“جفّت الأقلام ورفعت الصحف”.. ضربة أمريكية لرعاية الأردن للمقدسات

صفع مستشار الرئيس الامريكي وصهره جاريد كوشنير المسؤولين الأردنيين بوضوح وصراحة وهو “ينزع” عن نظامهم الوصاية على المقدسات في القدس ويمنحها للإسرائيليين، في كلمته التي بدت “مستفزة” في افتتاح السفارة الامريكية في القدس، ليذهب أبعد من كل التنبؤات حول سوء الإدارة الأمريكية الحالية.

كوشنير، قال جملة قد تصبح فارقة في التاريخ الاردني لما لها من أبعاد على السياسة وعلى هوية النظام في عمان، دون أي مراعاة لمصالح الأردن كدولة يفترض أنها حليفٌ للولايات المتحدة ومنذ سنوات طويلة. كوشنير قال حرفيّاً إن “اسرائيل هي الوصي المسؤول عن القدس وما فيها”.

أمام جملة كهذه “تجفّ الأقلام وترفع الصحف”، فلا يمكن لعبارات المجاملة التي أطلقها مساعد الرئيس الامريكي مايك بنس ولاحقا وزير الخارجية مايك بومبيو للاردن، وحديثهما عن السيادة والوصاية وحفاظ الولايات المتحدة على المصالح الاردنية ان تغير شيئا من التفويض الذي منحه كوشنير، مهندس عودة العلاقات بين الاردن واسرائيل بعد أزمة السفارة.

كما “لا تغني ولا تسمن” عبارات الاستنكار التي اطلقها وزير الاعلام الدكتور محمد المومني، أمام الاسرائيليين الذين حتى قبل التفويض المذكور كانوا ينتهكون القوانين الدولية وبالنسبة للاردن كانوا يهددون الوصاية الهاشمية للمقدسات ويهاجمون حراس الحرم (موظفون اردنيون) مراراً، وهو ما على عمان اليوم ان تتوقع انتهاكات بالجملة له.

حراس الحرم والاماكن المقدسة أصلا، قد لا يكون من التسرع الحديث عن كون مصيرهم بات مجهولاً، فهؤلاء سيكون وجودهم اليوم بمثابة “انتهاك للسيادة الاسرائيلية” المفروضة امريكيا على القدس، وبالتالي تحت أي ذريعة سيصبح الاردن امام خيار صعب او موقف اصعب.

الرئيس الأمريكي وإدارته كل يومٍ يغرزون “ناباً جديداً” في الجسد الاردني، الامر الذي يبدو ان الاردن وهو يعلي سقف بيانه المدين لنقل السفارة، كان يحاول التخلص من بعضه أو حتى مقاومته، على ضعف هذه الطريقة اليوم.

كوشنير بذلك- على الأغلب- يفي بوعده ليس للاسرائيليين فقط، بل ولصديقه المقرب الجديد ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، والذي زامن صعود نجمه منذ اكثر من عام مع زيادة ضخمة في العلاقات مع الامريكيين، والتقارب مع عائلات ووجهاء في القدس، إلى جانب كونه يزيد في نسبة تطبيع علاقات بلاده مع الاسرائيليين حتى وصل الامر ليشكره السفير الاسرائيلي في القاهرة بالاسم، واعتبره شريك اسرائيل.

الأمير بن سلمان التقى بكوشنير عدة مرات في السر والعلن تحت شعار “هندسة مبادرة سلام جديدة” كُتب عليها أن تُعلن من بوابة اقتصادية تموّلها السعودية، اسماها الامير “نيوم”، في حين بالنسبة للولايات المتحدة بدأت من بوابة اعلان القدس وما تلاه من خطوات اتخذت منحى سلبيا باعتبارها منحازة سلفاً الى الاسرائيليين.

الوصاية الهاشمية..

النظام الاردني “الهاشمي” استمد الجانب الديني من شرعيته لسنوات طويلة من وصايته على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وهو الامر الذي لا يبدو مقلقاً للاسرائيليين قدرما هو “يغيظ” بعضاً من الاشقاء، حيث شعرت المرجعيتين الدينيتين في مصر والسعودية ببدء التباعد مع عمان منذ سنوات، وهو الأمر الذي وضع الوصاية ذاتها على المحك.

ولي العهد السعودي بن سلمان ومنذ نحو عام هندس عدة احتكاكات على قاعدة المرجعيات الدينية، فالاردن احترم مرجعيته الدينية الهاشمية الممتدة لال البيت (اسرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم) حين لم يقبل الدخول بكل ثقله في الحرب السعودية على اليمن، حيث يدرك جيدا ان جماعة انصار الله الحوثية او ما عرف بالحوثيين هم امتداد للاسرة ذاتها، كما تجنب مرات عدة دعوات متزايدة بالدخول برا في سوريا ومواجهة ما يسميه بـ”المليشيات الطائفية” والتي يقصد بها عناصر حزب الله والمقاتلين الايرانيين، وهذا ايضا قرار ذو خلفية مرجعية.

هذه المواقف ليست وحيدة فعمان لم تغلق السفارة الايرانية لديها، كما لم ترضخ للضغوط للقبول باعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب القدس كعاصمة لاسرائيل واصرت على اعتبار قرار نقل السفارة مخالف للقوانين ومنعت كل موظفي سفارتها من حضور هذا الاعلان.

كل ما ورد زاد من التوتر السعودي، وعلى ما يبدو ان الامير بن سلمان قلق بصورة كبيرة من التقارب الاردني مع المرجعية العثمانية المتمثلة بتركيا، والتي يعتبرها الامير جزء من “ثالوث الشر” الذي تحدث عنه في مصر وقال انه يهدد امن المنطقة. (لاحقا نفت السفارة السعودية في انقرة التصريحات، غير ان أي مصدر من السعودية لم ينفها كما اكدها الصحافيون المصريون الذين حضروا كلمات بن سلمان).

التقارب الاردني التركي أثار وبصورة كبيرة السعودية، وهو ما شهد العالم تداعياته قبيل قمة اسطنبول، حين دعت الرياض ملك الاردن وطلبت اليه الا يحضر القمة المذكورة، ثم بالغت في جفائها عمان وفي عدم تقديم أي مساعدات وحتى بالبحث عن مستثمرين من القطاع الخاص للتعامل معهم ضمن مشروع نيوم الشهير بدلا من الحكومة الاردنية.

التفاصيل الكثيرة بدت كنمط واضح يعبر عن مدى اعتبار الامير بن سلمان للوصاية الهاشمية والنسب الملكي في الاردن كواحد من الاسباب التي تفقده بعضا من بريقه الامر الذي يجعل مقربين منه يتحدثون عن رغبته الجامحة في المنافسة على الوصاية على المقدسات، من جانب تشريفي ومن جانب اخر ليستغني عن أي حاجة لدور اردني، الامر الذي قد يتحقق معه جزئيا مع اعلان كوشنير الاخير والذي بالطبع لا يأتي الا من قرار سياسي في ادارة ترامب المتشددة.

بكل الاحوال، عمان اليوم تواجه الكثير من التهديدات ولعل تهديد وصايتها على القدس واحدة من اخطرها، خصوصا وهي اليوم مرتبطة اقتصاديا بالقرار امريكي، وبعد اشهر ستغدو مرتبطة أيضاً بالقرار الاسرائيلي حيث ستبدأ اتفاقات الغاز مع اسرائيل ومصر (لتمرير غاز تشتريه القاهرة من اسرائيل)، وهو ما سيزيد ضعف الموقف السياسي المحلي.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى