جملة اعتراضية| مشادة في مستشفى المعادي (علاء الاسواني)

 

 
علاء الاسواني

هذه الحكاية لن تقرأها في مكان آخر لأنها ممنوعة من النشر:
بعد أن حضر الرئيس المعزول مرسي أولى جلسات محاكمته، تم نقله الى سجن برج العرب، هناك أحضر له أهله إحدى أكلاته المفضلة: بطة كاملة محشوة بالبصل اللذيذ مع ملوخية وأرز معمر والحلو عيش سرايا بالقشدة. أكل مرسي بشهية كبيرة وصلى العشاء وتأهب للنوم، وفجأة أحس في صدره بآلام شديدة، فتم استدعاء طبيب السجن الذي شخص حالته باعتبارها أزمة قلبية. تم نقل مرسي بطائرة خاصة الى مستشفى المعادي العسكري حيث أدخل على الفور الى العناية المركزة، وظل تحت العلاج عدة أيام، بينما وسائل الاعلام كلها تؤكد أنه في سجن برج العرب.. في الجانب الآخر من المستشفى كان حسني مبارك يسكن في جناح خاص حيث يقضي فترة الإقامة الجبرية بعد ان انقضت فترة حبسه احتياطياَ. وجود مبارك ومرسي في المكان نفسه أثار تعليقات العاملين في المستشفى، اذ رأى فيه كثيرون عبرة لمن يعتبر. هاهما رئيسان توليا السلطة وأطاحت بهما الثورة المصرية. جناح مبارك كبير فاخر يضم مكتباً وصالوناً وهو يأكل ما يريده ويرتدي ملابسه المدنية ويستقبل الزوار، بعد استئذان السلطات، كما أن السيدة سوزان زوجته تقضي معه طوال النهار ولا تنصرف إلا بعد أن ينام. كان هناك أحد الأطباء يرافق مبارك، لكن ادارة المستشفى استبدلت به طبيباً جديداً من أسبوع. لم تسترح السيدة سوزان للطبيب الجديد، بدا في نظرها شاباً غريب الأطوار مندفعاً، كما أنه أكثر من مرة استعمل في حديثه تعبير «ثورة يناير» وهو ما لم تغتفره السيدة سوزان. فجأة انفتح الباب وظهر الطبيب المرافق وقال:
ـ يافندم. هناك مريض في المستشفى يطلب زيارتك.
ـ أهلاً وسهلاً.
هكذا قال مبارك، وكان دائماً يرحب بالزوار اذ يشعر أن بعض الشعب لا زال يحبه. لكن الطبيب استطرد قائلا:
ـ طالب الزيارة هو الدكتور محمد مرسي.
بدت علامات الدهشة على وجه مبارك ونظر الى السيدة سوزان التي قالت:
ـ «دي وقاحة». قل له الرئيس رافض يقابله.
أشار مبارك الى سوزان بيده وقال بصوت خافت:
ـ «معلهش خلينا نشوف عاوز إيه. خليه يتفضل».
خرج الطبيب بسرعة وقد بدا عليه الانفعال، ولعله كان يمني نفسه بحضور مقابلة لا تنسى بين الرئيسين المعزول والمخلوع. انفتح الباب ودخل مرسي وقد بدا وجهه شاحباً، ابتسم ومد يده ليصافح مبارك الذي ناوله يده بأطراف أصابعه كعادته مع كل من يعتبرهم أقل منه قدراً. تجاهل مرسي الاستقبال البارد وجلس على المقعد المقابل وقال:
ـ أنا قلت لنفسي لا يليق أبداً ان نكون في المستشفى نفسه ولا أحضر للاطمئنان على سيادتك. سيادتك تذكر ان «الاخوان» قالوا في اكثر من مناسبة إنك والد المصريين جميعاً ورمز مصر. وأظنك تشهد أنني في فترة رئاستي، كانت تعليماتي مشددة، بحسن معاملة سيادتك. كل المشكلات كنا سنحلها تماماً لكن الانقلاب حدث فتوقف كل شيء.
راحت السيدة سوزان ترمقه باستهجان بينما قال مبارك:
ـ صحيح يا أخ مرسي لكني في الحقيقة تعبان ومحتاج أستريح. هل فيه موضوع معين عاوز تتكلم فيه؟
ـ ربنا يشهد يافندم أنني لم أسع طوال حياتي الى سلطة أو جاه.
ابتسم مبارك ساخراً وقال:
ـ لا أبداً. إنت حتقول لي؟
هنا تدخل الطبيب قائلا:
ـ بل أنتم تخربون بلدكم من أجل السلطة؟
قال مرسي:
ـ نحن نقاتل دفاعاً عن الشرعية ضد الانقلاب العسكري.
رد الطبيب:
ـ ما حدث في مصر ثورة وليس انقلاباً. الانقلاب الحقيقي أنت عملته لما عطلت القانون بالإعلان الدستوري وجعلت قراراتك هي القوانين. المصريون سحبوا الثقة منك بأنفسهم لأنه ليس لديهم برلمان. الجيش أدى واجبه وحمى ارادة الشعب.
نظر مرسي بضيق الى مبارك كأنما يطلب تدخله فأشار بيده للضابط الذي صمت. قالت السيدة سوزان:
ـ يا أخ مرسي أنا شايفة الحوار غير مفيد.
ابتسم مرسي وقال:
ـ صبرك بالله ياست هانم.
ثم توجه الى مبارك وقال:
ـ بالرغم من إصراري على حماية الشرعية إلا أنني أحس بمسؤولية أمام الله والشعب. لقد جئت يافندم لكي أطلب من سيادتكم التدخل لوقف نزف الدم. أنت لا شك تعرف قيادة الانقلاب وتستطيع إقناعها أن كل هذا الانقسام ليس من مصلحة أحد. الشباب يموتون كل يوم والبلد حالها واقف. قيادات «الاخوان» كلهم في السجن وشبابنا يعتقلون ويحاكمون كل يوم.
قال مبارك:
ـ يا أخ مرسي. أنتم السبب لأنكم طمّاعون وغدّارون. أنتم قعدتم مع عمر سليمان أثناء أحداث «يناير» ووعدتموه أن تصرفوا الشباب من «الميدان» وتوافقوا على استمراري في الحكم مقابل السماح لكم بتكوين حزب، لكنكم كالعادة لم تنفذوا وعودكم وطمعتم في الحكم، والآن تدفعون الثمن.
قال مبارك:
ـ وحياتك من غير خطب. أنا واخذ أدوية وتعبان.
ابتسم مرسي وقال:
ـ حاضر. سأختصر. ممكن سيادتك تتوسط من أجل حقن الدماء. لقد اتصلت بفضيلة المرشد الصبح فأكد لي أن «الاخوان» على استعداد للتفاهم مع الانقلابيين بشرط الإفراج الفوري عن قيادات «الاخوان» وكل المعتقلين. اذا توصلنا الى اتفاق يرضي «الاخوان» فسوف تتوقف التظاهرات والهجمات ضد الجيش في سيناء فوراً.
هنا قال الطبيب:
ـ كل من يشن هجمات ضد جيشه خائن.
التفت إليه مرسي غاضباً وقال:
ـ أنا في سن والدك وأرفض طريقة حديثك. الذين يشنون الهجمات على الجيش والشرطة ليسوا من «الاخوان».
ـ ما دمت تستطيع إيقاف الهجمات فأنت مسؤول عنها.
ـ لا أملك السيطرة على غضب الشباب.
ـ شباب «الاخوان» يتحركون بالأوامر وفقاً للسمع والطاعة. أنت أخرجت الإرهابيين من السجون ورفضت محاسبتهم على قتل جنودنا حتى تستعملهم لحسابك. هل نسيت من اعتقلتهم وعذبتهم في عهدك. هل نسيت الشهيد الجندي وكريستي وجيكا وشهداء بورسعيد الذين قتلتهم الشرطة بأوامر منك.
هبَّ مرسي واقفاً وصاح في الطبيب:
ـ إسمع يابني. لا أريد أن أتكلم معك.
ثم تطلع الى مبارك وقال:
ـ يافندم أنا جئت أعرض الموضوع وسيادتك فكر فيه براحتك.
قالت سوزان:
ـ إنت و«الاخوان» عملتم مؤامرة على مصر في يناير 2011 والشعب انساق معكم. الناس عرفت قيمة الرئيس مبارك لما شافتكم على حقيقتكم. الشعب كله بيقول ولا يوم من أيام الرئيس مبارك.
قال الطبيب:
ـ آسف يا مدام هذا الكلام غير صحيح. أولا ثورة يناير من أعظم الثورات في التاريخ بشهادة العالم، وثانياً «الاخوان» لم يصنعوا الثورة وإنما سرقوها، وثالثاً حكم «الاخوان» وحكم «الحزب الوطني» أحدهما أسوأ من الآخر. من جعل ملايين المصريين يعيشون في المقابر والعشوائيات ويشربون مياه مخلوطة بالمجاري.. قالت سوزان:
ـ على الأقل الرئيس مبارك تنحى عن الحكم بإرادته حرصاً على دماء الشعب.
ـ غير صحيح بل الثورة هي التي أجبرته على التنحي بعدما تسبب في قتل آلاف المصريين.
صاحت سوزان:
ـ اسمع يا دكتور أنت هنا تشوف شغلك فقط ولا تتكلم إلا بإذن.. فاهم؟
ـ لست خادماً عندك حتى أحتاج الى إذن كلام. أنا ضابط طبيب من حقي أقول رأيي في شؤون بلدي. «الاخوان» أجرموا في حق المصريين وأنتم أجرمتم أيضاً في حقهم. «الاخوان» يعيشون في عالم افتراضي ويعتبرون أنهم حماة الدين مع انهم مجرمون وأنتم تعيشون في عالم افتراضي ولا ترون مستنقع الفساد والظلم الذي انحدرت اليه مصر على أيديكم. أنتم و«الاخوان» وجهان لعملة واحدة رديئة.
صاحت مدام سوزان وهي ترفع سماعة الهاتف وقالت:
ـ أنا أتصل بقائد المستشفى يعرف شغله معك.
صاح الطبيب وقد بدا أنه فقد السيطرة على نفسه:
ـ أعلى ما في خيلك اركبيه..
ثم فتح الباب وخرج وصفقه خلفه بقوة. ساد الصمت وراح المعزول والمخلوع يتبادلان النظرات المرتبكة ثم قال مرسي لمبارك:
ـ معلهش يا فندم الولد ده باين عليه طائش. خلينا في موضوعنا. أنا أتمنى سيادتك تفكر في موضوع الوساطة وأنا بإذن الله أمرّ عليك الصبح لأجل أنقل رأيك لفضيلة المرشد.
نظر مبارك الى مرسي ثم هز رأسه.
الديموقراطية هي الحل

صحيفة المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى