيرة!! وعن البعد السياسي في المشروع قال الدكتور عصام عبد الشافي أستاذ العلوم السياسية الزائر بجامعة الإسكندرية لـ«الشرق الأوسط» إن أهمية مشروع محور قناة السويس تنبع من أهمية المنطقة التي يقع فيها المشروع والتي يستهدفها التطوير، ليس فقط بالنسبة لمصر ولكن بالنسبة للعالم أمام الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس في العلاقات الدولية وفي الاقتصاد العالمي الحديث والمعاصر منذ شقها في عام 1869. وبالتالي فإن الحديث عن تطويرها لا بد أن يكون مثيرا لاهتمام كل المستفيدين من القناة، وكذلك كل الذين يمكن أن ينعكس عليهم تطويرها بشكل سلبي.
الدكتور يسري حماد نائب رئيس حزب الوطن الإسلامي قال لـ«الشرق الأوسط» مشكلة قناة السويس تتوارثها الأجيال فقد تم بناؤها وقت أن كانت مصر تحت الاحتلال الفرنسي ولتقوم الشركة الفرنسية بتمويل مشروع حفر القناة مع سخرة الأيدي العاملة المصرية لتدخل مصر حربا تذهب بسيادتها عام 1956 لتستعيد القناة التي بنيت على أرض مصرية. والتاريخ يعيد نفسه في أسوأ صورة، فاللجنة الاستشارية التي تم تشكيلها برئاسة الدكتور عصام شرف وعضوية ثمانية من المتخصصين في كافة الشؤون المتعلقة بمشروع اسمه تطوير قناة السويس وليس تطوير إقليم كامل وبقيمة مبدئية ملياري جنيه لتطوير ميناءي بورسعيد وميناء آخر في خليج السويس مع تطوير المجرى الملاحي ليسمح بازدواجية المرور مع تطوير الميناءين ليسمحا بخدمات السفن العابرة مع إقامة مشاريع صناعية لخدمة السفن وكذلك تخصيص مساحات للشحن والتفريغ، ينهي عمله باستقالة بعد أن قام باستشارة كافة المتخصصين من جميع التخصصات وكذلك بعد استشارة المتخصصين في وزارة الإسكان لتقديم الخبرة الاستشارية للحكومة والرئاسة. وأضاف حماد في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» كانت المفاجأة أن هناك فريقا موازيا مجهول الهوية ومجهول الخبرة قام بعمل دراسات لمشروع آخر اسمه إقليم القناة ووضع شروطا مخالفة لما وضعته اللجنة الاستشارية تضع سيادة مصر مرة ثانية تحت رحمة المجهول بما فيها شركات مساهمة لشراء المشروع ولا ندري من سيشتري وكيفية تداول الأسهم فيما بعد في وقت تتربص فيه قوى خارجية بمصر وستنتهز أي فرصة تتدهور فيها قيمة العملة المصرية لشراء الأسهم بالكامل بما يذهب بالمشروع بعيدا عن السيادة الوطنية. مثل هذه المشاريع لا بد أن تكون تحت سيادة ورقابة الدولة مباشرة بعيدا عن المستثمرين الأجانب، الأمر الذي يستوجب وضع الضمانات القانونية لضمان سيطرة الدولة على المشروع في جميع مراحله أو تنفيذه بنظام بي أو تي لفترة محددة يعود بعدها تماما للسيادة الوطنية. إضافة إلى أن ملياري جنيه لتطوير المواني والمجرى الملاحي بلا شك سيكونان قطرة في بحر إذا تم تنفيذ مشروع إقليم القناة مما يحتاج معه لضخ أموال أخرى للمشروع لا يعلم من أين تأتي. المصيبة الثالثة أن طاقم إدارة المشروع غير متخصص؛ وعلى سبيل المثال فقد تم استقدام شخصية متخصصة في ميكانيكا السيارات ليعين كأمين عام للمشروع بصفته الحزبية التابعة للحرية والعدالة من دون سابق خبرة في إدارة المشاريع الصغيرة فضلا عن إدارة مشروع قومي لا يقل بحال عن مشروع بناء السد العالي الذي سخرت له الدولة كل إمكاناتها ليكون سدا مصريا خالصا من دون أي سيطرة أجنبية مما يجعلنا نتساءل من هي الأيدي الخفية التي أدت إلى تحويل مسار المشروع ومن هو الممول الحقيقي وأين هي الضمانات القانونية لمنع سيطرة رأس المال الخارجي على المشروع القومي المصري في العهد الجديد ولماذا لم تتم دراسة استقالة الفريق الاستشاري دراسة وطنية تحافظ على التراب والمال المصري ولم تتم دراسة مقترحات المستشار طارق البشري دراسة قانونية واعية! فالمشروع سيمتد ليؤثر على الأجيال المقبلة ومن الممكن إن لم تتم دراسته دراسة محترفة واعية فسيتعرض التراب الوطني للخطر ولانتهاك السيادة الوطنية في وقت يعتبر فيه الشك سيد الموقف.
وقد أبدى الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية وأحد أقطاب المعارضة المصرية امتعاضه من أسلوب إدارة الرئيس مرسي للدولة ولمشاريعها وسياستها الحيوية وقال لـ«الشرق الأوسط» لا توجد سياسة خارجية قوية مدروسة إلا في ظل نظام سياسي قوي ومستمر خاصة في ظل الاضطرابات الإقليمية والدولية في المرحلة الحالية وفي ظل نظام قادر على تحقيق هذه الرؤية المدروسة والعمل من خلالها وهي رؤية غير موجودة للأسف بمصر حاليا وبالتالي فأي دولة إقليميا وعالميا لا تأخذ مصر على محور الجد لأنها لا تعرف إن كان النظام الموجود بها باقيا أم زائلا اليوم أو غدا وغير واثقة أنه نظام سيفي بالتزاماته. وإضافة إلى ذلك فإن جماعة الإخوان المسلمين يعملون على مشروع التمكين على المستوى المحلي مما يحول مشاركة باقي القوى السياسية في السياسة الخارجية وهو ما يجعل الخيارات محدودة كما أن الإخوان المسلمين يفتقرون للخبرة السياسية التي تجعل هناك تخبطا في السياسة الخارجية المصرية.


صحيفة الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى