ثمن الموصل الذي دفعه العراق وسوريا لتركيا

يحاول الرئيس التركي الزعم بأن “الذين جلسوا خلف طاولة المفاوضات في لوزان لم يتمكنوا من الدفاع عن حقوقنا”، بحسب تعبيره. لكنه في المقابل يتوعّد بأنه سيكون على أرض المعركة في العراق “في الحرب ضد الإرهاب”، من أجل الجلوس خلف طاولة المفاوضات.

ما يقوله الرئيس التركي بشأن ما سماه مشكلة إعادة بناء المنطقة، ربما لا يضيف جديداً إلى ما سبقه إليه مدراء المخابرات الأميركية والفرنسية والبريطانية الذين يتوقعون تجزئة العراق وسوريا وتفتيت المنطقة. لكن في هذه المشكلة التي تهدد المنطقة قد تكون تركيا أحد الفاعلين فيها، ومن ثَمَ أحد البلدان التي يمكن أن يتمدد إليها حريق التفتيت من الأوسع إلى الأضيق ومن العام إلى الخاص.

مراهنة الرئيس التركي على تجزئة المنطقة لبناء حديقة خلفية في سوريا والعراق، قد تحمل ارتدادات عكسية على تركيا، وفق معاهدة لوزان نفسها التي طالب في اجتماعه مع المخاتير في أنقرة بإعادة النظر فيها ظناً منه أن إعادة النظر تخدم الطموحات التركية. بينما أخذت تركيا في لوزان من العراق وسوريا، مقابل وقف مطالبتها بالموصل، الفيض من الأراضي السورية والغيض من الأموال العراقية.

هذه المعاهدة الموقعة عام 1923 ضمّت إلى تركيا الأقاليم السورية بحسب معاهدة “سيفير” عام 1920، فبلغت حوالى 18 ألف كلم2، وشملت مدن ومناطق مرسين وطرسوس وأضنة وعنتاب وديار بكر وماردين وجزيرة بن عمر….إلخ كما مهّدت لجائزة ترضية أخرى بفصل أنطاكية ولواء الاسكندرون عن ولاية حلب وفق اتفاقيات سايكس بيكو، وضمها إلى تركيا ما أن أصبح الانتداب على سوريا نافذاً عام 1939.

وفي العراق أيضاً عوّض الانتداب البريطاني على تركيا لوقف مطالبتها بالموصل، بفرض أتاوة 10% من الودائع النفطية على الحكومة العراقية، لقاء توقيع تركيا على معاهدة ترسيم الحدود مع العراق عام 1926. وقد بلغت قيمة الأتاوة على مدى 25 عاماً 10 ملايين و750 ألف جنيه استرليني بقيمة ذلك الزمان فضلاً عن حوالى ألف كلم2 في منطقة أشوشار.

المطالبة التركية بالموصل كانت على الدوام ورقة رابحة في يد أنقرة، حين يتعلق الأمر بالسيادة العراقية عليها. لكن تركيا لم تثر اعتراضاً حين تنازلت فرنسا عن الموصل لبريطانيا في “سان ريمو” مقابل حصة من نفط الولاية لفرنسا، ومقابل إطلاق اليد الفرنسية في بلاد الشام. بل على العكس من ذلك وافقت تركيا على الاعتراف بالموصل تحت الانتداب البريطاني للعراق في معاهدة بريطانية ــ تركية ــ عراقية في 5 حزيران/ يونيو عام 1925، بعد تقرير “لجنة التحقيق الأممية” عام 1923 الذي رسم الحدود بين تركيا والعراق وفق ما يعرف بخط بروكسل، وهي الحدود الدولية المتعارف عليها اليوم.

إشارة الرئيس رجب طيب إردوغان إلى معاهدة لوزان للتصويب على الموصل، تتغاضى عن الأراضي الواسعة غير العربية التي سلختها معاهدة لوزان عن الإمبراطورية العثمانية. ومنها قبرص واليونان وأرمينيا وجزر بحر إيجه التي يُسمع صياح ديوكها على الشواطئ التركية كما يقول الرئيس التركي. لكن الإمبراطورية كسبت هذه الأراضي وغيرها في بلاد الله الواسعة بالحرب والتمدد، كما خسرتها في الحرب العالمية الأولى بالحرب وتمدد الدول الاستعمارية الغربية. وقد أقرّت تركيا بوراثة ما أُطلق عليه وصف “الرجل المريض” في معاهدة “مودروس” مع الحلفاء عام 1918. بل إن الرئيس التركي اعترف بأن معاهدة “سيفير” الأشد قساوة من معاهدة لوزان هي إعلان ولادة الجمهورية التركية.

يحاول الرئيس التركي الزعم بأن “الذين جلسوا خلف طاولة المفاوضات في لوزان لم يتمكنوا من الدفاع عن حقوقنا”، بحسب تعبيره. لكنه في المقابل يتوعّد بأنه سيكون على أرض المعركة في العراق “في الحرب ضد الإرهاب”، من أجل الجلوس خلف طاولة المفاوضات. واللافت أنه في خطابه نفسه تعهّد بالسيطرة على 5 آلاف كلم2 في الأراضي السورية، بمثابة حديقة خلفية ومنطقة آمنة من دون الجلوس وراء طاولة المفاوضات مع الدولة السورية. وقد لا تكون الموصل جُلَ مبتغاه في العراق، فولاية الموصل القديمة شملت كركوك والجزء الأكبر من شمالي العراق حيث إقليم كردستان الحالي. لكن ولاية الموصل كانت منافذها البحرية كما كانت ولاية حلب في الأراضي التي أصبحت تحت سيادة الجمهورية التركية، وكان قطار التأثير في الأحداث الكبرى يسير على خطي ذهاب وعودة.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى